بوصلة "إسرائيل" الأفريقية.. تطبيع بمقوّمات استراتيجيّة

الاهتمام الإسرائيلي بالقارة الأفريقية لا يُعد حديث العهد، فقد سعت "إسرائيل" إلى تطبيع علاقاتها مع الدول الأفريقية منذ تأسيسها في العام 1948.

  • بوصلة "إسرائيل" الأفريقية.. تطبيع بمقوّمات استراتيجيّة
    الاهتمام الإسرائيلي بالقارة الأفريقية لا يُعد حديث العهد

تعتمد استراتيجية أية دولة على مقوّمات أساسية، أهمها العقيدة السياسية التي يقوم عليها النظام السياسي، والوضع الجيوستراتيحي للإقليم الذي توجد فيه، كما أن الموارد الطبيعية، وعدد السكان، ودرجة التقدم الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي، ومن ثم القوة العسكرية، كلها عوامل تُهندس العقيدة الاستراتيجية للدولة ومفهوم الأمن القومي فيها. 

ويتفق الباحثون في الدراسات الإسرائيلية على أن مفهوم الأمن القومي لـ"إسرائيل" يرتكز على أن استراتيجيتها العليا تنطلق من مُحددات سياسية وعسكرية وجغرافية بأطر توسعية، لكنها تتأثر بالوضع الجيوستراتيجي في الشرق الأوسط بصفة عامة، والعالم العربي بصفة خاصة.

وفي هذا الإطار، تحرص "إسرائيل" على توجيه بوصلتها نحو القارة الأفريقية، التي باتت تُمثل عُمقاً استراتيجياً لها، وفق النظرة الإسرائيلية التي تتمحور حول قدرة هذه القارة على أداء دور محوري في أية تسوية مُحتملة للصراع العربي الإسرائيلي، إضافةً إلى نظرات إسرائيلية تتعلق بتحسين الصورة الإسرائيلية أمام الرأي العام الأفريقي، مُعتمدة في ذلك على الحضور السياسي والاقتصادي، وكذا سياسة الدبلوماسية المؤثرة.

الاهتمام الإسرائيلي بالقارة الأفريقية لا يُعد حديث العهد، فقد سعت "إسرائيل" إلى تطبيع علاقاتها مع الدول الأفريقية منذ تأسيسها في العام 1948، وشهدت هذه العلاقات مراوحة بين الانقطاع والتنامي التدريجي، وصولاً إلى العلاقات الوثيقة، فقد كان اهتمام الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بهندسة العلاقات الأفريقية يتصاعد ويتراجع وفق سلّم الأولويات الإسرائيلية.

ومنذ مجيء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة في العام 2009، وخصوصاً خلال ولايته الثانية، شهدت العلاقات الإسرائيلية الأفريقية تطوراً ملحوظاً، تجسّد في الزيارات التي قام بها إلى أفريقيا، وهي الأولى من نوعها لرئيس وزراء إسرائيلي منذ 50 عاماً، أعلن خلالها أنّ "إسرائيل تعود إلى أفريقيا، وأفريقيا تعود إلى إسرائيل"، تلتها 3 زيارات مُشابهة، شارك في واحدة منها في القمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في ليبيريا في العام 2017، كأول زعيم غير أفريقي تتم دعوته لحضور القمة، ما اعتبر حدثاً غير مسبوق.

وشهدت الأعوام السابقة زيارات متعددة لزعماء الدول الأفريقية إلى "إسرائيل"، واستئناف العلاقات الدبلوماسية بعد فترة من القطيعة مع غينيا في العام 2016، وتشاد في العام 2019، بينما افتتحت تنزانيا سفارة لها في "إسرائيل" في العام 2018، لتصبح الدولة الأفريقية الخامسة عشرة التي لها بعثة دبلوماسية في "إسرائيل"، كما أصبح للأخيرة 11 بعثة دبلوماسية في القارة السمراء، بافتتاحها سفارتها في رواندا في العام 2019، الأمر الذي يشي بأن مروحة التطبيع مع القارة الأفريقية، وتحديداً الدول ذات الثقل العالمي، تتسع. وباتساعها، تتنامى العلاقات الإسرائيلية الأفريقية وتتعزز.

 يُلاحظ أن نصف الدول العربية موجودة في القارة الأفريقية. وعلى الرغم من عمق العلاقات التي تربط تلك الدول بفلسطين تاريخياً، فإن الأعوام الأخيرة شهدت تراجعاً ملحوظاً في مستوى العلاقات الفلسطينية الأفريقية. 

يعود ذلك إلى عوامل الجذب الإسرائيلي للدول العربية في القارة الأفريقية، وذلك من خلال فواعل اقتصادية وأمنية وتنموية، الأمر الذي ترجمته تلك الدول من خلال التصويت لصالح "إسرائيل" في الأمم المتحدة، أو الاكتفاء بالحياد في قضايا تتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.

وعلى سبيل المثال، نذكر بعض النماذج عن الضّرر الذي يُسببه التقارب الإسرائيلي الأفريقي على المصالح الفلسطينية خصوصاً، والعربية عموماً، ففي أيلول/سبتمبر 2015، قامت كل من توغو ورواندا وكينيا وبوروندي بالتصويت ضد قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يطالب "إسرائيل" بالانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.

وأيضاً، قامت نيجيريا ودولة أفريقية أخرى بالتصويت لصالح "إسرائيل" لشغل منصب رئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة في حزيران/يونيو 2016، وكانت نيجيريا في العام 2014 قد امتنعت في مجلس الأمن عن التصويت على مشروع القرار العربي الذي يدعو "إسرائيل" إلى إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية خلال مدة 3 سنوات، ما أدى إلى فشل القرار، وهناك 4 دول عربية أخرى صوّتت لصالح "إسرائيل" في قضية اللجنة القانونية، من ضمنها مصر.

ضمن ما سبق من معطيات، يُمكننا القول إن مُحددات السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه القارة الأفريقية، يُمكن حصرها بالآتي:

أولاً، الأهمية الجيوسياسية والأمنية للقارة السمراء بالنسبة إلى "إسرائيل"، وخصوصاً أن لها علاقات متشابكة مع الدول العربية، تستطيع من خلالها التأثير في المَوقف العربي.

ثانياً، المصالح الاقتصادية، إذ تُعتبر القارة السمراء غنيّة بالموارد، وتشكّل سوقاً للبضائع الإسرائيلية، فضلاً عن توظيف "إسرائيل" ليهود أفريقيا، ومن ثم زيادة معدلات الهجرة إليها.

ثالثاً، القدرة التصويتية للدول الأفريقية في المحافل الدولية. هذا الأمر تحاول "إسرائيل" استثماره عبر نسج علاقات على الصُعد كافة، بما يؤمن لها جانب دعمٍ يوظف في أي استحقاق أممي، سواء كان ضدها أو في صالحها.

في المحصّلة، من الواضح أن العلاقات الأفريقية الإسرائيلية تزدهر وتتطور، ومن الواضح أيضاً أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية مركزية تلقى إجماعاً من الدول الأفريقية.

 وكنتيجة منطقية للتطبيع، بدأت دول القارة الأفريقية بقبول "إسرائيل" كجزء من المنظومة الدولية، وتحييد القضية الفلسطينية عن هذا المسار، فظهور النخب الحاكمة في أفريقيا، والتي ترتكز على مفاهيم وأولويات تبتعد عن مفاهيم الصراع العربي الإسرائيلي بمفهومه الواسع، ساهم في تعبيد طريق التطبيع بين "إسرائيل" والدول الأفريقية بصورة غير معهودة.

اغتصبت فلسطين في يوم النكبة، وفي يوم القدس العالمي إحياء لقضية فلسطين في نفوس كل المقاومين، وبين اليومين تاريخ نضال وتضحيات.. في زمن القدس، تغطية خاصة حول فلسطين والقدس، ومحاولات التطبيع المستمرة، التي بدأت تأخذ بعداً أكثر مباشرة ووقاحة.