ضربة أميركية دعائية وبوادر تلوح بالأفق بأن عمر داعش والنصرة بات وشيكاً

الاتفاقات الروسية الأميركية حول سوريا قد وصلت إلى نسختها النهائية، ونهاية الحرب في سوريا باتت وشيكة، ونستطيع أن نتخيل سوريا مقسمة سياسياً إلى قسمين، سوريا المفيدة بزعامة الروس وسوريا النفطية والزراعية بزعامة أميركا.

القصف ليس بحدث جديد على كل إدارة أميركية جديدة، هو بصمة وعلامة مميزة لكل رئيس أميركي جديد (أ ف ب)
إذاً، ضربت أميركا قاعدة الشعيرات السورية في شرق حمص، والتي، بحسب رواية أميركا، انطلقت منها الطائرات التي قصفت خان شيخون في إدلب بالأسلحة الكيماوية. القصف ليس بحدث جديد على كل إدارة أميركية جديدة، إنه بصمة وعلامة مميزة لكل رئيس أميركي جديد، يريد من خلاله إرسال رسالة للداخل وللخارج بأن الإمبراطورية الأميركية موجودة على الساحة الدولية وأن أحلام توسعها ومصالحها مستمرة كذلك وجودها وريادتها للعالم. فكما قصف بيل كلينتون أفغانستان والعراق، وكما قصف جورج بوش العراق، وكما فعل أوباما في ليبيا ها هو ترامب يفعلها في سوريا... إذاً، الإمبراطور الأميركي يعلن تربعه للعرش والإمبراطورية الأميركية تبعث رسائلها بأنها قوة عالمية وأنها لم تتخلى عن مصالحها في سوريا، كما وفي كل العالم. للأسف، فإن الساحة الإسلامية، والعربية منها على وجه الخصوص، كانت وما زالت الأرض التي منها، ومنذ بداية الستينات، تُبعث كل الرسائل ويعلن من خلالها تربع كل الإمبراطورات. إن ما حدث في سوريا هو من دون شك إعلان ودعاية لمهووس البيت الأبيض الجديد ترامب، ولكن لهذه الدعاية عدة علامات استفهام يجدر بأي عاقل الوقوف عندها وتأملها: أولاً، وزارة الخارجية الروسية تقول إن واشنطن اتخذت قرار ضرب سوريا قبل أحداث إدلب، وتعلن عن توقف العمل بمذكرة الطيران مع واشنطن، والتي تعتبر التنسيق الوحيد بينها وبين أميركا في سوريا الذي جنّب وقوع حوادث بين الدولتين، وبالتالي إشعال فتيل حرب عالمية جديدة. ثانياً، إخلاء الجيش السوري للقاعدة المذكورة ونقل الطائرات والمعدات والجنود نحو منطقة آمنة لم يحددها في بيانه، واقتصار الأضرار على 6 شهداء، وتدمير كامل لأرضية المطار جراء خزانات الكيروسين. هذا يدل بما لا يقبل الشك أن الجيش والقيادة السورية كانت على علم بالقصف مسبقاً واتخذت الإجراءات الاحترازية. ثالثاً، نفي الجيش السوري والقيادة السورية أي علاقة لها في الماضي أو في الحاضر أو حتى في المستقبل باستخدام الأسلحة الكيماوية بأي هجوم لها على الجماعة المسلحة، وأن القصف الذي تم على خان شيخون، كان قصفاً على مستودع للسلاح يرجح أنه كان يحتوي على مواد كيماوية استقدمتها الجماعة المسلحة من تركيا ومن مشغليها. نضيف إلى هذا كله أن مخزون سوريا من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية كان قد تم الإعلان عن تدميره بالكامل وتحت إشراف الأمم المتحدة. رابعاً، تصريح قادة أميركيين رفيعي المستوى كوزير الخارجية ومندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة بأن مسألة رحيل الرئيس بشار الأسد ليست ضمن الأساسيات الأميركية، وأن بقاءه ورحيله أمر يحدده الشعب السوري، وأن الأفضلية في الوقت الراهن لمحاربة الجماعة الإرهابية، وعلى رأسها النصرة وداعش.

فما الذي حدث على الأرض السورية هذا الأسبوع؟

كنا قد قلنا سابقاً بأن سوريا ترسم معالم عالم جديد يزول فيه حكم القطب الواحد ويعود حكم المعسكرين الأميركي والروسي، وما قلناه سابقاً نعود لنؤكده اليوم.
نعتقد بأن قصف خان شيخون هو الشرارة الأولى لقرب معركة إدلب وجسر الشغور، والتي سيقودها الجيش السوري وحلفائه الروس والإيرانيين، فمسألة القضاء على النصرة واستعادة ما اصطلح على تسميته "سوريا المفيدة"، ستكون من نصيب الجيش العربي السوري.أما مسألة القضاء على داعش وتحرير عاصمتها الرقة فسيكون من نصيب أميركا وحلفائها وعلى رأسهم قوات سوريا الديمقراطية، وممنوع هنا اقتراب الجيش السوري، وربما كان هذا من الأسباب التي دعت الأميركيين لتدمير مطار خان شيخون الذي يقع قرب تدمر في الشرق السوري بعد أن بات مطار الطبقة في حوزة الأكراد؛ حلفاء أميركا.نعتقد إذاً، أن الاتفاقات الروسية الأميركية قد وصلت إلى نسختها النهائية وأن نهاية الحرب في سوريا باتت وشيكة، ونستطيع أن نتخيل سوريا مقسمة سياسياً إلى قسمين، سوريا المفيدة بزعامة الروس وسوريا النفطية والزراعية بزعامة أميركا، سوريا النظامية وسوريا المعارضة، ومن خلال هذا التوزيع الجديد سيصار لصياغة الشكل النهائي للحل ولشكل الحكم والدستور وتقاسم النفوذ، والله أعلم!