عامٌ ثامنٌ لـ "الميادين": قلب المقاومة في قلب كلِّ حدث

يطل هذا المشروع ذو البنيان المتين على حماية فكرة المقاومة، مجتمعياً وثقافياً، في زمن تضيق فيه الخيارات وتتحدد المواقف.

  • عامٌ ثامنٌ لـ "الميادين": قلب المقاومة في قلب كلِّ حدث
    في عامها الثامن، لم تعد "الميادين" خياراً، وإنما غدت قراراً

في عامها الثامن، لم تعد "الميادين" خياراً، وإنما غدت قراراً. "الميادين" في الرسالة تشبهنا وتتماهى معنا. قلبها مع المقاومة، وعينها على فلسطين، أينما وجدت، باعتبارها رمزاً لكل أرض ترفض التسليم والاستسلام. وما بينهما، فإنَّ "الميادين" تخوض، بأدواتها، حرباً مثلنا تماماً.

لم تكن لحظة عابرة تلك التي ولدت فيها "الميادين"، بل كانت لحظة تحدٍّ موجبة. امتازت هذه المؤسَّسة في نهجها وخياراتها، فبرزت كجزء من المشروع المقاوم وأكثر! كانت كواحدٍ من أعمدته الأساس، متحرِّكة بما يوازي المنهج والتخطيط والأهداف.

و"الميادين" لم تكن خياراً، لكنها كانت قراراً لا بدَّ منه. كانت مشاركة وحاضرة في خوض مشروع الرفض والمواجهة والتحدي على الجبهات كافة. وكذا كانت مذ برزت في لحظة فارقة، عميقة الأبعاد، وخطيرة التّبعات في تاريخ العالم العربي ومستقبله، متحدّية الآخر، لكي لا يبقى مصدراً وحيداً للخبر أو مرجعاً لتحليله بالضّرورة، فلا يستأثر بطرح القضية والتوجيه وترسيم وجهات النظر وتحديد زوايا الرؤية. قَدِمت "الميادين" إلى الساحة الإعلامية منذ بدايتها أداة ضبط للواقع الإعلامي العربي.

التحدّي حين يصير واجباً

لم يلتبس على "الميادين" دورها بين الإعلام والمقاومة. هي تتحرَّك ضمن مجموعة من الثوابت لا الإملاءات. تُعلِمك من غير أن تعلِّمّك. تطرح القضية، وتقدّم لك إحاطة وافية، من دون أن تلزمك بوجهة واحدة لقراءة الحدث. تحرّك موقعك، فتوسّع الدور المحدود للمشاهد بشكل أبعد وأعمق، ليصبح مشاركاً في الرؤية والطرح، فهي تعايش الوقائع معك، في الميدان، عن قرب. وقد برزت هذه الشاشة بقوة من خلال متابعتها الميدانية، ومشاركتها عن كثب في تغطية أهم المعارك في الإقليم.

سريعاً، بالقياس على الزمن، نضجت تجربة "الميادين"، وارتقت إلى ما هو أشبه بوكالة عالمية للحدث العربي ومرجع أول للخبر العربي، إذ تجتمع لديها الدقة والمصداقية والسبق في المعلومة.

تتركّز اهتماماتها بالدرجة الأولى على المناطق الساخنة في محيطنا، باعتبارها بؤرة المعارك وعين الاهتمام الخارجي. هي خط الدفاع الأول في المعارك كافة، ولها على هذا الصعيد تجارب بارزة في العراق وسوريا، كانت أشبه بمجازفة رابحة على كل الصعد، وهي على مستوى الحرب القائمة ضدنا الدليل والمرجع والقول الفصل. 

بدّلت هذه الشاشة موازين صناعة الجمهور واستقطابه، فكانت تميز في خطابها بين المتلقي والمشاهد، أي بين من تملكه أي وسيلة إعلامية، بالتسليم جدلاً، ومن تريد استقطابه، وليس هذا مسعى مشتركاً في الإعلام، على صعوبته، فالأول يبحث في الغالب عن صوت يشبهه، ويلتزم به خياراً واحداً في البحث والاطلاع. أما الآخر، فيملك مواقف مختلفة ومعارضة أو أسئلة وتساؤلات، وهو يبحث عن المعلومة والنقاش البنّاء والمفيد. 

المقاومة في كل الميادين

لهذه الشاشة، ذي الشعلة النارية المتقدة على يسارها، اهتمامات واسعة. صحيح أنها تخاطب الشارع العربي، بالمنظور الأعم للصورة، غير أنَّ لها جمهوراً وازناً بين الشعوب اللاتينية ومحبة خالصة منها. تحضر "الميادين" أينما حضرت مواجهة الاستكبار، فهي تطرح هذه القضية وتتبناها وتشارك فيها بالصّوت والحضور.

تسمع منها خطاباً شعبياً مقاوماً كل محاولات الاعتداء الأجنبية، وهذا ما يميّزها. هو خطاب إعلامي راقٍ من دون تمييز أو تحريض. تغلّب الإحساس الأخلاقي، لا المهني فحسب، في أعمالها. سريعاً، تحسم موقع الحلفاء والأعداء، بما لا يتطلّب تعديلات طارئة بحسب الأحداث والتطورات. لها معيار واحد في المحاكمة واتخاذ القرار. الاحتلال عدوّ أول كيفما وأينما حضر، وهذا مبدأ ثابت، والإنسانية والعروبة والوطنية هي الميزان. بها تقيس "الميادين" مواقفها ورؤاها وتوجهاتها، وعليها تحدد التزاماتها.

يراقبها الإعلام الإسرائيلي عن كثب، فينتظر أخبارها ومقابلاتها، وهذا شاهد آخر على نجاحها في دورها ومهمتها بشكل أبعد، فهي تستفز العدو ذا الأوجه المتعددة طبعاً. يحسب لهذه المؤسسة وعيها التام، إذ شاركت في تحديد خيارات الشعوب المقاومة وتلاقي مصائرها، كما هو الحال في تعاونها مع "تيلي سور" والوكالة الدولية الروسية للإعلام، فهي تبحث عن نقاط التلاقي بين شعوب العالم عامة، بعيداً من لغة مألوفة عند الآخر في تعزيز التفريق والتقسيم. تتخذ موقفاً صارماً في هذا الإطار، وهذا ما يعكسه تقديم موقع إلكتروني غني باللغتين العربية والإسبانية، فهي ترفض الاستسلام للغة المسيطرة على العالم أو الانهزام أمام الهيمنة الثقافية الأميركية تحديداً، والغربية عموماً.

محطات تالية في الحلم

يطل هذا المشروع ذو البنيان المتين على حماية فكرة المقاومة، مجتمعياً وثقافياً، في زمن تضيق فيه الخيارات وتتحدد المواقف. تكسب "الميادين" ثقتك، فتتابعها من دون أن تلتبس عليك المفاهيم أو تختلط عليك المشاعر. تلتزم بالمعايير المهنية، وتعيد ضبطها في إطار المقاوم والمراقب، فتقف أبعد بكثير من أن تتحوّل منبراً للعدو، ولو حتى بإخراج مسرحي للمقابلة. وإن كانت هذه اللحظات تثير حماسة الجمهور وتخدعه، إلا أن هذه المؤسسة تعمل على درجة عالية من الوعي. وكما تحترم عقل الجمهور، فإنها تحترم انتماءه وهُويته في أصالتها.

تنجح "الميادين"، مرة ثامنة، في الوقوف سداً منيعاً في وجه كلّ محاولات التشويه والسطوة، وهي تخوض معاركها على جبهتين موازيتين: الإعلام والمقاومة. تفصّل مفاهيم الإعلام على قياس المرحلة الراهنة، مع معرفة ما مضى منها واستشراف ما هو آتٍ بعدها.

بدقة بالغة، ومن دون أن تتلاعب بالقواعد المهنية، تدخل تعديلات تتلاءم مع التحديات المفروضة على المجتمع العربي، فكل مسألة تطرح تسقط عليها قضايا المقاومة وتحدياتها، تماماً كما هو الواقع.

تشحذ "الميادين" طاقتها، وتنطلق في جولتها التاسعة. ببراعة مطلقة، تجمع نقاط قوتها وتزيدها عاماً بعد آخر، فتدخل في صلب معادلة الإعلام المقاوم والإعلام الحقيقي في آن. ويعزز "الميادينيون"، ثمرةُ هذا المشروع في الفكر والتوجهات والمبادئ العملية المستحدثة، تحركهم على أرضية صلبة تعتمد على التنقّل بين أسس مبنية على الحقائق الثابتة في السياسة والثقافة والمجتمع.

تزداد هذه الأرضية صلابة حين تجمع كل ما يجب جمعه، وكل ما لا بد من أن يجتمع في عرف "الميادين" وقانونها، حتى إن الوقائع التي تعمل عليها هذه المؤسسة في ثوابتها، أقوى من الجغرافيا، إذ تستبدل بشتات المسافات وحدة التحديات والقضايا المشتركة، من دون أن تفسح حيِّزاً للمهووسين بترف الهروب من الواقع.

"الميادين" تختم اليوم جولة جديدة، وتسير نحو التالي في مشروعها الكبير. وفي زمن تزداد صعوبته، فإن هذه المؤسسة تمعن في التحدي، وتثبت مرة تلو الأخرى أنها تخوض مغامرة ليست سهلة قطعاً، لكنها بالتأكيد مغامرة ناجحة في المواقف والأهداف، وبالمعايير كافة، وتبرز كخارطة طريق لحلم ما عاد ببعيد.