مناطق تخفيف للتوتّر في سوريا وما الفرق بينها وبين المناطق الآمنة التي ما فتئ يدعو إليها أردوغان؟

مبادرة روسية جديدة في سوريا تقضي بإنشاء أربع مناطق "تخفيف للتوتّر" في كل من الجنوب السوري والغوطة الدمشقية و إدلب و ريف حمص الشمالي.

وثيقة هذه  المبادرة ما زالت قيد الصياغة وفق ما صرّح رئيس الوفد الروسي إلى مفاوضات جنيف، ومبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف، الأربعاء الماضي . هذه المبادرة حصلت على تأييد دمشق و واشنطن وأيضاً على تأييد الدول الراعية لمؤتمر أستانة منها تركيا وإيران و وفد المعارضة المشارك في المؤتمر. إن تسمية هذه المناطق، المُراد تثبيت وقف إطلاق النار فيها، بمناطق تخفيف التوتّر عوضاً عن الآمنة لم تأتِ حتماً من التفاف روسي كما يحاول البعض ترويجه (نظراً للمعارضة الشديدة من الروس وحلفائهم لهذه المناطق في السابق) وإنما لأن هذه المناطق لن تكون آمنة على الجميع ، فجبهة النصرة وداعش هما مستثنيان منها و عزيمة الجيش العربي السوري ستواصل حربها عليهما حتى دحرهما من هذه المناطق كما ومن كل سوريا، وفق ما صرّح به السيّد وليد المعلم وزير الخارجية السوري.


للوقوف عند هذه التجربة الجديدة للمناطق الآمنة والتي تختلف بالشكل والمضمون عن مثيلتها في ليبيا  ، هنالك عدّة نقاط يتوجّب على المُتابع المرور بها :

 

أولاً ، إن هذه المناطق الأربع التي وردت بهذه الوثيقة تشكّل امتتاداً لما اصطلح تسميته سوريا المفيدة ، في إشارة جديدة بأن تقسيم النفوذ السياسي في سوريا بين الدولتين العُظميين يتضّح يوماً بعد يوم ، وفق الصيغة التالية : سوريا المفيدة للروس و الخاصرة الشرقية والشمال الشرقي للأميركيين.

 

ثانياً ،استثنت هذه الوثيقة مناطق نفوذ الأكراد من عين العرب حتى القامشلي، كما واستثنت عفرين أسوة بالمناطق الخاضعة لسيطرة النظام ، مما يوحي بشكل أو بآخر أن الاتفاقات بين النظام و الأكراد تمشي على قدم و ساق، وأن كل ما يشاع عن خلاف بين الجهتين محض إشاعات ، وما علينا إلا التمعّن بمدينتي الحسكة و القامشلي ونقاط التماس بين الجهتين.

 

ثالثا"، إن استثناء جبهة النصرة و داعش من هذه المبادرة و اللذان يستحوذان على أكثر المناطق الخارج عن سيطرة النظام يعتبر انتصارا" للنظام و لحلفائه و هذا ما يفسّر الموافقة السريعة للنظام على هذه المناطق وتشجيعه لها.

 

رابعا"،إن توقّف القصف الجوي وفتح المعابر الإنسانية و التجارية و إعادة النازحين لمنازلهم وعودة الحياة إلى هذه المناطق، يعتبر انتصارا" للدبلوماسية السورية-الروسية، إن كُتب لها الحياة طبعا". فالمرجّح الأول والأولى لأن يشغل فراغ المجموعات المصنّفة إرهابية هي الدولة السورية ومؤسساتها الأمنية والاقتصادية.

 

خامساً ، استثناء الرقة معقل داعش وعاصمة الخلافة يعني أن مشاركة واشنطن في الحرب السورية ستقتصر على الإمداد الجوي وبعض المستشارين، وأن المعركة البريّة ستكون من نصيب قوات سوريا الديمقراطية.

 

إن هذا التقسيم السياسي الجديد يهدف، بحسب صانعيه، إلى إنهاء الحرب السورية التي دخلت عامها السادس بالطُرق الدبلوماسية، وإيجاد صيغة حل مع المعارضة المُعتدلة، أما المعارضة المتشدّدة والمصنّفة إرهابية فموعدها ساحات القتال. و يبدو أن ، كما قلناه في السابق ، طريق الرقة سوف يكون معبّدا" لجحافل واشنطن و قوات سوريا الديموقراطية، فاجتثاث داعش من هذه المنطقة أوليّة لهما، أما دحر الجبهة وبقايا داعش من سوريا المُفيدة سيكون من نصيب روسيا والنظام وحلفائهم. حتماً ستكون مكاسب النظام  والدولة السورية بهيكليتها عديدة كأن يثبّت الجيش أقدامه وحماية حديقته الخلفية، وسيباشر حرباً سيتطلّع إليها العالم أجمع تهدف للقضاء على الإرهاب قبل أن يدقّ أبواب الغرب، وسيحارب هذه المرة و ظهره محميّ بعد أن كان معرّضاً للطعن في أية لحظة، وستعيد الدولة أبناءها وتحرّك عجلتها الاقتصادية وستعيد الدول التي شاركت بصبّ الزيت على نار الحرب السورية حساباتها ، الغربية منها على وجه الخصوص  ، فيكسب بذلك النظام وستكسب روسيا. وستكون مكاسب المعارضة المُسمّاة معتدلة من خلال الجيوب أو المربّعات الأمنية التي سلختها من الدولة المركزية . أما واشنطن فتكسب في الشرق السوري وتقطع أهم خط إمداد مفتوح بين إيران والعراق و سوريا فلبنان بحزب الله، وستثبّت في هذه المنطقة حلفاء لها يفاوضون النظام في مستقبل سوريا و يحصلون منها على نصيب في الحكم وعلى تغيير في الدستور صغيراً كان أم كبيرا". أما عن السؤال الأهم، ماذا تكسب تركيا وأي الوعود أخذت وماذا تكسب السعودية وقطر وما الذي ستكسبه إيران؟ و ماذا عن جبهة الجولان، تلك أسئلة مشروعة ستكشفها اللواحق من الأيام فهل سيكتفون جميعا" بمكاسب الحليف أو صاحب الأمر عليهم ومشغّلهم؟ أم سيسعون بأدواتهم لتعكير التفاهم كما يحدث في الغوطة الشرقية؟