الأسباب الاقتصاديّة المحتملة لهجوم بايدن على السّعودية

لفهم السياسات والتصريحات الإعلامية الأميركية، ينبغي الاستناد في ذلك إلى المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة الأميركية.

  • من المرجّح أنّ الولايات المتحدة الأميركية تسعى، وبقوة، إلى بناء جدار جديد على المستوى المعلوماتي والاقتصادي
    من المرجّح أنّ الولايات المتحدة الأميركية تسعى، وبقوة، إلى بناء جدار جديد على المستوى المعلوماتي والاقتصادي

صرّح الرئيس الأميركي جو بايدن، في حملته الانتخابية بتاريخ 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 لموقع "hunting post" بأنه سيسعى لمعاقبة الرياض على خلفية مقتل الصّحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي، وأشار إلى الانتهاكات اللاإنسانية للحرب التي تقودها السعودية على اليمن.

بالفعل، بدأ بايدن بالضغط الإعلاميّ، من خلال التصريحات والتقارير المرتبطة بالمملكة العربية السعودية منذ تولية السلطة بتاريخ 20 كانون الثاني/يناير 2021. وقد شكّل التقرير الاستخباراتي الأميركي المتعلّق بمقتل خاشقجي أحد أعمدة الهجوم عليها في الآونة الأخيرة، ولكن هل يعدّ ملفّ حقوق الإنسان المحرّك الأساسي للسياسات الأميركية الخارجية أو أنه مخصّص للاستهلاك الإعلامي فقط؟ إذا أردنا أن نفهم هذه السياسات والأسس التي تقوم عليها، يجب أن نحلّلها ونقرأها في سياقها!

لفهم السياسات والتصريحات الإعلامية الأميركية، ينبغي الاستناد في ذلك إلى المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة الأميركية. ومن الأمور القليلة التي اتّفق عليها الرأسماليون والاشتراكيون هي ربط السياسة بالاقتصاد، من آدم سميث، وديفيد ريكاردو، وجون ستيوارت مل، الذين أطلقوا على أنفسهم لقب "الاقتصاديين السياسيين"، وأكدوا ذلك أيضاً في كتاب جوست رويث ميل "مبادئ الاقتصاد السياسي" الصادر في العام 1848، إلى النقيض الجذري لهؤلاء المفكّرين، مثل كارل ماركس في كتابه "رأس المال" ولينين، والمفكرين الاشتراكيين الذين أشاروا بشكل واضح إلى أن السياسة تكثيف للاقتصاد، وأن أي فعل سياسي مدروس يكون محركه الأساسي اقتصادياً، ولكن ألا يتناقض كل ذلك مع هذه الحالة؟ 

إنَّ السعودية، بحسب تقارير وزارة الخارجية الأميركية وسفارتها في الرياض، هي أكبر سوق للصادرات الأميركية في المنطقة، وزد على ذلك شراء الأسلحة وبيع النفط والعلاقات الاقتصادية التاريخية والعميقة. ولكي ندرك المشهد بشكله المكتمل، علينا أن ننظر إلى المنافس الاقتصادي للولايات المتحدة في السعودية بشكل خاص، وفي العالم بشكل عام، كما علينا أن نأخذ بعين الاعتبار فروع الاقتصاد المتعدّدة، والتي تتراوح بين الصفقات التجارية المدنية والعسكرية وسوق النفط، لنجد أن الصين وروسيا تقفان بالمرصاد للمصالح الاقتصادية الأميركية داخل السعودية.

العلاقات الصينية الروسية في السعودية: مخاطر استراتيجية لعلاقات وظيفية

تعتبر السعودية أكبر شريك اقتصادي للصين في الشرق الأوسط، وهي تشكّل، بحسب السفارة الصينية في الرياض، أكبر مصدر للنفط بالنسبة إليها. وتدلّ زيارة الرئيس الصينيّ شي جين بينغ، إلى السعودية، بصفتها أول دولة عربية تتم زيارتها، على أهمية المملكة أيضاً بالنسبة إلى الصين. وللمشهد نفسه خطورة على المصالح الأميركية في العالم، إذ تعتبر السّعودية من الدول المهمة لتحقيق مشروع طريق الحرير الذي يهدف إلى ربط العالم بطرق برية وبحرية وجوية مع الصين، من أجل تصدير البضائع الصينية واستيراد الموارد الخام.

أما بالنسبة إلى الأسلحة، فإنّ إبرام السعودية اتفاقيات لشراء الأسلحة الروسية (روسيا المنافس الرئيسي لمجمع الصناعات العسكرية الأميركية) يشكل تعزيزاً للصناعات العسكرية الروسية، ولكن ما الذي تريده السعودية من علاقاتها بالصين وروسيا؟

يصف بروس ريدل، رجل الاستخبارات المتخصّص في شؤون جنوب آسيا والشرق الأوسط، العلاقات الصينية السعودية بأنها وظيفية، وليست استراتيجية، ويمكننا أن نسقط ذلك أيضاً على العلاقات السعودية مع روسيا. 

إنَّ السعودية تصنع سياساتها بناءً على ما يُسمى "التهديد الإيراني المزعوم"، فهي تحاول التأثير في الصين وروسيا اقتصادياً لمواجهة ما يسمى بـ"الخطر الإيراني"، لإبعادهما عن الجمهورية الإسلامية، ولكن حصول هذا الأمر غير مرجح، كما أنه لم يحصل حتى اليوم، لأن البلدين يدركان جيداً مدى أهمية إيران على المستوى الاستراتيجي، ومدى قوة مؤسَّسات الحكم فيها، ومعارضتها لسياسات أميركا؛ المنافس الرئيسي للصين. ويؤكد ذلك عدم القدرة على التأثير في الدعم السياسي للدولة السورية منذ أحداث العام 2011، والتي تعتبر الحليف الرئيسي لإيران على مستوى الدول.

إن التكتيكات السعودية التي تهدف إلى عزل إيران عن طريق ربط المصالح الاقتصادية المحدودة بالسياسات الصينية والروسية باءت بالفشل حتى الآن، وأدت إلى غضب الحليف الاستراتيجي الذي لا يمكن الاستغناء عنه، بناءً على تصريحات الكثير من المحللين السياسيين والعسكريين. وقد وصل الأمر إلى درجة تصريح رئيس الولايات المتحدة الأميركية السابق دونالد ترامب بأنَّ السعودية ستسقط بسرعة إذا تخلّت الولايات المتحدة عنها.

إننا نجد أنّ تجربة بريطانيا في ملف الجيل الخامس الصيني للهواتف الذكية نموذج لما تريده الولايات المتحدة الأميركية من السعودية خاصة، ومن كل الحلفاء عامة. ورغم أنّ بريطانيا تختلف بقوتها ومؤسساتها عن السعودية، فإنَّ التدخل الأميركي تحت شعارات أمن المعلومات والبيئة كان قد شكّل ضاغطاً قوياً على بريطانيا لإيقاف الاتفاقية (الجيل الخامس).

من المرجّح أنّ الولايات المتحدة الأميركية تسعى، وبقوة، إلى بناء جدار جديد على المستوى المعلوماتي والاقتصادي، كما تحدَّث عدد من محلّلي السياسات الأميركية. وعندما تتحدّث الولايات المتحدة الأميركيّة عن إعادة ضبط العلاقات، فإنها تعني إعادة الدول التابعة والخاضعة للهيمنة الأميركية إلى الحظيرة، لتُحلب من دون منافسة.

ختاماً، إنّ "المتغطي بالأميركيين عريان". هذا ما قاله الرئيس السابق محمد حسني مبارك، رئيس أكبر وأهم دولة عربية حليفة للولايات المتحدة الأميركية، عند سقوطه إثر الاحتجاجات التي عمَّت شوارع مصر، واصفاً تعامل الولايات المتحدة الأميركية مع حلفائها. إنَّ من يتأمّل هذه المقولة يدرك جيداً أنَّ بورصة السياسة الأميركية لا تحمل الحد الأدنى من الاحترام الشكلي للحلفاء، ولكن ما يدعو إلى الاستغراب هو الغرام الذي تبديه بعض الدول، ومنها السعودية، للعذاب الأميركي!

 لن أجد أجمل من هذه الآية الكريمة (65) في سورة "الفرقان" لأنهي المقال بها: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا}.