هل سيصل لقاح "كوفيد 19" بالتساوي إلى الجميع قبل فوات الأوان؟

سيزداد الأمر سوءاً وتعقيداً إن افترضنا قدوم سلالة سريعة الانتشار وعديمة التأثر بالرد المناعي للقاحات المتوفرة حالياً.

  • هل سيصل لقاح
    ما يحتاجه العالم لاحتواء هذا وباء كورونا هو توحيد الجهود

تقوم منظمة الصحة العالمية منذ تأسيسها في العام 1948 بأعمال طبية أساسية غالباً ما تكون مثمرة، سواء كان ذلك من خلال الوقاية من الجائحات العالمية والأمراض المعدية أو من خلال معالجة المصابين بها. 

كذلك، تقوم منظمة "كوفاكس" التابعة لهذه المنظمة الأم، كما بينت سابقاً في عدة كتابات لي، بتسريع تصنيع وتطوير اللقاحات ضد الفيروس المسبب لـ"كوفيد 19"، وضمان وصولها العادل والمنصف إلى كل دول العالم، سواء كانت فقيرة أو متوسطة الدخل.

وفي هذا السياق، ومن البداية، تكاتف العالم في إطار الاستجابة العالمية لمكافحة انتشار وباء كورونا المستجد. وبفضل الجهد غير المسبوق للتضامن العالمي، ووعود الدول الثرية بتمويل المنظمة، تم جمع الكثير من الأموال لبدء العمل، ولكن للأسف، وفي الوقت الحرج والمهم لجمع المزيد من الأموال لتغطية التكاليف ودفع ثمن اللقاحات، لم يعد التمويل كافياً.

لهذا، ندد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، السيد تيدروس أدهانوم غبير ييسوس، في المؤتمر الصحافي الذي عقد في جنيف في 18 كانون الثاني/يناير الجاري، بالتصرفات غير المسؤولة للدول الثرية، التي لم يعد يهمها ويعنيها سوى تأمين احتياجات سكانها من اللقاحات. 

وقد هاجم في الوقت ذاته الشركات المصنعة للقاحات، لعدم تقديمها البيانات المتعلقة باللقاح للمنظمة للحصول على حق استعماله عالمياً. وأضاف: "إن الوعود بوصول اللقاحات بالتساوي إلى دول العالم لم يعد ممكناً". وفي ضوء ما تقدم، كان الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش قد أدلى ببيان صحافي بيّن فيه فشل التضامن الدولي للقاح كورونا المستجد وعدم إمكانية وصول اللقاحات بالتساوي إلى جميع الدول، غنية كانت أو فقيرة. 

وبالتالي، يعتقد الكثيرون، مثل الدكتور جون أمواسي، الاختصاصي في الأمراض المعدية في مركز أبحاث الأمراض الاستوائية في مدينة كوماسي في غانا، بأن القارة الأفريقية الأفقر عالمياً هي آخر من سيحصل على اللقاحات.

وكذلك، بيّنت دراسة مماثلة نُشرت في شهر أيلول/سبتمبر المنصرم، وقامت بها المنظمة غير الحكومية "أوكسفام"، أنّ ثلثي سكان العالم الأكثر فقراً لن يحصلوا على اللقاحات قبل العام 2022. 

ووفقاً لدراسة حديثة أدلت بها جامعة "نورث إيستيرن" في الولايات المتحدة الأميركية، إذا احتفظت الدول الغنية، كما هو الحال في هذا الوقت الراهن، بثلثي اللقاحات ضد "كوفيد 19"، وما لم يتم توزيع اللقاحات المتوفرة بالتساوي، كما هو متفق عليه مع منظمة "كوفاكس" العالمية، فسوف يتضاعف عدد الوفيات في العالم.

إن ما يحتاجه العالم لاحتواء هذا الوباء هو توحيد الجهود المتوفرة لنجاح "استراتيجية لقاح عالمي شامل ومنصف للجميع". للأسف، إن تحقيق هذه الاستراتيجية أصبح الآن شبه مستحيل، حيث احتكرت العديد من الدول الغنية شراء كميات كبيرة من اللقاحات، معطيةً حق الأولوية لشعوبها، وإرسال الفائض للبلدان الفقيرة إن تبقى، كما أن زيادة الطلب على اللقاحات يزيد ثمن شرائها.

في الواقع، هذه الدول لا تأخذ بالاعتبار أن دولاً أخرى غير دولها هي أيضاً بحاجة ماسة للقاح للقضاء على جائحة "كوفيد 19"، فتضاعف عدد الإصابات والوفيات في صفوف الدول الأكثر فقراً لن يكون سبباً كافياً حتى تترك الدول الغنية قسماً من اللقاحات لغيرها. إن ما يُزعج الدول الأكثر غنى هو عدم إمكانية التبادل التجاري مع هذه البلدان المصابة. في اعتقادي، سيتوقف هذا التبادل لمدة أطول من دون التعاون العالمي المنصف والسريع لمقاومة الوباء في جميع بلدان العالم. 

إن عدم اتّباع مثل هذه الاستراتيجية العالمية بتوفير اللقاح للجميع سيؤدي بالتأكيد إلى أن تقوم الدول التي حمت شعبها من خلال اللقاح بعزل نفسها وإغلاق أبواب الدخول إليها والخروج منها، إلى أن يتم تلقيح جميع الدول. هذا يعني إلى أن تنتهي هذه الجائحة العالمية. 

ومن ناحية علمية طبية، يتجاهل المعنيون الغربيون والأثرياء الآخرون من دول العالم نتائج انتشار الفيروس هذا في البلدان الأخرى. إن ارتفاع عدد المصابين يعني ازدياداً في استنساخ الفيروس، ما يؤدي إلى احتمال تحوره بشكل أكبر. وكلما كثرت الطفرات زادت احتمالية الحصول على سلالة جديدة سريعة الانتشار، وربما أكثر بطشاً من السلالة السابقة. هذا ما جاء به روبيرت. ل. في مجلة “ساينس" للعام 2018 تحت عنوان " الديناميك الفيروسي". 

لهذا، سيزداد الأمر سوءاً وتعقيداً إن افترضنا قدوم سلالة سريعة الانتشار وعديمة التأثر بالرد المناعي للقاحات المتوفرة حالياً. وليس من المستحيل، كما ذكرت أعلاه، أن تكون هذه الطفرة قادمة من إحدى الدول الفقيرة التي أُهملت منذ البداية وتُركت من دون لقاح. لهذا السبب أيضاً، يتوجب تأمين اللقاح للجميع، وبالتساوي، قبل فوات الأوان.

وفي النهاية، أبيّن ما جاء به مؤخراً الطاقم الإداري لمنظمة الصحة العالمية بأن أكثر من 60 مؤسسة عالمية معنية باللقاحات ضد كورونا بدأت مرحلتها التجريبية الثالثة والأخيرة. 

وقد زادني أملاً في الإنسانية ما قرأته هذا الصباح في إحدى الجرائد بخصوص ما وعدت به الهند بإعطاء اللقاح مجاناً للعديد من الدول الآسيوية القليلة الثراء، وأيضاً ما وعدت به الصين مُسبقاً بتقديم اللقاح مجاناً للعديد من الدول الأفريقية، وخصوصاً الفقيرة منها.

ومرّة أخرى، أود أن أعيد ما كتبته سابقاً بخصوص ما جاء به رئيس وزراء السويد السيد ستيفان لوفقن، إذ قال باختصار: لا بد من أن تحصل سوياً، جميع بلدان العالم، على اللقاحات، ليتخلّص العالم من هذا الوباء، فهي ليست مسابقة بأن تحصل دولة على اللقاح أولاً، ومن ثمّ غيرها.

 كم سيكون رائعاً عندما يأتي اليوم الذي سيشارك فيه الجميع لاحتواء هذه الجائحة التي أصبحت لا تُطاق! 

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.