تركيا تخرج للتسوّق

أصبح من الواضح أنه في كل مرة وبشكل متكرّر، يصعد إلى الحكم سياسيون مهووسون وقليلو الخبرة، وهذا لا علاقة له بالمناطق أو العقائد أو الطوائف الدينية. بل يبدو أنه منحى عالمي.

تركيا ضاعفت 10 مرات تبادلها التجاري مع أميركا اللاتينية
نحن بعيدون جداً من سياسيين من قامة ونستون تشرشل، فرانكلين روزفلت وجوزيف ستالين، والذين أظهروا  بالرغم من أخطائهم، شجاعة وحكمة. أو غيرهم من المعاصرين مثل دنغ شياو بينغ، مارغريت تاتشر، جيمس كارتر، روح الله الخميني، نيلسون مانديلا أو فيدل كاسترو، الذين أظهروا، بصرف النظر عن دوافع كل منهم، تألقاً سياسياً كبيراً. ولكن الحال لم يكن كذلك مع الرئيس التركي أو على الأقل مع مستشاريه في السياسة الخارجية. لقد أجرى  رجب طيب أردوغان جولة في أميركا اللاتينية لأغراض واضحة جداً: شراء أصدقاء أو استئجار حلفاء.ولكن السياسة لا تكون بهذه الطريقة.  إن الوضع الداخلي في تركيا مثير للقلق ويتناقض مع الخطاب الذي ذهب به أردوغان الى كل من سانتياغو دي شيلي، كيتو و ليما.فمكافحة الإرهاب التي يعلن ويدافع عنها أردوغان ليست سوى خديعة. فقد بات مفضوحاً ومداناً الدعم التركي للدولة الإسلامية في العراق والشام، خدمةً لمصالح سياسية ولرغبات إقليمية. وكلماته التي خصّصها للاجئين السوريين كانت عيّنة من وقاحة لم نشهدها منذ أيام رونالد ريغان. سوربا والعراق يعانيان اليوم من ويلات الإرهاب والحروب نتيجة لأعمال الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والإقليميين، الذين يلهثون وراء النفط ويسعون إلى توسيع مناطق نفوذهم وعيونهم تصبّ نحو إيران وروسيا والصين، فغذّوا الاشتباكات بين الإخوة في منطقة عوقبت بالحرب والكراهية المستوردتين. وكأن كل ما تقدم ليس كافياً، بتنا نرى أنظمة، كالملكي السعودي و"العثماني الجديد" في زمن أردوغان، تحاول، ولو تسبّب ذلك بعواقب وخيمة على السلام الإقليمي والعالمي، تحاول التأثير على الأحداث إنطلاقاً من مصالح خسيسة ومروّعة. وجدت تركيا الفرصة المؤاتية لها في الحرب السورية كي تنصّب نفسها كقوة إقليمية، فقد كانت دمشق تمثل دائماً الثقل المواجه القوي في ميزان  القوى الضعيف أساساً في تلك المنطقة. وقررت استغلال "الالتباس" الحاصل، لتقضي مرة واحدة وإلى الأبد، بحسب رأيها، على الأكراد ومطالبهم ، متجاهلةً إنهم يشكّلون 20% من الشعب التركي. في عزمها المهووس هذا، لم تعير تركيا أي اهتمام للأسلوب أو لمضمون الأعمال التي قامت بها، فالدعم المادي والاستخباراتي الذي قدّمه الجيش التركي لعصابات داعش الإرهابية كان منذ البدء أمراً ثابتاً، ووفقا لوسائل الإعلام الدولية والتقارير الصادرة عن مراجع تركية وعربية ، تركيا متورّطة عبر حدودها بأعمال  تهريب النفط السوري والعراقي الذي يقع في مناطق تحت سيطرة داعش. ولم تكتفِ تركيا بذلك، حتى أسقطت طائرة عسكرية روسية تعمل ضد أهداف إرهابية في سوريا، فكانت رسالة خرقاء من أردوغان الى موسكو، أدّت ليس فقط الى توتر العلاقات الثنائية بين البلدين، بل على صعيد مجمل الوضع الإقليمي، المعقّد أصلاً. ألم يتذكر أردوغان أن تركيا تعني بالنسبة لروسيا، حلف شمال الأطلسي ؟ من المعروف أن العديد من الدول الأوروبية ترفض طريقة أردوغان وأسلوبه، وهي بعيدة كل البعد عن دعم أي صراع مع روسيا، ولكن يقال"أن الطريق الى الهاوية مليء بالنوايا الحسنة" !. 

الخروج بحثاً عن حلفاء أو أصدقاء

تركيا ضاعفت 10 مرات تبادلها التجاري مع أميركا اللاتينية. ففي عام 2000، لم تتجاوز قيمة التبادل المليار دولار، أما اليوم فقد بلغ حجم التجارة المتبادلة عشر مليارات دولار. ففي ظل الأزمة العالمية والإنخفاض الصادم لأسعار مختلف المواد الأولية، تريد تركيا أن تقدّم نفسها كخيار تجاري للمنطقة ، وفي نفس الوقت ، تبغي تأخذ حمّاماً من الكياسة ودعماً دبلوماسياً تبحث عنه في المحافل الدولية . أما بالنسبة إلى أميركا اللاتينية، فقد كان العرض التركي موضع ترحيب، على قاعدة أن توسيع الأسواق وتعدّد الشركاء لتجنّب التبعية الإقتصادية ولاجتياز الوضع الحالي هو أمر جيد، ولكن التجارة شيء، أما الاعتقاد أنه بمحفظته يمكنه شراء أتباع و ملحقين فهو شيء مختلف تماماً في منطقة ذاقت طعم الكرامة. وهذا ما اتضح من خلال الرفض الشعبي الذي خلّفته زيارة أردوغان الى هناك، وسط عزم الحكومات المضيفة لاستقبال رئيس الدولة التركية وفق أطر التفاهم والدبلوماسية. ومع ذلك، أبى الزوار إلاّ أن يظهروا طبيعتهم الحقيقية. آخرها في الإكودادور، حيث اعتدى  عناصر أمن الرئيس التركي، جسدياً، على العديد من النساء كما اعتدوا على عضو في البرلمان من حزب "آليانزا باييس" الذين كانو يتظاهرون ضد أردوغان. وزير الخارجية الإكوادوري ريكاردو باتينيو، عبّر بنفسه عن أسف لعدم احترام المتظاهرين للزائر، ولكنه في نفس الوقت وصف بـ "غير المبرّر على الإطلاق"،  ما قام به الحراس الشخصيون لأردوغان، الذين بالإضافة الى كل ما ارتكبوه، قللوا من احترام الشرطة الوطنية الإكوادورية التي كانت أساساً مسيطرة على الوضع. وأكد باتينيو أنه يوجد في الإكوادور "الحق بحرية التعبير عن الرأي".  إذا كان ذلك هو سلوك فريق أردوغان خارج تركيا....... فكيف هو إذاً في داخلها ؟

أبى الزوار إلاّ أن يظهروا طبيعتهم الحقيقية. آخرها في الإكودادور.