تساؤلات حول الزحف الفلسطيني إلى الوطن في الداخل

القرار الإسرائيلي أثار التساؤلات والشكوك حول هدفه، والذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون سلوكاً عفوياً أو إنسانياً.

  • قَدِم الكثير من الفلسطينيين بهدف العبور إلى أراضي الـ48 عبر ثغرة في الجدار (أ ف ب )
    قَدِم الكثير من الفلسطينيين بهدف العبور إلى أراضي الـ48 عبر ثغرة في الجدار (أ ف ب )

فوجئ الفلسطينيون - سلطة وأحزاباً وشعباً - بالسماح (التسهيل أو التساهل) الإسرائيلي لهم بالوصول إلى الداخل الفلسطيني من دون تصاريح (كما جرت العادة)، وعلى مرأى ومسمع من رجال الأمن الإسرائيليين.

أثار القرار الإسرائيلي التساؤلات والشكوك حول هدفه، والذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون سلوكاً عفوياً أو إنسانياً، لأننا ندرك تمام الإدراك أن "إسرائيل" مسكونة بالعقيدة، بل بالعقدة الأمنيّة. وما زاد الحيرة أنَّ هذا القرار جاء في ظلّ حالة الإغلاق والتّشديد التي تعيشها "إسرائيل" بسبب الوضع الصحي (كورونا)، وبالتزامن مع وقف التنسيق الأمني مع السلطة الوطنية الفلسطينيّة.

 إنَّ السلوك الإسرائيلي في هذه الحالة يتمحور أولاً حول فلسفة "إسرائيل" السياسية اليمينية، ونظرتها إلى مستقبل صراعها مع الفلسطينيين، إذ إنَّ الأحزاب الإسرائيلية بشكل عام، والأحزاب اليمينيّة بشقّيها القومي والديني بشكل خاص - وهي التي تحكم "إسرائيل" حالياً - تؤمن في قرارة نفسها، وفي صلب إيديولوجيتها - بعيداً من التكتيكات أو الإعلام - بضرورة إقامة "إسرائيل الكبرى"، وهو ما يقتضي بالضرورة رفض فكرة دولة فلسطينية ذات سيادة، وعدم الاعتراف بالفلسطينيين وبهويتهم الوطنية، وتحويلهم إلى أفراد يبحثون عن العمل والسياحة والتجارة، وربما لاحقاً بعض الحقوق المدنية والسياسية.

 وبما أن "إسرائيل" غير قادرة حالياً على تطبيق إيديولوجيّتها بالتخلّص من الوجود الفلسطيني، أو تقليصه بحدوده الدنيا على أقل تقدير، فعليها التعامل مع هذا الوجود بواقعية ضمن مفهوم "السلام الاقتصادي"، والذي يعيد صياغة طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي أو الفلسطيني الإسرائيلي على أسس اقتصادية ضمن مفهوم "إسرائيل الكبرى"، أو على أقل تقدير الدولة الواحدة، لكن بالرؤية الإسرائيلية.

ومن هنا جاءت هذه الخطوة الإسرائيلية على هذا الشكل وبهذه الطريقة. ومن المتوقع أن تليها خطوات أكثر في هذا الاتجاه، وبشكل خاص مع الضفة الغربية، مع الإبقاء على قطاع غزة بعيداً ومفصولاً.

ومن اللافت أن سماح "إسرائيل" للفلسطينيين بالدخول تم وسط صمت - إقرار بالرضا والموافقة - من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وكذلك جميع الأحزاب الإسرائيلية من مختلف الاتجاهات والتوجهات، إذ لم يبدِ أيٌّ منها امتعاضاً أو اعتراضاً أو تخوفاً أمنياً من هذه الآلاف الفلسطينية الزاحفة إلى وطنها في الداخل.

كيف وصلت "إسرائيل" إلى هذه الدرجة من الثقة بسلوكنا؟ وكيف وصلنا إلى هذه الحالة التي لم نعد فيها مصدر قلق أو خوف للإسرائيليين؟ هل هو فقدان البوصلة، أو الإحباط وفقدان الثقة بين الشعب من جهة والأحزاب والسلطة الوطنية من جهة أخرى، أو هو الإنسان (الفلسطيني الجديد) الذي أعيدت عملية هندسة وعيه على مدار سنين بمفاهيم اقتصادية معيشية؟

ثانياً: توجيه رسالة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية - والتي عادة ما تلوّح بوقف التنسيق الأمني أو بحلّ نفسها وتسليم المفاتيح - بأنَّ "إسرائيل" قادرة على التواصل والتعامل مع الشعب الفلسطيني مباشرة، وكذلك تطبيق سياسة العصا والجزرة التي تقوم على معاملة الفلسطينيين بحسب سلوكهم تجاه الاحتلال، والتي نادى بها أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" ووزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق.

تحاول "إسرائيل" إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الانتفاضة الفلسطينية الأولى، حيث كانت للفلسطيني حرية الحركة اقتصادياً، والفرصة الآن مؤاتية جداً، لأنَّ منظمة التحرير الفلسطينية بحكم الحاضر الغائب، ومن المستبعد أن تكون قادرة على تحريك الشارع الفلسطيني أو توجيهه، مثلما حدث في الانتفاضة الأولى.

حاول البعض تفسير الخطوة الإسرائيلية على أساس اقتصاديّ، أي إنعاش الاقتصاد في ظل أزمة كورونا والإضرار بالاقتصاد الفلسطيني. أيعقل أن ينعش الاقتصاد الإسرائيلي أو يتضرَّر الاقتصاد الفلسطيني بفعل بضعة ملايين من الدولارات سينفقها الفلسطيني في الداخل؟

أما على الجانب الفلسطيني، فيمكن تفهم إقبال المواطن الفلسطيني وشغفه لرؤية وطنه، ولكن من الصعوبة بمكان تفهّم صمت القيادة والأحزاب الفلسطينية، فهي لم ترحّب أو توضح أو تمنع، بل اتخذت موقفاً محايداً، فهل ينفع الحياد هنا؟