محاربة الفساد.. نفط إيران الجديد

أثبتت الإدارة الجديدة للسلطة القضائية في إيران جدّيتها وجدوى تحرّكها فتحوّل ملف مكافحة الفساد في الجمهورية الإسلامية إلى حدثٍ فارقٍ.

  •  قدّم ملف مكافحة الفساد للمجتمع الذي يعاني أشدّ أوجه الحصار والضائقة الاقتصادية بارقة أملٍ
    قدّم ملف مكافحة الفساد بارقة أمل للمجتمع الذي يعاني أشدّ أوجه الحصار والضائقة الاقتصادية 

"لن نقطع كفّهُ بل الذراع من جذورها"، بهذه العبارة أطلقت الإدارة الجديدة للسلطة القضائية خطتها لمكافحة الفساد في اليوم الأوّل من تولّيها هذه المسؤولية منذ حوالي السنتين في الجمهورية الإسلامية في إيران.

ومع مرور الوقت، أثبتت هذه الإدارة جدّيتها وجدوى تحرّكها فتحوّل ملف مكافحة الفساد في الجمهورية الإسلامية إلى حدثٍ فارقٍ قدّم للمجتمع الذي يعاني أشدّ أوجه الحصار والضائقة الاقتصادية بارقة أملٍ للعبور بالبلاد من مخمصة الانهيار الاقتصادي، إلى حالة من الضبط الاقتصادي والترشيد. 

الإنجاز الذي نتحدث عنه هنا لم يكن بالشعارات فقط، بل هو مُثبتٌ بالأرقام حيث أعادت السلطة القضائية للدولة مئات مليارات التومان في ظلّ الضائقة المالية وانخفاض عائدات النفط. استطاع الجسم القضائي من خلال إجراءات مكافحة الفساد الأخيرة إرجاع أكثر من 874 ألف مليار تومان إلى الخزينة. 

ومع الأخذ بعين الاعتبار السعر الحالي لبرميل النفط، فإن هذا الرقم يعادل 725 مليون برميلٍ من النفط. وبالاستناد إلى لأرقام الرسمية للدولة، فإن إيران تصدّر 227 ألف برميلٍ يومياً، في حين يبلغ سعر برميل النفط الواحد ما يقارب الـ40 دولار، بذلك تكون السلطة القضائية قد أعادت إلى الخزينة في إيران ما يعادل 80 ضعفاً من عائدات الدولة من بيع النفط اليومي وهذا مدهشٌ بالنسبة لدولةٍ تعتمد على النفط بشكلٍ أساسيٍّ في عائداتها.

لذا، لا يمكن تجاهل هذا الرقم في ظلّ شحّ الدولار وأزمة سعر الصرف التي عانت منها البلاد التي ترزح تحت وطأة العقوبات الجائرة خلال حكم ترامب؛ خصوصاً أن السياسة العامة في إيران عوّلت في المرحلة السابقة على الانفتاح على الغرب في حين لم تلتزم الإدارة الأميركية بما وقّعت عليه في إطار الإتفاق النووي، لا بل تشدّدت في عقوباتها.

هذا ليس كل شيء، فعلى الصعيد الإقتصادي أيضاً، سهّلت السلطة القضائية المعاملات الجمركيّة العالقة، وذلك ساهم بتوفير البضائع والمواد الأوليّة والغذائية اللاّزمة في السوق، كان آخرها أزمة الزيت المنزلي.

إلى جانب ذلك، كان لافتاً التحرك السريع والصارم في وجه المحتكرين للبضائع بفرض أحكامٍ قاسيةٍ وجديّة مما أدى إلى عودة التوازن في الأسعار وتوفرّ البضائع وآخر الأمثلة كان في القضاء على كارتيل احتكار الأدوات الطبية والأدوية والكمامات، الأمر الذي أزاح عبئاً إقتصادياً كبيراً عن كاهل الدولة ككلّ ووزارة الصحة على وجه الخصوص، فلم تعانِ إيران نقصاً يُذكر في هذا المجال، رغم عقوبات ترامب التي استهدفت بعض هذه البضائع ورغم تفشّي جائحة كورونا.

العجلة التي حرّكتها السلطة القضائية من أجل تعزيز الحياة الإقتصادية في البلاد، رافقها نهضةٌ على الصعيد الاجتماعي لتنفيس الضغط الذي سبّبته العقوبات وسوء إدارة بعض المسؤولين إن في القضاء (الإدارة السابقة) أو خارجه، لذا تمّ إطلاق سراح المحكومين جرّاء جائحة كورونا أو الضائقة المالية وخصوصاً ممن سُجنوا بسبب تأخّرهم عن دفع أموالٍ أو مستحقّاتٍ في قضايا كالطلاق وما شابه. 

وبالأرقام، فإن هذه الإنجازات غير المسبوقة توزّعت كالتالي: إطلاق سراح بعض السجناء على 15 دفعة وإنجاز 3 مراحل لإطلاق سراح سجناء أمنيين وفي ذلك سابقةٌ أيضاً. كما أُطلق سراح سجناء آخرون بعفوٍ عام من المرشد الأعلى على 9 دفعات، وتم تعديل بعض القوانين 6 مرّات على التوالي للمساعدة في إطلاق سراح العديد من المساجين أو تخفيف محكومياتهم. وفي حصيلة نهائيّة، تم إطلاق سراح 40 ألف سجينٍ خلال 18 شهراً، وإطلاق سراح 95 ألف سجينٍ في الموجة الثانية لفايروس كورونا.

المساندتان الاقتصادية والاجتماعية رافقهما تشكيل حالة ردعٍ أمام أي نيّة فسادٍ بإلغاء أي معنى للمحسوبيات أو الوساطة وبتوقيف الكثيرين من الطبقة التي تتظلّل إما بثرواتها المالية أو شبكة علاقاتها مع نافذين من متموّلين ومسؤولين على أعلى مستوى في الدولة ومحاكمتهم. هذه الخطوة دُشّنت ببدء الإصلاح من القضاء نفسه من خلال المحاكمة الشهيرة لأكبر طبري المدير العام المالي والنائب التنفيذي للسلطة القضائية السابقة ومعه 17 شخصاً آخر من الجسم القضائي من بينهم 3 قضاة بملفات رشوة وفساد ومحسوبيات خلال 9 أيام فقط من تولّي الإدارة القضائية الجديدة زمام الأمور.

طريق الإنجازات القضائية لمساعدة البلاد على النهوض، لم تكن معبّدةً بل محفوفةً بالكثير من العقبات أهمّها تواطؤ بعض الدول مع العقوبات الأميركية بحجزها للأموال الإيرانية في الخارج، وأشهر هذه الحالات كوريا الجنوبية التي تحجز ما يقارب الـ8 مليار دولار ثمن بضائع سبق ودُفعت ولم تُسلّم، والأموال لم تُردّ بذريعة العقوبات الأميركية.

من ناحية أخرى، هناك دول كأميركا وجزيرة سانت كيتس في الكاريبي (ملجأ الفارّين بقضايا فساد مالي) وكندا مثلاً التي لا تتعاون مع الإنتربول لتسليم مطلوبين بملفات فسادٍ واختلاس أموالٍ عامةٍ والتي كان آخرها ملف محمد رضا خاوري، المختلس المعروف.

لم يكن ولن يكون طريق الإصلاح معبّداً وسهل العبور أمام أيٍ كان يوماً، ولكن إخلاص فئةٍ بمبادراتٍ نزيهةٍ وجديّةٍ، سيُحدث فرقاً بالتأكيد في دَملِ جرح الفساد حتى لو كانت البلاد تقبع تحت حمم نار العقوبات والحصار والحرب الناعمة.

فهل تنطلق عجلة الصحوة القضائية في دولنا باستلهام ثورة القضاء الإيراني في مواجهة الفساد، فنعوّض نقص مواردنا وأزماتنا الإقتصادية بنفط من نوعٍ جديدٍ قوامه مكافحة الفساد واسترجاع أموال الدول والمواطنين؟