كيف بعد ذلك لا تتقاطع مساراتنا أيها الغالي الأنيس؟

كنتُ أتابعه على شاشات التلفزة، فأستمدّ منه قوةً وعزيمةً وروحاً ثورياً واطمئناناً إلى مستقبلنا، رغم شراسة الهجمة.

  • شعرتُ برحيله بأنَّه من بعض أهلي الذين رحلوا قبله!
    شعرتُ برحيله بأنَّه من بعض أهلي الذين رحلوا قبله!

في بيئة نشأتُ فيها على الإرث الثوري للقائد العام للثورة السورية الكبرى، سلطان الأطرش، وعلى إرث أبي، منصور، المناضل البعثي في سبيل العروبة، من أجل العمل على خلق جيل عربي جديد عابر للأديان والطوائف والمذاهب، قولاً وعملاً، لا بُدّ لمساراتنا من أنْ تتقاطع يوماً لتلتقي بمسيرة المناضل الراحل الأستاذ أنيس النقاش!

آمنتُ بعروبة منفتحة، لا تعصّب فيها ولا تمييز، بل رغبة حقيقية في العمل على تحقيق التكامل في مشرقنا وفي بلادنا العربية، مساراً لحركة التحرير الوطني من الاستعمار بكل أشكاله وصوره، وسَمْتُنا في ذلك فلسطين العربية من النهر إلى البحر، وقدسُنا الحبيبة الغالية الحرّة العربية، فكيف بعد ذلك لا ألتقي بالأستاذ أنيس النقاش؟!

في أوراقه التي عملتُ على تحقيقها لعشرين عاماً، حدّد سلطان الأطرش في بيانه "إلى السلاح" الهدف الأول لثورة العام 1925، وهو توحيد سوريا ساحلاً وداخلاً. أما الهدف الثاني فهو الاستقلال.

في كلّ أوراقه، كان سلطان الأطرش يعي التكامل بين "القضية السورية" وقضية "الأمة العربية". كان ذلك منذ حوالى قرن من الزمن. إننا نهرع إلى التاريخ، فنقرأه بإيمان أنَّه وعي وهداية يولّدان عزيمة واحدة في زند شعب مؤمن بخلاص المشرق نموذجاً لخلاص عربي على امتداد وطننا العربي، فكيف بعد ذلك لا ألتقي بالأستاذ أنيس النقاش فكراً وعملاً؟!

لقد قرأتُ، مذ وعيتُ فكرياً، أعمال الأستاذ ميشيل عفلق وأعمال الشهيد أنطون سعادة بالشغف ذاته والحماسة عينها، ولم أرَ فيها إلا هدفاً واحداً متكاملاً ومتناغماً، فكيف بعد ذلك لا ألتقي بالأستاذ أنيس النقاش؟!

كنتُ أتابعه على شاشات التلفزة، فأستمدّ منه قوةً وعزيمةً وروحاً ثورياً واطمئناناً إلى مستقبلنا، رغم شراسة الهجمة، وقرّرتُ استضافته في ندوة سياسية في دمشق في 15 كانون الأول/ديسمبر 2020، ممثِّلةً للأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، ليقدّم رؤيته في كيفية العمل على التصدّي للحصار الاقتصادي الجائر على مشرقنا.

طرح النقاش التكامل الاقتصاديّ الإقليميّ، لا على أساس الغَلَبة، زراعياً وصناعياً ومالياً ومصرفياً، بل عبر مصرف إقليمي مستقل عن المنظومة المالية الدولية، وأكّد إمكانية تحرير فلسطين بمقدّرات محور المقاومة، ورفض رفضاً قاطعاً صراع الهويات، قائلاً: "بدلاً من طرح سؤال: من نحن؟ علينا طرح سؤال: ما نحن عليه؟"، مؤكّداً العروبة وأهميتها الجامعة، مشبِّهاً إيّاها بعربة جميلة، لكنّ حصانها الأصيل في حالة ضعف، وعلينا تقويته، فكيف بعد ذلك لا ألتقي بالأستاذ أنيس النقاش؟!

بعد تلك الندوة، قال لي: "سترونني كثيراً في دمشق"، فأجبتُه: "هذا من حسن حظّنا كسوريين"!

في يوم رحيل الرجل المناضل الصادق، نكرّم بتكريمه كلّ ثوّارنا المناضلين الراحلين!

لقد شعرتُ برحيله بأنَّه من بعض أهلي الذين رحلوا قبله!

أوصيتُ صديقاً مشتركاً لنا في بيروت الحبيبة أن يضع على رِمسه، باسمي، في وداعه إلى مثواه الأخير، اليوم، زهرة بيضاء لتخاطبه عني، قائلةً له: "ما يزال فكركَ الواضح يحمل لنا الاطمئنان إلى أننا سنزور القدس حرّة عربية، وسوف نذكُرُكَ هناك، فنقرأ لك الفاتحة في المسجد الأقصى المبارك، ونشعل على نيّة ذكراكَ العطرة شمعة في كنيسة القيامة، فمثلكَ باقٍ في وجداننا وفي قلوبنا"!

كيف بعد ذلك لا تتقاطع مساراتنا يا أيها الغالي الأنيس؟!