إدانة عبدالباسط المقرحي.. كذبة عمرها 31 عاماً!

اعتقد العديد من المراقبين أن الحكومة البريطانيّة لم تكن لتسمحَ بالإفراج عن المقرحي إذا كانت على يقينٍ من تورّطه بالتفجير.

  • ي عام 2001، أُدين عبد الباسط المقرحي، وهو ضابط مخابراتٍ ليبيٍّ سابق، بتفجير طائرة
    في عام 2001، أُدين عبد الباسط المقرحي، وهو ضابط مخابراتٍ ليبيٍّ سابق، بتفجير طائرة "بان أميركان"

انتهت جلسة الاستئناف الثالثة في قضية "تفجير لوكربي"، أمام المحكمة العليا في اسكتلندا، ويباشر الآن القضاة الخمسة عمليّة التّداول في الحكم؛ وقال رئيس المحكمة القاضي الجنرال كولين ساذرلاند، إنّ اللّجنة ستقدّم رأيها المكتوب "بأسرع وقتٍ ممكن" بعد ثلاثة أيامٍ من تقديم الطلبات.

في عام 2001، أُدين عبد الباسط المقرحي، وهو ضابط مخابراتٍ ليبيٍّ سابق، بتفجير طائرة "بان أميركان" رقم 103 فوق بلدة لوكربي الإسكتلندية في 21 كانون الأول/ديسمبر 1988. وقتل الإنفجار آنذاك جميع من كانوا على متنها وعددهم 270 شخصاً. ومع ذلك، طعن المقرحي في الحُكم وكذلك عائلته وبعض أُسر الضحايا والمجتمع القانوني في اسكتلندا نفسها.

في آذار/مارس من هذا العام، سمحت لجنة مراجعة القضايا الجنائيّة الإسكتلندية (SCCRC) لأسرة المقرحي، بعد وفاته، بالاستئناف أمام أعلى محكمة في البلاد، إذا تشكّ المحكمة الجزائيّة المتخصّصة في قضايا اللاّجئين باحتمال وقوع "خطأٍ في تطبيق العدالة" في المحاكمة الأولى. وأشارت على وجه الخصوص إلى أن حُكم الإدانة كان "غير معقولٍ" وأنّ الحكومة البريطانية حجبت عن فريق دفاع المقرحي أدلّةً ربما تكون قد أثبتت براءته منذ البداية.

تُوفّي عبد الباسط المقرحي بمرض السرطان في منزله في ليبيا عام 2012.

كلير ميتشل، ممثّلة عائلة المقرحي، قالت إنّ الطريقة التي أُدين بها المقرحي في المحاكمة الأولى كانت "شديدة التحيّز". صاحب متجرٍ مالطي، توني غوتشي، كان شاهد الادّعاء في محاكمة عام 2001. وفقاً لبيانات المحكمة، تمّ التعرّف على المقرحي من خلال ادّعاءٍ على أنّه الشخص الذي اشترى الملابس من متجره حيث قام بلفّ القنبلة ووضعها في حقيبةٍ نقلها المقرحي إلى علبة الأمتعة في الرّحلة المنكوبة. ومع ذلك، فقد اعتُبرت شهادة غوتشي، غير جديرةٍ بالثقة منذ أن تبيّن أنه حصل على أموالٍ مقابل شهادته.

حجبت الحكومة البريطانيّة مرّةً أخرى الوثائق التي يعتقد الدّفاع أنّها يمكن أن تساعد في إثبات براءة المقرحي. تكشف هذه الوثائق الحقيقة ومُلابسات أخطر هجومٍ إرهابيٍّ في بريطانيا وتطال أيضاً سمعة النظام القضائي الإسكتلندي. عندما تمّ إطلاق سراح المقرحي من السّجن لأسبابٍ إنسانيّةٍ عام 2009، اعتقد الكثيرون آنذاك أنّ كيني ماكاسكيل، وزير العدل الإسكتلندي، لم يكن ليوافقَ على إطلاق السّراح لو كان لديه أدنى شكٍّ في أنّ حُكم الإدانة مشكوكٌ فيه. 

اعتقد العديد من المراقبين أن الحكومة البريطانيّة لم تكن لتسمحَ بالإفراج عن المقرحي إذا كانت على يقينٍ من تورّطه بالتفجير، والأهمّ من ذلك رأي عائلات الضحايا البريطانيين في أنّ المتّهم اللّيبي قد أُدين خطأً في هذه الجريمة. 

في الواقع، لقد ذهبوا إلى فتح ملف الدعوى لإعادة المحاكمة، حيث أنّ الدكتور جيم سواير، الذي قُتلت ابنته فلورا على متن الرحلة، يؤمن منذ سنوات ببراءة المقرحي، حتى أنّ عائلة سواير ساعدت عائلة اللّيبي في تقديم استئنافٍ ثالثٍ في القضية؛ وقال بعد قرار المحكمة الجزائيّة لمكافحة الإرهاب في مارس / آذار "يسعدني إعادة القضية إلى محكمة الإستئناف".

يبدو أنّ الحكومة البريطانية هي الطّرف الوحيد الذي لا يزال يرغب في الحفاظ على روايةٍ عمرها 31 عاماً حول تفجير لوكربي. وقد حُجبت، مرّةً أخرى وثائق الدّفاع ولا تزال، ويُرفض إجراء تحقيقٍ عامٍّ في المأساة على الرغم من الطّلبات المتكرّرة للقيام بذلك. يبدو أنّ الحكومة في وستمنستر لا تريد أن تظهر الحقيقة، حتى لو كان ذلك يعني تشويه نظام العدالة الإسكتلندي. ومع ذلك، يبدو الآن كما لو أنّ الحكومة لديها حليفٌ جديدٌ غير محتملٍ في هذا الشّأن.

قامت حكومة "الوفاق الوطني" الليبية بوقف تمويل القضيّة وبقطع التّمويل عن فريق الدفاع، وبذلك تكون حكومة "الوفاق" قد خرقت القانون الليبي الذي يُلزمها بمساعدة المواطنين الذين يواجهون قضايا قانونيّةً في الخارج. هذا يشير إلى أنّ حكومة "الوفاق" تدرك جيدًا أنّ تفجير لوكربي ليس مجرد جنحةٍ ارتكبها مواطنٌ ليبيٌّ في بلد آخر، إنّ لوكربي، في الواقع، قضيّةٌ وطنيّةٌ لكلّ اللّيبيّين، لأنهم جميعاً عوقبوا عليها جماعيّاً بفرض قراراتٍ وعقوباتٍ من الأمم المتحدة. قام المجتمع الدولي على سبيل المثال، بتجميد الأصول الليبية في الخارج بموجب القرار 883 وفرض حظرٍ على مبيعات بعض المعدّات وحظر جميع الرّحلات الجويّة التجاريّة من وإلى البلاد.

بين عامي 1992 و1999، أُجبر آلاف اللّيبيين الذين اضطروا للسّفر إلى الخارج، بمن فيهم الدّبلوماسيّون، على القيام برحلات بريّة خطيرة إلى تونس أو مصر، أو الذّهاب إلى مالطا عن طريق البحر من أجل اللّحاق برحلاتهم الجويّة إلى وجهاتٍ بعيدة. فكان الردّ من السلطات اللّيبية آنذاك بالمثل على الأجانب الذين يزورون ليبيا.

علاوةً على ذلك، إنّ فريق دفاع المقرحي واثقٌ من أنّ دفوعه هذه المرّة تحتوي على جميع المكوّنات اللاّزمة لتحقيق نتيجةٍ ناجحة، حيث صرّح  محامي الدّفاع البارز، عامر أنور، أنّ فريقه قدّم "استئنافاً قويّاً".

في ظلّ عدم وجود تمويلٍ من حكومة الوفاق الوطني، اضطر أنور إلى إطلاق عمليات جمع التّبرعات عبر الإنترنت لتغطية جزءٍ من نفقاته التي تراكمت على مدار السنوات الست الماضية، منذ أن تولّى القضيّة لأوّل مرّة. ويُشتبه في تعرّض حكومة "الوفاق" لضغوطٍ من الحكومة البريطانية للتخلّي عن القضية وأن بوريس جونسون، عندما كان وزيراً للخارجيّة، قد ناقش قضيّة "لوكربي" مع مسؤولي حكومة الوفاق الوطني عندما زار ليبيا مرّتين في عام 2017. ويسعى أنور إلى طلب كشف المعلومات حيال هذه الزيارات، وأضاف أنّ فريقه القانوني في ليبيا يجهّز الآن لرفع قضيةٍ ضد حكومة الوفاق الوطني لرفضها تمويل استئناف المقرحي.

فقد حشد الاستئناف مرةً أخرى العديد من اللّيبيّين حول القضية واعتبارها قضيّةً وطنيّة، حيث اتّضح ذلك من خلال مئات التعليقات على وسائل التّواصل الإجتماعي التي تشوّه بشكلٍ عامٍّ صورة حكومة الوفاق وتتّهمها بخيانة الدولة بأكملها، وليس عبد الباسط المقرحي فقط.