أزمة العنوَسة في المجتمع الجزائري

العنوَسة والتي تعني حسب التعريفات والاصطلاحات العلمية الاجتماعية تأخّر سنّ الزواج عن المُعدَّل العادي المُتعارف عليه اجتماعياً في أي بلد. وهذا المصطلح يشمل الجنسين ممَّن تأخّر بهم قطار الزواج لكنه أصبح لصيقاً بالإناث وحدهن في المجتمعات النامية، ومنها قطعاً المجتمع الجزائري الذي انتشرت فيه هذه الظاهرة المؤرقة لكثير من الأسر والنِّساء كانتشار السُّم في جسد ميدوسا قبل قطع رأسها.

الجزائر تتصدّر قائمة الدُّول العربية من حيث انتشار هذه ظاهرة العنوسة
العنوَسة هي من المحرّمات الاجتماعية التي يتجنَّب الكثير من المختّصين الاجتماعيين أو الأسريين الحديث عنها أو التطرّق إليها إلاَّ في ما ندر. ويعتبرها بعضهم مرضاً اجتماعياً صعب العلاج قد تسلَّل إلى جسد المجتمع الجزائري المُحافظ وسكن بين جناحيه. فالعنوَسة والتي تعني حسب التعريفات والاصطلاحات العلمية الاجتماعية تأخّر سنّ الزواج عن المُعدَّل العادي المُتعارف عليه اجتماعياً في أي بلد. وهذا المصطلح يشمل الجنسين ممَّن تأخّر بهم قطار الزواج لكنه أصبح لصيقاً بالإناث وحدهن في المجتمعات  النامية، ومنها قطعاً المجتمع الجزائري الذي انتشرت فيه هذه الظاهرة المؤرقة لكثير من الأسر والنِّساء كانتشار السُّم في جسد ميدوسا قبل قطع رأسها. فالإحصائيات الرسمية الصادرة عن الديوان الوطني للإحصاء تكشف لنا عن حجم الواقع المرير والصادم في ما يتعلق بهذه الظاهرة، وتميط اللثام عن وجود أزيد من مليون فتاة قد تخطّت سنّ ال َ34 من دون زواج. بالإضافة إلى أنَّ هناك أكثرمن31.1 % من الفتيات يُعانين من  شبح العنوَسة نتيجة عدَّة عوامل اجتماعية واقتصادية ومجتمعية قد ساهمت في ذلك بشكل مباشر. وهذه النِسَب جاءت نتيجة دراسة مشتركة قام بها خبراء التنمية التابعين للأمم المتحدة مع باحثين جزائريين مستقلين. فالعدد المطَّرد الذي شهد ارتفاعاً غير مفهوم إذ كان في حدود 6 ملايين عانس في التسعينات من القرن الماضي نتيجة الظروف الأمنية الصعبة في البلاد والتي أدّت إلى هجرة آلاف الشباب الجزائري من الجنسين بحثاً عن حياة أفضل بعيداً عن مارد الموت الذي كان رابضاً على قلوب الجميع، ليصل العدد حسب أرقام العام الماضي إلى أكثر من11مليون عانس بمعدل قارب ال 200 ألف يدخلون ضمن هذا النِّطاق من الفتيات كل سنة.   الجزائر تتصدّر  قائمة الدُّول العربية من حيث انتشار هذه الظاهرة وتغلغلها في المُجتمع، تليها دولٌ كالمغرب وتونس. فنسبة الشَّباب في الجزائر التي تبلغ حوالى أكثر من70 % من المجتمع قد تتقلّص في السنوات القادمة لتتحوّل من دولة يشكّل هؤلاء قوتها الدَّافعة ورافعتها الاقتصادية والأمنية والثقافية، إلى دولة تصبح الشَّيخوخة  فيها وانخفاض معدلات الإنجاب هي سمتها الغالبة نتيجة هذه الظاهرة الخطيرة والتي يرجعها العديد من المختّصين، كالباحثة الاجتماعية الأستاذة أمال عيسى من جامعة البليدة، إلى تضافر مجموعة من العوامل التي تساهم في صوغ هذه الظاهرة وتحديد معالمها الكلية وعلى رأسها العوامل الاقتصادية  كانتشار البطالة في أوساط الشباب الجزائري. وهي ظاهرة لا تزال مستمرة في الارتفاع كل سنة ومن دون توقّف رغم الأرقام الرَّسمية المقدّمة والتي يكذّبها الواقع والأرقام الأكاديمية المستقلّة في المُجمل. وكذلك غلاء المُهور وانعدام السَّكن لمعظم الشَّباب من الجنسين وارتفاع تكاليف الحياة اليومية وهي تُعتبر بالتالي من أهم العقبات أمام الذَواج لكلا الجنسين. زيادةً على أسباب أخرى اجتماعية وبسيكولوجية كالخوف من الارتباط أو رغبة بعض الفتيات في إكمال دراستهنَّ العليا أو تحقيق الذّات وإثبات وجودهنَّ اجتماعياً من خلال التَّرقي في السُّلم الوظيفي...الخ إلى غيرها من الأسباب التي تختلف باختلاف عمر الفتاة أو الشَّاب أو  تباين مستوياتهم الطبقية أو العلمية أو البيئة الاجتماعية التي ينحدرون منها. وساهم  تغيير المفاهيم والذهنيات لدى المرأة إلى حدٍّ كبير في انتشار هذه الظاهرة. إذ أصبح الزواج آخر اهتماماتها خاصة إذا كانت ذات مستوى مادي أو تعليمي مرتفع. فيما يذهب السيِّد عز الدين حديدي، وهو إمام مسجد في الجزائر العاصمة، إلى أنَّ العادات والتقاليد البالية والمتخلِّفة أصبحت تشكّل حجر عثرةٍ وعائقاً أمام إقدام الشباب على الزواج وإكمال نصف دينهم بالتالي حسب المنظور العقائدي والمجتمعي الجزائري.