التحوّل الرقميّ في زمن كورونا

تعتبر %90 من المؤسسات أنّ التحوّل الرقمي مسألةٌ حيويّةٌ أو بالغةُ الأهمية بالنسبة لها، وفي ما عدا ذلك، تكون المؤسسات "غير واثقة تماماً" من قدرتها على تنفيذ التحول الرقمي.

  • التحوّل الرقميّ في المجتمعات، فرض نفسه بشكلٍ إلزاميٍّ على المنشآت والمؤسسات
    التحوّل الرقميّ في المجتمعات، فرض نفسه بشكلٍ إلزاميٍّ على المنشآت والمؤسسات

يُعتبر التحوّل الرقمي الحاصل بفعل القضايا المهمة والاستراتيجية والحديث عن المستقبل، موضوعاً شيّقاً، ليس من باب الكلام الذي يعتبره البعض ضربٌ من الخيال في ظلّ تقنيّة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، بل هو مستقبلٌ مثقلٌ بالتغيّرات والتحوّلات الرقميّة على مستوى العالم.

إن فهم المستقبل وتوقّعه هو بحدّ ذاته فهم الواقع لمعرفته وتقديره وقراءة القادم، لعلّنا نصل إلى جوابٍ حقيقيٍّ في عصر الاتصال الرقمي، والحقّ يُقال أنّ جائحة كورونا هي التي سرّعت الموجة للتّغيير والاستدارة الكبيرة لجهة التحوّل الرقمي مطلع 2020، وهو مصداق القاعدة الأساسيّة في علوم إدارة الأزمات "الأزمات تسرّع اتجاهات التغيير"، ملايين البشر وجدوا أنفسهم بنفس اللّحظة في زاوية التغيير التطبيقي لاستخدام الفضاء الرقمي.

الاستهلاك الذي حصل من الجمهور بسبب الحجر الصحي المنزلي وعدم خروجه من المنازل، ساهم ذلك في تعظيم سرعة التغيير والتحوّل تجلّت باستخدام التكنولوجيا الرقميّة عبر برامج عديدة ومنصّاتٍ إعلاميّةٍ مختلفة. إنّ التغيير الذي حصل في حياة الناس وتعايشهم مع الجائحة هي تجربةٌ جماعيّةٌ فريدة، وهذا لم يحصل قبل ذلك على الإطلاق، وقد يصبح هذا التحوّل في المستقبل إلزاميّاً للانتقال إلى مسارات البيئة الرقميّة التعليميّة الشاملة، والحكومة الرقميّة الواسعة، والسّحابات السايبريّة المتعدّدة الأغراض.

من الفائز الأكبر في ظلّ جائحة كورونا؟

في الحقيقة، تركت جائحة كورونا حضورها السّلبي العام والصعب بكل ما تعنيه الكلمة من معنى على حياة المجتمعات وتفاصيلها، خاصةً أولئك الذين فقدوا أحبابهم والذين عانوا من أمراض مصاحبةٍ للفيروس.

ولكن، إن كان هناك فائزٌ من كلّ هذا الحديث، هو بكلّ تأكيدٍ قطاع الصّحة، يليه تكنولوجيا الاتصال الرقمي، إذ نلاحظ مثلاً ارتفاع إيرادات شركة "Zoom" بأكثر من %350 في الربع الثاني من العام، مع زيادةٍ في الأرباح بلغت حوالى 10 أضعاف، بينما اشتركت الشركات في تطبيق مؤتمرات الفيديو لربط الموظّفين الذين يعملون معهم خارج مقرّات العمل في ذروة تفشّي الجائحة.

الاستهلاك الحادّ الذي حصل جرّاء كسر نظام الحياة التقليدية في العالم، سرّع بقوّةٍ عمليّة التحوّل، حيث عمدت شركات الاتصالات والتقنية على تطوير وتجهيز بنيةٍ تحتيّةٍ رقميّةٍ واسعة بشكلٍ سريع، لتواكب هذا التحوّل المهول الذي حصل.

وتبيّن ذلك من خلال دراسةٍ أجراها معهد كومسكور "comscore" الأميركي وهو متخصّصٌ في "الحسابات الإنترنتيّة" وفي تقديم خدمات تسويق المعلومات ورصد حركات المستخدمين على الإنترنت، حيث أدرج المعهد دراسةً منشورة يُلخّص فيها حجم الاستهلاك ويرصد ذلك بالأرقام في أميركا. تقول الدراسة إنّه في شباط/ فبراير كان استهلاك المنصّات الرقميّة بحجم استخدام حوالى 43 مليار زيارة من خلال منصّاتٍ رقميّةٍ اختارها هذا المعهد، وفي نيسان/أبريل، ارتفع إلى 64 مليار زيارة، وفي شهر حزيران/يونيو وصل معدّل الاشتراكات إلى 80 مليار زيارة، وفي شهر تموز/يوليو انخفض إلى 60 مليار زيارة، ومن ثمّ استمرّ بالانخفاض في نهاية الشهر إلى 52 مليار.

ماذا يعني هذا التوضيح البياني في الدراسة؟

في الحقيقة، في ظلّ تعايش المجتمعات مع جائحة كورونا واختلاف الروتين الذي حصل في عادات وتقاليد المجتمعات البشرية التي تغيّرت بشكلٍ جذري وفي ظلّ التحوّل الذي حصل، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنّ العالم مقبلٌ على مستقبلٍ تقنيٍّ ورقميٍّ بامتياز.

بيد أنّ هذا التحوّل الرقميّ في المجتمعات، فرض نفسه بشكلٍ إلزاميٍّ على المنشآت والمؤسسات وهو يُترجِم حجم التغيير الذي حصل جرّاء تأثيرات تفشّي جائحة كورونا في العالم، إذ نرى في جميع الأقاليم الجغرافيّة وقطاعات الأعمال العامة والخاصة، مؤسساتٍ تواجه تحدياتٍ مُماثلةً عندما يتعلق الأمر بالتحوّل الرقمي، حيث العمل عن بعدْ وقيادة دفّة المؤسسة بشكلٍ إلكتروني، والانتقال من المباني والمنشآت الإسمنتية والمكتبية إلى الفضاء والمساحات السايبرية، والآن ترصد الشركات استثماراتٍ والتزاماتٍ ذات أهميّةٍ كبيرة كي تتّجه إلى "التشغيل الرقمي"، لكنّها لا تزال تشعر بالمعاناة من هذا التحوّل الذي لن ينتظرَ أحداً على الإطلاق.

وفق ذلك كلّه، تعتبر %90 من المؤسسات أنّ التحوّل الرقمي مسألةٌ حيويّةٌ أو بالغةُ الأهمية بالنسبة لها، وفي ما عدا ذلك، تكون المؤسسات "غير واثقة تماماً" من قدرتها على تنفيذ التحول الرقمي، ويعتقد العديد من المسؤولين أنّ تلك المؤسسات لن تتمتّع بالمهارات والقدرات اللاّزمة لتحقيق طموحها الرقمي، والحقيقة هي أن العالم الجديد يتحرّك بسرعة البرق، وتحتاج المؤسسات من أجل المنافسة في عالمٍ كهذا، إلى انتهاج السُرعة في التفكير واتخاذ القرار والتنفيذ وتجهيز البيئة الرقمية والتعلّم والتوسّع، ولا يتعلّق تحقيق ذلك بطرح تقنيّاتٍ رقميّة فحسب، بل يتطلّب تغييراً جذرياً في كيفية بناء المؤسسات لهياكلها التنظيمية وقيادتها واجتذاب موظفيها وتطويرهم ودمجهم.

من المهم والضروري اليوم أن نؤكد على أهمية هذا المقال العلمي الذي يُوجِّه بشكلٍ مُحدّدٍ قيادة المؤسسات ومدرائها لتبنّي استراتيجية "التشغيل الرقمي" وتطوير تقنيّة البيانات الضخمة واللّحاق بالمؤسسات الرقميّة الكُبرى.

ونضع بين يديّ القارئ سمات القادة الرقميين والكفاءات الأفضل في فئتها التي تُحقّق النجاح لتلك المُنظمات، فالمؤسسات التي ستُحقّق النجاح في العالم الرقمي للعصر الحالي تتّسم بخمس سماتٍ رئيسة:

1_الذكاء والبديهة

2_القدرة على الاتصال والتواصل اللاّمركزي

3_الانضباط والتركيز الذهني

4_التمكين والمواءمة التنقية

5_الابتكار والشفافية المهنية

يعتقد الخبراء من خلال مجموعة دراساتٍ أنّ التحوّل الرقمي للعالم بشكلٍ عام يفترض أن يبدأ مطلع 2025، وبسبب جائحة فيروس كورونا، تقلّصت الفجوة إلى %20 ووصل العالم بشكلٍ سريعٍ جداً لتحوّلٍ رقميٍّ شامل.

وعليه، ينظر قادة المؤسسات إلى تخفيض حجم البون بين التشغيل الرقمي والوضع القائم، لذا يجب كإجراءٍ الزاميٍّ أن تعمل المؤسسات على توسيع قاعدة الكفاءات لدى طواقمها من الناحية الرقمية، لتضع الأشخاص المناسبين في أماكنهم الصحيحة كي يتمكنوا من خوض تجربة التغيير التكنولوجي بكلّ ثقةٍ وثباتٍ واستغلال الفرص غير المسبوقة في عالمٍ رقميٍّ أشبه بطائرٍ يسير بجناحي الابتكار والتنكولجيا الرقمية.

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.