الصحافة البديلة – الإعلام الرقمي (الجزء الأول)

بدأت الصّحافة الرقميّة مع اختراع أجهزة الكمبيوتر الشخصيّة في السبعينيات من القرن العشرين. وقد تمّ اختراع أوّل نوعٍ من أنواع الصّحافة الرقميّة، والذي كان يُطلَق عليه اسم تليتكست، في بريطانيا العظمى عام 1970.

  • تُعدّ المواقع الإخبارية المباشرة من أكثر نماذج إنتاج الوسائط الإخباريّة انتشاراً
    تُعدّ المواقع الإخبارية المباشرة من أكثر نماذج إنتاج الوسائط الإخباريّة انتشاراً

لمّا كان العصر في الألفيّة الجديدة عصرَ السّرعة والتطوّر وعصر النّهضة الفريدة في مجالات العلوم بكافّة أنواعها والرّقميّة بشكلٍ خاصّ، كان لكلّ شيءٍ في هذا العالم نصيبٌ من مواكبة متطلّباتٍ جعلت الحياة متسارعة الإيقاع بشكلٍ يصعب التخلّف عنها. وبما أنّ الصّحافة أو نقل الخبر بمعناه البسيط رهين سباقٍ من شأنه جعل الجمهور راضياً عن الخدمة، نالت الصّحافة النصيب الأوفر في استخدام هذه الوسائل باتّخاذ عالم الأرقام سبيلاً لغزو العالم وعلومه، ووصلت القريب بالبعيد لتكون بامتيازٍ وتفرّدٍ الوسيلة الأساس التي تسابق عالم الخبر وتخدم السّبق الإعلامي التنافسي بين وسائل الإعلام بشكلٍ عام  والصّحافة بشكلٍ خاصّ، وهنا تظهر الصّحافة البديلة أو بالأحرى الصّحافة الرقميّة.

إن عالم الصحافيّين المليء بالتّنافس، سخّر العالم الافتراضي بشكلٍ ملفتٍ من خلال تطوّر أداء جملة المؤسّسات الاعلاميّة في العالم، لتصل وسائلها لكلّ فردٍ باختلاف لغته وثقافته، فتطرق باب عالمه الخاصّ، دون أن يتكبّد الأخيرعناء البحث بين العناوين وتصفّح الاوراق وشراء الجرائد، فالتكنولوجيا الرقميّة اختزلت كلّ ذلك بإشعارٍ بسيطٍ، ينقر المشاهد الشاشة في جيبه أو يبعث برسالةٍ من الجوّال الذي لا يفارقه.

هذه السرعة وهذا الغزو بتناقل الخبر على هذا النّحو، جعل وسيلة الإعلام الخاضعة للوسائل الرقميّة  قادرةً على ايصال رسالتها، لاسيما من ناحية تقسيم اهتمامات قرّائها ومتابعيها بطريقةٍ سلِسة وأسلوبٍ يحاكي العصر التقدميّ، كما وفّرت عناء البحث واختصرت المدّة التي يحتاجها القارئ ليصل إلى ما يريد على مستوى اهتمامته من خلال تقسيم الوسيلة الإعلاميّة إلى مُعنوناتٍ سياسيّةٍ عربيةٍ أو إقليميّةٍ، محليّةٍ أم خارجيّةٍ، ثقافيّةٍ أو فنيّةٍ أو اقتصاديّةٍ أوغيرها.

بدأت الصّحافة الرقميّة مع اختراع أجهزة الكمبيوتر الشخصيّة في السبعينيات من القرن العشرين. وقد تمّ اختراع أوّل نوعٍ من أنواع الصّحافة الرقميّة، والذي كان يُطلَق عليه اسم تليتكست (بثّ النصوص على وحدة عرضٍ مرئيّة)، في بريطانيا العظمى عام 1970. والتليتكست عبارة عن نظامٍ يسمح للعارضين باختيار الأخبار والقصص التي يرغبون في قراءتها ومن ثمّ عرضها بشكل فوري. وتكون المعلومات التي يتمّ توفيرها من خلال التليتيكست قصيرةً وفوريّةً وتشبه المعلومات التي نراها في الصّحافة الرقميّة اليوم.

بعد التليتيكست، تمّ اختراع الفيديوتيكست، حيث كان نظام بريستل نظاماً عالمياً، أُطلق تجاريّاً عام 1979، حيث اصطفّت العديد من الصّحف البريطانية مثل "ذا فاينانشال تايمز" من أجل توفير القصص الصحافيّة عبر الإنترنت من خلال هذا النظام. ولكن ما لبث أُلغي التداول  بالفيديوتيكست عام 1986 بسبب فشله في تأمين متطلّبات المستخدم النهائي.

في وقت لاحق، شهدت الصحافة الرقمية عبر الإنترنت رواجاً كبيراً مع ظهور أول مستعرضات ويب تجارية نتسكيب نافيجاتور (Netscape Navigator) (1994) وإنترنت إكسبلورر (1995). وبحلول عام 1996، كانت معظم المنافذ الإخبارية تظهر على شبكة الإنترنت. ورغم تغيير الغرض من المحتويات الصحفيّة الأصليّة من مصادر النصوص / الفيديو / الصّوت، دون تغييرٍ في الجوهر، فإنه أمكن استهلاكها بطرقٍ مختلفةٍ بسبب شكلها على الإنترنت عبر أشرطة الأدوات والمحتويات التي يتمّ تجميعها حسب الموضوع، ووفق ارتباطات التناص. وقد شكّلت دورة الأخبار على مدار 24 ساعة والطرق الجديدة للوحات الويب الخاصة بالتفاعل بين المستخدمين والصّحافة، إحدى السّمات الفريدة للتنسيق الرقمي. وفي وقتٍ لاحقٍ، أدّت بوّابات الويب مثل AOL  وYahoo!  ومواقع تجميع الأخبار الخاصة بها (أي المواقع التي تقوم بتجميع الارتباطات وتصنيفها من المصادر الإخبارية) إلى توفير الوكالات الإخبارية مثل "الأسوشيتد برس"، ومحتوياتٍ ملائمةٍ للصّيغة الرقميّة لتجميع بما يتجاوز حدود ما كان يستخدمه موفّرو أخبار العملاء في الماضي.

واليوم، تُعدّ المواقع الإخبارية المباشرة من أكثر نماذج إنتاج الوسائط الإخباريّة انتشاراً. ومنذ عام 2000، تستخدم الأغلبية العظمى للصحافيّين في العالم الغربي الآن شبكة الإنترنت بشكلٍ منتظمٍ في أعمالها اليومية. وبالإضافة إلى المواقع الإخباريّة المباشرة، يمكن رؤية الصّحافة الرقميّة في مواقع الفهارس والفئات (المواقع التي لا تحتوي على قدرٍ كبيرٍ من المحتويات الأصليّة، ولكنها تحتوي على العديد من الارتباطات إلى المواقع الإخبارية المتاحة)، ومواقع الميتا تاغ والتعليقات (المواقع المتعلّقة بمشكلات الوسائط الإخبارية مثل مراقبة وسائل الإعلام) ومواقع المشاركة والحوارات (المواقع التي تسهّل تواصل الأشخاص، مثل تصنيفات سلاش دوت). وتُعدّ المدوّنات هي الأخرى شكلاً آخرَ من أشكال ظاهرة الصّحافة الرقميّة حيث تمتلك القدرة على توفير المعلومات الحديثة، التي تتراوح بين المواقع الشخصيّة وتلك التي يصل عدد جمهورها إلى مئات الآلاف. وتشارك الصّحافة الرقميّة في ظاهرة الصّحافة السحابيّة وهي تمثّل تدفّقاً ثابتاً للمحتويات في مجتمع النطاق العريض.

يتبع...