بين "زخم" دي مستورا و"جماح" ترامب.. هذا ما أفرزته زيارة لافروف إلى واشنطن

ثمة صعوبة كبيرة في الوصول إلى استقراء دقيق وتحليل مؤكّد لما جرى في كواليس زيارة لافروف إلى واشنطن، المُعلن والمسرّب من خلال جملة التصريحات يُبرز في الحد الأدنى للقارئ منحىً إيجابياً تلوح بوادره في الأفق، قاعدته تستند بطبيعية الحال إلى ما قاله ترامب خلال لقائه لافروف لجهة أن واشنطن تسعى إلى العمل مع موسكو سوية ً لإنهاء الصراع في سوريا، داعياً موسكو إلى ما سمّاه "كبح جماح" الأسد وإيران وأتباعها في سوريا.

سيدعو دي ميستورا لإقامة مناطق خفض توتر أخرى غير المنصوص عليها في اجتماع أستانة
عند هذه النقطة تحديداً ربما تنبثق وتظهر قاعدة التعاون الروسي - الأميركي، كبح الجماح هنا يتجاوز جزئية "رحيل" أو إسقاط الأسد وربما ترحيلها بعيداً خلف الظهر، وتعني عملياً النقطة الأساسية التي عدّها نتنياهو والقيادات العسكرية الصهيونية بأنها الأكثر إقلاقاً لهم، لجهة التواجد الإيراني وقوات حزب الله في الجنوب السوري. من هنا نفهم التحشيد العسكري بإدارة أميركية على الحدود الأردنية - السورية كرسالة عسكرية على ما يقلق إسرائيل، في حين جاء طرح دي مستورا أن اجتماع جنيف المقبل سيستفيد من  "زخم" ما حدث في أستانة وحصاده المتمثّل في اتفاق مناطق تخفيف التصعيد, وسيدعو  لإقامة مناطق أخرى غير المنصوص عليها في اجتماع أستانة، جاء في إطار نقل رسالة سياسية لما يقلق إسرائيل أيضاً .
 
لافروف في اعتقادنا بحث في واشنطن ما يمكن تسميته "واحدة بواحدة "، بمعنى ضمان أميركي لتطوّرات الشمال مقابل ضمان روسي لقولبة وهيكلة وربما كبح جماح الجزئية التي تقلق إسرائيل في الجنوب السوري. من هنا نقرأ ونفهم ما أعلنه بوغدانوف أن احتمالية إقامة مجالس محلية للكرد في الشمال لايمكن أن تكون بديلاً عن السلطة الشرعية السورية، وبذات الفهم نقرأ ماكتبه عاموس هرئيل في صحيفة هآرتس لجهة أن موسكو تحاول ماسمّاه  " تجنيد " الولايات المتحدة والحصول على موافقة أميركية صامتة لإنجاز مناطق تخفيف التصعيد بشكل ناجح، مُضيفاً أن هضبة الجولان ستكون من ضمن المناطق المطروحة وبالتالي تجنّب القصف السوري على المنطقة .

محاولات وزير الخارجية الأميركي تيلرسون المستمرة في طمأنة الأتراك، وتفهّم غضبهم على خلفية القرار الأميركي الأخير لجهة تسليح قوات سوريا الديمقراطية في الشمال، وأن الولايات المتحده لازالت تعدّ حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية ولم ولن تسلّحه، وأن واشنطن وأنقرة قادرتان على الوصول إلى حل توافقي يحقق أمن تركيا، إضافة لإعطاء الموافقة الأميركية الأولية وعلى لسان تيلرسون نفسه أيضاً في قمة التحالف الدولي في كوبنهاغن الأخيرة، لناحية إمكانية إشراك تركيا في معركة الرقة، كل ذلك يدلّل على أن الورقة الكردية هي " كالخاتم" في اليد الأميركية، وماهي إلا ورقة للضغط في أماكن معينة للوصول إلى تسوية تشبع في طروحاتها الرغبة الأميركية، ولاتكون مفصّلة فقط بحسب ما تشتهيه وترغبه خصوم واشنطن.

الجزئية الوحيدة التي تبقى في اعتقادنا "حجر العثرة" ومن دونها لكُنّا قد جزمنا أن زيارة لافروف إلى واشنطن قد حسمت الصراع كلياً وأسست لمضي فاعل لصيغة توافقية سياسية بامتياز، تؤسس لحل سياسي حقيقي في سوريا، هي الجزئية التي أعلن فيها الأمين العام لحزب الله أن الانسجام بين الجيش العربي السوري وحلفائه في إيران وروسيا وحزب الله هو أكثر من أيّ وقت مضى، وأن المواجهة المقبلة مع الإسرائيلي ستكون داخل الأراضي المحتلة. وربطاً مع دعوة الملك سلمان مُسبقاً لسبعة عشر دولة للقدوم إلى الرياض، وإطلاق القمّة هناك مع ترامب وما قيل عن  "حلف سنّي" تدفع العربية السعودية باتجاه استيلاده لمواجهة إيران، هو ما يشكّل تأسيساً مادياً قد ينسف أية نقاط سياسية متقاطعة في صراع المحاور، ويعيد المشهد بطبيعة الحال إلى الصفر وربما أسوء بكثير.
 
حدثان رئيسان سيشكّلان بلا منازع المحدّد الرئيس وشكل المشهد السياسي في المنطقة:
- قمّة ترامب مع دول الخليج في الرياض وشكل مخرجاتها وأبعادها وحدودها.
- قمّة ترامب بوتين على هامش قمّة دول العشرين في شهر تموز المقبل في هامبورغ. 

المشهد بكليّته يقبل احتمالَيْن، سياسي توافقي تاريخي يُنهي سنوات كارثية مرت على المنطقة تفوح روائحه بشدّة، وكذلك احتمال تصادمي كارثي سيتدحرج حتماً لحرب إقليمية، له دوافعه وأسبابه وسيدمّر ما تبقّى ولن يُبقي ولن يذر، بمعنى آخر لن يكون هناك وجود للوسط أو استمرار للمشهد على ماهو عليه بعد هذين الحدثين، وما علينا إلا الانتظار.