إيران بين ترامب وبايدن.. المرّ والأمرّ منه

عدم اكتراث إيران بهوية ساكن البيت الأبيض، لا يعني عدم اهتمامها بالحدث الأميركي، فعين الجمهورية الإسلامية منذ أسابيع شاخصة نحو صناديق الإقتراع.

  • إيران بين ترامب وبايدن.. المرّ والأمرّ منه
    الانتخابات الأميركية قسّمت إيران إلى معسكرين في موقفها من المرشحَين

يصادف يوم إجراء الانتخابات الأميركية هذا العام، اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي بحسب التقويم الرسمي الإيراني. صدفةٌ تختصر دلالاتها أكثر من أربعين عاماً من عمر الصراع بين الدولتين، فالنظرة الإيرانية للولايات المتحدة لم تتبدل على مدى العقود الماضية بتبدّل ساكن البيت الأبيض وإنما كانت مرتبطة بأفعال الإدارات الأميركية. 

رسائل المرشد الإيراني في خطابه اليوم بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، كانت واضحةً وحاسمةً وصبّت في هذا الإتجاه، فإيران بحسب السيد خامنئي لا يعنيها تغيير الأسماء في الانتخابات الأميركية بمقدار ما يعنيها سياسة الإدارة المقبلة.

يتناغم موقف الرئيس الإيراني حسن روحاني مع كلام السيد خامنئي، وهو الموقف نفسه الذي أكدته الحكومة الإيرانية خلال الأسابيع الماضية، فهي لا ترى أي فرق بين ترامب وبايدن.

عدم اكتراث إيران بهوية ساكن البيت الأبيض، لا يعني عدم اهتمامها بالحدث الأميركي، فعين الجمهورية الإسلامية منذ أسابيع شاخصة نحو صناديق الإقتراع؛ تنظر، وتنتظر، وتتابع باهتمام بالغ ساعات الحسم في معركة انتخابية تدور رحاها بين الرئيس الحالي دونالد ترامب وغريمه الديموقراطي جو بايدن، نائب الرئيس السابق باراك أوباما.

هذا الاهتمام لم ينحصر بصنّاع القرار في طهران، بل تخطّاه إلى الشارع الإيراني الذي أظهرت الصحف الإيرانية ميله إلى فوز بايدن على عودة ثانية لترامب.

لمن تميل كفّة طهران؟

الانتخابات الأميركية قسّمت إيران إلى معسكرين في موقفها من المرشحَين. الأول لا يكترث باسم الفائز بولاية الأعوام الأربعة، فأحلاهما مرّ لطهران، سواء فاز بايدن أو ظفر ترامب بولاية جديدة، فإن سياستهما واحدة تجاهها. يرى أنصار هذا المعسكر وأغلبهم من المحافظين بأن التعويل على نتائج الانتخابات الأميركية يخالف المبادئ التي أفرزتها الثورة عام 1979، ويصرّ على ضرورة تقوية المناعة الداخلية للبلاد من أي مؤثرات خارجية، ويدعو إلى العمل على تعزيز قدرات إيران لمواجهة الضغوط الأميركية وعقوباتها لا التعويل على الرئيس المقبل.

في المقابل، يرى الفريق الآخر بأن فوز بايدن في الانتخابات سيُحدث فارقاً أو نوعاً من التغيير في السياسة الخارجية الأميركية تجاه إيران، وسيخفف من وطأة الضغوط والعقوبات وسيُعيد فتح الباب من جديد للأطر الدبلوماسية من أجل التفاوض بشأن الملف النووي.

وبالرغم من الترفّع الإيراني الرسمي عن تسمية المرشح الأفضل إلا أنه ليس خافياً على أحد الرغبة الإيرانية بهزيمة ساحقة لترامب، فالأخير فرض خلال عهده أشدّ العقوبات عليها ووصل بينهما الكباش في أكثر من ساحة إلى حدّ التلويح باللجوء إلى الخيار العسكري، كذلك فإن إيران لم تغلق بعد حسابها مع إدارة ترامب التي كانت لها اليد الطولى في اغتيال قائد فيلق القدس الشهيد الفريق قاسم سليماني.

طهران.. والولاية الجديدة لترامب

فوز ترامب لن يكون وقعه سارّاً على صُناع القرار الإيراني، فهذا يعني جولة جديدة من الضغوط ومواصلة لتطبيق سياسة الضغوط القصوى التي اعتمدها ترامب، فالأخير سعى خلال فترة ولايته الأولى إلى تضييق الخناق الاقتصادي على إيران لدفعها نحو التفاوض وفقاً لشروطه، وهذا ما عجز ترامب عن فعله، فلا إيران رضخت ولا سياسته نجحت في تحقيق تغيير طفيف في موقفها الحازم. بل على العكس، دفع ترامب بطهران أكثر نحو التمسك بسياسة الصّبر الاستراتيجي.

المجال الاقتصادي لن يكون وحده مسرح الصراع والتجاذب بين طهران وإدارة ترامب في حال عودته، فهناك ملفات إقليمية كثيرة عالقة وساحات متشعبة للمواجهة بين الغريمين: سوريا، لبنان واليمن والعراق والخليج، وقطار التطبيع والقضية الفلسطينية، والتقارب الأوروبي الذي حاول ترامب لجمه وعرقلة مساره مراراً.

تدرك طهران أن عودة ترامب تعني أربع سنوات أخرى من العقوبات، فهو لن ينتهج سلوكاً مغايراً تجاهها، حتى وإن أبدى في خطاباته الانتخابية رغبةً في حلّ هذا الملف العالق، إلا أن طهران تؤمن بأن تصريحات ترامب لا تصبّ إلا في خانة الاستهلاك الانتخابي لتبرير فشله في ليّ ذراعها وإرغامها على الخضوع للمشيئة الأميركية. وتصرّ على أن عهده كان الأسوأ على الولايات المتحدة داخلياً وخارجياً وأضعف مكانتها فانسحابه من الاتفاق النووي عام 2018، وجّه ضربةً موجعةً لمصداقيتها في الالتزام بالاتفاقات الدولية الموقّعة عليها.

ماذا يعني فوز بايدن بالنسبة لطهران؟

صحيح أن الموقف الرسمي الإيراني لا يُظهر أي أهتمام باسم الفائز، إلا أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وبعد إلحاح المذيعة في مقابلته مع قناة "سي بي أس نيوز" بالأمس، أقرّ بأنه يميل إلى فوز بايدن الذي تبعث تصريحاته الأمل، ولكن ظريف ربط هذا الأمل بشرط انتهاج بايدن سياسة مغايرة لسلفه في التعاطي مع بلاده، وبتعويض الخسائر وتقديم ضمانات أميركية بعدم الانسحاب مرة آخرى.

انطلاقاً من موقف الخارجية الإيرانية، فإن انتصار بايدن على غريمه سيكون وقعه ساراً على طهران، فالرجل الساعي إلى إنهاء حياته كرئيس للولايات المتحدة بعدما كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما لثماني سنوات، انتقد بشدة إلغاء الاتفاق النووي وأعلن عن عودته للالتزام به في حال فوزه، وأعرب عن رغبته في نزع فتيل التوتر بين واشنطن وطهران، كذلك كان قد دعا مع عدد من النواب الديموقراطيين في نيسان /أبريل الماضي، إلى تخفيف العقوبات عن إيران والسماح لها بالحصول على مساعدات طبية من أجل مكافحة فيروس كورونا، الأمر الذي يضعه في مكانة جيدة لدى مؤيدي التسوية الشاملة مع إيران داخل الدوائر الأميركية ولدى إيران نفسها.

سواء بقي ترامب أو جاء بايدن، فإن الأوساط السياسة الإيرانية تدرك بأنه ثمة خطوط حمر تضعها السياسة الخارجية الأميركية لا يمكن للرئيس المقبل تجاوزها، وتعلم جيدا بأن أداء الجمهوريين والديمقراطيين، بالرغم من الفوارق  بينهما، إلا أنهما لا يختلفان في جوهر التعامل مع الملفات الشائكة بين طهران وواشنطن. ولهذا، فإن اللّيونة التي يظهرها بايدن فيما يخص الملف النووي والنوايا الطيبة التي يروّج لها في حال فوزه قد تصطدم بعقبات عدة من بينها اللّوبيات الفاعلة في أميركا وأبرزها اللّوبي الصهيوني، والكونغرس الذي سيبني حاجزاً في وجه أي إدارة قد تذهب بعيداً في التساهل مع إيران. إضافةً الى كل ذلك، فإن بايدن سيرث عن سلفه تركة من الخلافات والنزاعات لن يقوى على تجاوزها خلال فترة قصيرة.

بعد 4 سنوات من ولاية الرئيس دونالد ترامب يخوض الأخير انتخابات جديدة للفوز بولاية ثانية، فيما يخوض الديمقراطيون معركة العودة إلى الرئاسة مستفيدين من أخطاء ترامب والمشاكل التي أغرق فيها أميركا.