الدراما والمجتمع...تبادل التأثير - الجزء الأول

لا نجرؤ على إطلاق كلمة مجتمع أو مجتمعات على التجمّعات السُكّانية الناطقة كلياً أو جزئياً بالعربية، فالكلمة (المُصطلح) هذه مفردة تقنية دقيقة الفعل والمفعول، وربما كانت خطأ شائعاً يقوم مقام الصواب اللغوي، لذلك سوف أستخدمها كخطأ شائع عسى أن يأتي يوم تكون في هذه التجمّعات البشرية أسماً على مسمّى.

الدراما السورية تكتسح الفضائيات العربية
كذلك لا نجرؤ أيضاً على إطلاق تسمية دراما على المسلسلات التلفزيونية التي تستهلكها تلك المجتمعات. فالدراما مصطلح تقني له معانيه المغايرة المعروفة، ولكني سأكرر خطأي السابق باعتماد رأي اللغويين حول الخطأ الشائع، وأطلق على هذه المسلسلات إسم دراما تجاوزاً ومجازاً. 

 

واعتماداً على ذنيك الخطأين الشائعين اللذين يعتبران صواباً مبرماً، على الرغم من لمس الأهوال التي نراها في الواقع انطلاقاً على الأخطاء الشائعة المستخدمة على أنها حقائق من المؤكد أنها ليست مطلقة، ولكنها حقائق ممارسة ومعاشة في واقعنا اليومي، حيث يظهر أن الدراما التلفزيونية ليست وحدها المنفصمة عن الواقع رؤية وتفكيكاً، بل "المجتمع" بغالبيته الكاسحة منفصل عنها أيضاً،على الرغم من شحة الوسائل التعبيرية الأخرى، لتبدو الدراما التلفزيونية كمونوبول (لاعب وحيد) في ساحات التلقي. فهذه المجتمعات التي يمكن تصنفيها بسهولة من هذه الناحية كمجتمعات منغلقة بعلاقتها مع الفنون، نراها تحت تأثير ضاغط وقوي مع هذه السلعة التلفزيونية التي تتناسب مع شروط إنغلاقها، مبدية تفاعلاً علانياً غريباً، قد يفسر عنوة بإنفتاح شاذ على المنتجات الفنية عبر "الدراما" التلفزيونية التي تساعد على الإنغلاق أكثر،  كما في مسلسلات البيئة الشامية مثالاً (وبيئة هنا أيضاً تستخدم كخطأ شائع)، فهذه البيئات الاجتماعية التي لا تعرف شيئاً عن الدراما. فالدراما كمعرفة غائبة عن المناهج المدرسية على الرغم من أهميتها القصوى لدراسة الأدب، كما أنها غائبة تماماً عن النقد الذي لا يعاير هذه الأعمال درامياً، وأقصد هنا النقد الصحفي كصلة وصل بين المتلقي وبين المسلسل وصانعه، وكذلك النقد المعرفي أو لنقل الأكاديمي، لم يعر المسلسل أية أهمية نقدية لا من بوابة النقد الفني، ولا النقد الاجتماعي أو النفسي، ولا حتى من بوابة النقد التوعوي البسيط. إذا نحن بصدد خطأين شائعين نتعامل معهما ونفعلهما ونمارسهما واقعياً، ـ (مع الإنتباه إلى مصطلح النقد الذي يضم عنوة وكخطأ شائع أيضاً على فعلين هما النقد والإنتقاد على ما بينهما من فوارق)ـ  فعلى أية دراما يمكن الحصول؟ خصوصاً مع ارتقاء وسائل التوصيل عرضاً للأعمال، أو نقداً (انتقاداً) مزاجياً لها وتفخيمها وتحقيرها من دون معايير تذكر، ولا حتى بمعيار مردود الإعلانات الذي يعتبرعرضاً مقياساً على جماهيرية المسلسل.

 

على أية دراما يمكن أن نحصل في ظل احتدام الجدل بين الأخطاء الشائعة ؟!على أية دراما تنافسية يمكن أن نحصل في ظل هذا الواقع التواصلي، وفي ظل الإبهار والجرأة والتقنيات الفارهة والمحتوى الصادم والمدهش، ليبدو الحفاظ على المتلقي جاهلاً وربما أمياً، من ناحية متعة الفرجة ودهشة المعرفة، الحفاظ عليه كما هو أو أشد ركاكة، هدفاً من أهداف هذه الدراما كي تحافظ على سوقها، ولكن إلى أين ومتى؟ في ظلال متلق من هذا النوع، نشأت الموجة الثانية الدراما التلفزيونية ـ (الناطقة باللغة العربية يسمونها لهجات كخطأ شائع أيضاً) ـ في مستهل ثمانينيات القرن الماضي، مع فوران تأسيس محطات أرضية في الدول العربية وإنشاء قنوات رديفة لها، حيث شكلت سوقاً التهامية كي تغطي ساعات البث التي تطاولت من 6 ساعات في اليوم إلى 24 ساعة، ما تطلب إنتاج ساعات كثيرة من الدراما التلفزيونية، تعهدت بها استديوهات دبي وعجمان واليونان والأردن لاحقاً أيضاً، بشروط إعلامية بخسة مع شروط مالية مجزية، هكذا ولدت موجة الدراما التلفزيونية الثانية التي تتوجت بتلوين الشاشة، ومن ثم إفتتاح الفضائيات الملتهمة للمادة التلفزيونية، لنقف على أعتاب الموجة الثالثة لإنتاج الدراما التلفزيونية، التي كانت في موجتها الأولى منذ بداية الستينيات حكراً على التلفزيونات "الوطنية" التي أسست لوجود حرفيين بارعين، ستقوم على أكتافهم الموجة الثانية وبدايات الموجة الثالة التي تأسست رسمياً على السماح للقطاع الخاص بالإنتاج الإعلامي (المسلسل التلفزيوني) والإتجار به نظراً إلى توافر المواد الأولية محلياً من جهة والتحكم رقابياً بالمحتوى الفكري للأعمال.

 

وإذا كنت في هذه السلسلة أيمم شطر الدراما السورية وإلى حد كبير اللبنانية أيضاً، خصوصاً في السنوات الأخيرة، فلا بدّ من أن أشير إلى العلاقة بين الدرامتين إنتاجاً وتسويقاً وإبداعاً وبثاً، كانت علاقة مصلحية أو يمكن أن نطلق عليها علاقة عضوية لولا ظروف الحرب في لبنان ابتداء من 1975وكذلك الظروف في سوريا الآن، فالقطاع الخاص التلفزيوني ولد في لبنان على أيدي الثلاثي نهاد قلعي ودريد لحام وخلدون المالح في أواخر ستينيات القرن الماضي، وعلى أيدي مخرجين وتقنيين بل وممثلين لبنانيين أيضاً، حيث تمت ولادة أكثر المسلسلات شعبية آنئذ.