هل ينجح سيناريو التقسيم في لبنان؟

سؤال يبرز إلى العلن، ولا يستطيع أحد الإجابة عليه: هل يمكن أن يعزز إسقاط الدّولة اللبنانيّة من دون بديل مكانة حزب الله، ما سوف يؤدي إلى فشل الرهانات على بعض الداخل والخارج؟

  • الإمارات اللبنانية غير المتحدة تعود إلى الانتداب
    يعلم كثيرون أنَّ تقسيم لبنان يعني تأطير المقاومة وحدّها بجغرافيا ضيقة

في الثامن من شهر آب/أغسطس، وعقب انفجار مرفأ بيروت، خرجت تظاهرات شعبية غاضبة. وفي الوقت الذي يفترض أن تكون الأجهزة الأمنية منكبّة على حماية مؤسَّسات الدولة، غاب عناصر هذه الأجهزة عن عدد كبير من المباني الأساسية.

 لم يكن الأمر مرتبطاً بإهمال أو تقصير، بل أتى في سياق أزمة اقتصادية وتوترات لم يشهدها لبنان منذ اندلاع الحرب الأهلية، فقد خرج المتظاهرون يطالبون بإسقاط رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، في لحظة تسعى فيها دول خارجية إلى استعادة دور ضائع والحصول من جديد على نفوذ سياسي في هذا البلد. 

في تلك الليلة (المريبة)، استطاع متظاهرون في الأشرفية الدخول إلى وزارة الخارجية. وفي بيروت، استطاع بعض المتظاهرين اقتحام مكتب تابع لوزارة الاقتصاد، وتداول كثيرون أنباء عن محاولة بعض الجهات السياسية العبث ببعض الملفات المتواجدة داخل المكتب والتلاعب بها، لإخفاء سجلات ومعلومات تحوم حولها شبهة فساد.

كذلك استطاع متظاهرون الدخول إلى مبنى مؤسَّسة كهرباء لبنان في مار مخايل، وقاموا بتكسير محتويات مكتبية وتحطيمها، فهل كان الأمر مجرد صدفة أو هناك من حاول استغلال لحظة فراغ قاتلة كادت تتحول إلى انقلاب سياسي؟

في ظلّ المتغيرات التي شهدها لبنان، لا بدَّ من طرح سؤال جدّي عن الهدف من هذا التراخي، فقد كانت بعض الجهات السياسيّة على علم بمساعي المتظاهرين لوضع لبنان تحت الوصاية الدولية، باعتبار أن الظروف مؤاتية لذلك (أزمة اقتصادية، انفجار مرفأ بيروت، فلتان أمني). 

نظرياً، بدا إسقاط الدولة اللبنانية قاب قوسين أو أدنى، فمن خلال السيطرة على بعض المباني الحكومية، وشيوع حالة من الفوضى والذعر والاضطراب السياسيّ، كانت ستتوالى بعد ذلك السيطرة على مبانٍ أخرى، جراء فوران الشارع وحماسته في دفع السلطة إلى الانهيار وغياب الردع الأمني، ما سيؤدي في نهاية الأمر، وخلال ساعات أو أيام، إلى معادلة من نوع آخر، إلا أنَّ انقسام المتظاهرين بين مستقلّين وأزلام الأحزاب وعناصر التيارات السياسية، وعدم وضوح الرؤية والتنسيق، وتضارب الأجندات، حال دون حصول ما كان يرمي إليه البعض من انقلاب وانهيار في مؤسَّسات الدولة الرئيسية.

قد تكون الفوضى الداخليّة مرتبطةً بمسار التطبيع وتقارب الأهداف الخليجية الإسرائيلية، وفرصة مناسبة لقوى داخليّة لتغيير واقع التوازنات والمعادلات القائمة، لكنَّ سؤالاً يبرز إلى العلن، ولا يستطيع أحد الإجابة عليه: هل يمكن أن يعزز إسقاط الدّولة اللبنانيّة من دون بديل مكانة حزب الله، ما سوف يؤدي إلى فشل الرهانات على بعض الداخل والخارج؟ فإذا كان السّعي إلى إسقاط الدّولة أولاً لإنشاء حكومة بديلة في البلاد يدعمها الخارج قد سار ضمن سلاسة مقبولة، فإنّ الخارج سيكون مرحّباً بذلك. أما إذا انعكست الأمور لصالح قوى الثامن من آذار، فإنَّ التشدّد يفترض من جديد أن يصبح لبنان تحت الفصل السابع، وتحميل حزب الله مسؤولية انفجار المرفأ، وليكن حتى العمل جارياً للتحضير لتدخّل قوات دوليّة!

سيناريوهات إسقاط لبنان لم تنتهِ، إذ تعمل "إسرائيل" ودول خليجية على عدة مستويات، ففي الوقت الذي ينشغل اللبنانيون بأزمتهم الاقتصادية، يسعى بعض الخارج إلى دعم إنشاء الفيدراليات الطائفية، إما من خلال تسليح بعض الأحزاب اللبنانية، وإما من خلال إحداث التوترات الأمنية التي من شأنها أن تكون مدخلاً للأمن الذاتي والحكم الذاتي.

يعلم كثيرون أنَّ تقسيم لبنان يعني تأطير المقاومة وحدّها بجغرافيا ضيقة، وقد تغفل القوى الخارجية عن حقيقة أن الأحزاب والتيارات التي حاولت ركوب موجة التظاهرات الشعبية هي أيضاً فاسدة وشريكة في الأزمات الوطنية، وهناك صعوبة كبيرة في السيطرة على إرادة اللبنانيين، فهذه القوى الطائفية تستطيع أن تحرك شارعها الطائفي الضيق، لكنها حتماً ستفشل إذا ذهبت إلى أبعد من ذلك، وخصوصاً مع بروز الحسابات الشخصية والتنافسات التي لا تترك حليفاً إلى جنب حليفه!