الجولان: من سايكس وبيكو إلى شفردستاون وترامب.. من يسرقها يملك مبنى المحكمة

أخيراً إذا كان مَن فرّط بالجولان ارتكب خيانة وطنية؛ فمن يفكر بوهبها يرتكب خيانة أخلاقية وإنسانية وقانونية، ويعرّض المنطقة إلى حروب لا نهاية لها.

  • لا تزال الأمم المتحدة تشير إلى هضبة الجولان أنها
    لا تزال الأمم المتحدة تشير إلى هضبة الجولان أنها "أرضاً سورية محتلة"

هي الهضبة التي تمّ الاعتراف بها رسميّاً خلال الانتداب البريطاني في عام 1922، ولكن بريطانيا تخلّت عنها لفرنسا في الاتفاق (الفرنسي- البريطاني) في 7 آذار/ مارس 1923. وأصبحت الهضبة تابعة لسوريا عند إنهاء الانتداب الفرنسي في عام 1944. عند رسم الحدود الدولية عام 1923، بقيت الهضبة ضمن منطقة الجولان داخل الحدود السورية، استناداً إلى اتفاقية سايكس بيكو (بتعديلات قليلة) بين بريطانيا وفرنسا. 

في 15 أيار/ مايو 1967، تفاقم النزاع بين "إسرائيل" ومصر وتدهورت الأمور بسرعة لتصل إلى حدود أزمة إقليمية. وفي 5 حزيران/ يونيو 1967، اندلعت الحرب بين "إسرائيل" وكل من سوريا والأردن ومصر. وفي الأيام الأربعة الأولى من الحرب، تمّ تبادل إطلاق النار بين الجيشين السوري والإسرائيلي دون هجومات بريّة ما عدا محاولة فاشلة، قامت بها قوة دبابات سورية، للدخول إلى كيبوتس دان. أما في 9 حزيران/ يونيو 1967، بعد نهاية المعارك في الجبهتين المصرية والأردنية، غزا الجيش الإسرائيلي الجولان واحتل 1260 كم2 من مساحة الهضبة بما في ذلك مدينة القنيطرة. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 1973، اندلعت حرب أكتوبر وشهدت المنطقة معارك عنيفة بين الجيشين السوري والإسرائيلي. أثناء الحرب، استرجع الجيش السوري مساحةً قدرها 684 كم2 من أراضي الهضبة واستطاع السيطرة عليها لبضعة الأيام، ولكن الجيش الإسرائيلي أعاد احتلال هذه المساحة قبل نهاية الحرب. وفي كانون الأول/ ديسمبر 1981، قرّر الكنيست الإسرائيلي ضم الجزء المحتل من الجولان الواقع غربي خط الهدنة 1974، إلى "إسرائيل" بشكل أحادي الجانب ومعارض للقرارات الدولية. 

لا تزال الأمم المتحدة تشير إلى هضبة الجولان أنها "أرضاً سورية محتلة". أما "إسرائيل"، فتطالب رسمياً بالاعتراف بضم الجولان إلى أراضيها، وهو أمرٌ مُنافٍ للقرارات الدولية. وكانت "إسرائيل" قد أعلنت في بعض المناسبات استعدادها للانسحاب من الجولان في إطار اتفاقية سلمية مع ترتيبات أمنيّة خاصة. عام 1993 قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين أن "عمق الانسحاب من الجولان سيعادل عمق السلام". في جلسة مجلس الوزراء الإسرائيلي في 8 أيلول/ سبتمبر 1994 لمّح رابين إلى أن الانسحاب من الجولان سيتمّ في إطار اتفاقية سلمية تشابه معاهدة السلام بين "إسرائيل" ومصر، أي انسحاب تدريجي يترافق مع تطبيع العلاقات بين سوريا و"إسرائيل" وترتيبات أمنية خاصة، ولكن المفاوضات الإسرائيلية السورية في ذلك الحين كانت قد وصلت إلى طريق مسدود. 

إيهود باراك سبق وبادر برعاية أميركية واقترح على وزير الخارجية السوري فاروق الشرع في مباحثات "شفردستاون" في كانون الثاني/ يناير 2000 الانسحاب إلى الحدود الدولية (حدود 1923) مقابل ترتيبات أمنية خاصة وتطبيع العلاقات الإسرائيلية السورية. لكن هذه المباحثات ما لبثت أن توقّفت دون أن يشرح أي من الطرفين السبب بشكل رسمي. 

تصل الأحداث إلى محطة ترامب حيث سبق أن أدانت صحف عربية تصريحاته حول مرتفعات الجولان المحتلة وتساءلت عن غياب الموقف العربي، عقب ما كتبه ترامب في تغريدته “بعد 52 عاماً، حان الوقت لاعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل الكاملة على هضبة الجولان التي لها أهمية استراتيجية وأمنية حيوية لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمي”. وأكّد حينها المفكّرون  أن الجولان عربية، فيما حذّر آخرون من أن مثل هذه التصريحات “تضع المنطقة على شفا حرب”. في الوقت نفسه، انتقد المفكّرون ما وصفوه ﺑ “حالة التراخي العربية” في مواجهة المسار (الأميركي- الإسرائيلي).

بالطبع، هي خطوات نحو "شرعنة الاحتلال" فتحت عنوان "الجولان عربية وليست عقاراً أميركياً"، إذ سبق أن كتب جبريل العبيدي "الجولان أرض سورية منذ رسم الحدود الدولية عام 1923، حتى قبل قيام حتى "إسرائيل" نفسها، والتي تسعى الآن إلى بسط السيادة عليها بشكل نهائي بعد أن احتلّتها عام 1967. لذا؛ فأي محاولة لشرعنة الاحتلال، هو انتهاك للقرار 497 لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لعام 1981 بشأن مرتفعات الجولان السورية المحتلة.

الحقيقة أنه لا أحد ينكر العلاقة الخاصة بين (الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية)؛ كما أن ذاكرتنا حيّة جداً لتستحضر بسهولة المرات العديدة التي عطّلت فيها أميركا القرارات الدولية التي تنصف الفلسطينيين، وتوقف توتر الشرق الأوسط على يد الإجرام الإسرائيلي؛ ولا أحد ينكر قوة اللوبي الإسرائيلي في أميركا، وضرورة تقديم كل مَن يطلب منصباً في أميركا أوراق اعتماده بداية لهذا اللوبي، كي يحظى بالدعم اللازم، ليفوز بذلك المنصب؛ وغير منكور استخدام أميركا لإسرائيل كرأس حربة، وكشرطي للمنطقة تعبث كما تشاء بحماية أميركية كاملة. ولكن أن تصل الأمور برئيس أميركي أن يهب ما لا يملك لمن لا يستحق، فهذا لم يحدث بعد.

تبقى هي "الجولان" تعود من جديد بعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث التصوّيت لمصلحة قرار يقضي بانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من كامل الجولان السوري، ليحضر مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة معتبراً التصويت رسالة مهمة موجّهة من المجتمع الدولي.. هنا نتذكر ترامب عندما وقّع  في آذار/ مارس العام الماضي الاعتراف الرسمي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل خلال استقباله نتنياهو قائلاً إن "أي اتفاق سلام في المستقبل ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار القوة".. فأين هذه القوة وسط عرب مطبعين؟.

أخيراً إذا كان مَن فرّط بالجولان ارتكب خيانة وطنية؛ فمن يفكر بوهبها يرتكب خيانة أخلاقية وإنسانية وقانونية، ويعرّض المنطقة إلى حروب لا نهاية لها. فحقًا الجولان: أرض أيتامُ العشيرةِ والسَّفْرُ.. مَنْ يسرِقُها يملِكُ مبنى المَحكَمةْ.