مصر في قبضة الإرهاب؟

قد يبدوعنوان المقالة مُخيفاً بعض الشيء إذا ما انتبه القارىء أنه بصيغة السؤال وليس بصيغة الجزم ، فحتى اللحظة لا يمكن لأحد الجزم بأن الإرهاب في مصر بصيغته وأدواته الجديدة قد وصل إلى مرحلة التمكين رغم الآلام الناتجة من العمليات الإرهابية منذ سنوات، والتي تُشكِّل سيناء فيها مسرح العمليات الأساسي، مع الإشارة إلى أن الأدوات الإرهابية لا تتوانى عن تنفيذ عملياتها في أي مكان داخل مصر حال توافر الشروط والظروف الملائمة لتنفيذ عملياتها ، وهو أمر يحصل بين الحين والحين ، إلاّ أن العمليات الأكبر والأفظع تحصل داخل سيناء.

أية مُعالجات جذرية لتفشّي الإرهاب في مصر يجب أن تُحاكي تجربة الإرهاب في سوريا وليبيا

في التأريخ للظهور الأول للإرهاب في سيناء يمكن القول أن الظهور الأول في شمال سيناء تحديداً يعود لنهاية التسعينات ، عندما أسّس الدكتور خالد المساعد مع صديقه نصر الملاحي تنظيم "التوحيد والجهاد" وقاما بتجنيد عشرات الشباب ومن ثم تدريبهم على استخدام السلاح والمُتفجّرات، وقد كانت باكورة عمليات التنظيم عمليتيّ مدينتي طابا ونويبع أواخر سنة 2004 التي كانت نتيجتهما خسائر كبيرة في الأرواح، ليتبعهما خلال سنتي 2004 و 2005 العديد من العمليات تمكّنت بعدها القوى الأمنية المصرية من محاصرة خالد المساعد وعناصر التنظيم في جبل الحلال وتم قتله مع عدد من مساعديه وأنصاره وإلقاء القبض على المئات من الإرهابيين التابعين له .

وفي استعراض سريع للعمليات الإرهابية لم تسلم مصر منها على مدار تاريخها الحديث، واستهدف فيها الإرهاب الجميع بمن فيهم الأقباط الذين تعرّضوا بعد "الربيع العربي" لعمليات يمكن وصفها بالمجازر، وهي لا تزال مستمرّة كلما تمكَّن الإرهاب من توفير الظروف لتوجيه ضرباته. في الوقت الحالي يُشكّل تنظيم لواء الرايات السوداء أو أنصار بيت المقدس الذي بايع تنظيم " داعش " في العام 2014 عماد قوة الإرهاب في سيناء ، إضافة إلى تنظيمات أخرى ك  "أكناف بيت المقدس" وتنظيم "السلفية الجهادية "وتنظيم "جيش الإسلام".

تنتشر هذه التنظيمات في مناطق رفح والشيخ زويد وفي المناطق الصحراوية جنوب العريش، وفي المنطقة الجبلية وسط سيناء حيث تؤمِّن لها الجغرافيا الواسعة والمُتعدّدة من التجمّعات السكنية إلى الصحراء والجبال ميزة التخفّي وعناصر المفاجأة المختلفة، بما فيها قدرة الحركة والانتقال الدائم لحرمان القوى الاستخباراتية من ميزة الاستعلام الدقيق، وهو ما يساعد هذه التنظيمات على تنفيذ ضرباتها سواء في الجيش والقوى الأمنية أو السكان المحليين غير الموالين لها.

بمتابعة شكل العمليات وطبيعتها والتي تتّخذ شكل الكمائن والضرب بواسطة الانتحاريين سواء كأفراد أو سيارات مُفخَّخة، يتبيّن لنا أن هذه التظيمات تستخدم نفس أساليب الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق بشكل أساسي لتحقيق عامل التفوّق الأول على الجيش المصري، وهو تحقيق مرحلة الشوكة والنكاية والتي يمكن تسميتها أيضاً بمرحلة الصدمة والرُعب بهدف أساسي هو الانتقال بعد تحقيق أعلى مستوى من التوحّش إلى إرباك الجيش المصري وتعطيل قدراته في المكافحة، وإدخال الرُعب في نفوس السكان وهو الأمر نفسه الذي تحقّق ل " داعش " ومثيلاتها في سوريا والعراق لتكرار نفس السيناريو، وهو إخراج مناطق أطراف الدولة المصرية من سيطرة الجيش والقوى الأمنية والانتقال إلى مرحلة التمكين.

إن أية مُعالجات جذرية لتفشّي الإرهاب في مصر يجب أن تُحاكي تجربة الإرهاب في سوريا وليبيا، مع مُراعاة الخصوصية المصرية من خلال توصيف الأسباب المباشرة لتنامي الحال الإرهابية وهي برأيي تتمثّل في:

  • تنوّع الجغرافيا التي تتراوح بين التجمّعات السكانية في المدن والقرى، حيث يعاني الجيش من مصاعب في الاستهداف بالنظر إلى تحاشيه  الضربات الشاملة لعدم إحداث خسائر في صفوف المدنيين، وهو أمر يُصعِّب مهمة الجيش ، إضافة إلى صعوبة الاستطلاع في المناطق الزراعية والجبلية، وامتلاك الإرهابيين بنتيجة هذه المصاعب قدرة الحركة والمناورة والتخفّي الكبيرة .
  • فقدان العلاقة الجيّدة بين السكان المحليين والسلطة المركزية بنتيجة العلاقات السابقة على مدى عقود من الإهمال والتجاهل ، وعدم قدرة السلطة على إيجاد مواطىء قدم استخباراتية كافية بنتيجة هذه العلاقة السابقة ، والتي لم يتم الالتفات إليها حتى اللحظة من خلال تفعيل العمل الإنمائي وتنمية الشعور بالمواطنة.
  • اقتصار المواكبة الإعلامية حتى اللحظة على الخطابات التقليدية والعاطفية في ظل حال انقسام للرأي العام المصري، عكسها بعض وسائل الإعلام المصرية وغير المصرية من خلال التعميم بتحميل المسؤوليات للسكان المحليين واتّهامهم بتأمين الملاذات الآمنة للإرهاب وما الى ذلك.
  • عدم تفعيل أساليب الاستطلاع والمواجهة التي تتجاوز البُعد التقليدي وضرورة الاعتماد أكثر على العمليات الأمنية السرّية وعمليات القوات الخاصة المُفاجئة.
  • عدم الانفتاح بما يكفي من مؤسّسات الدولة على قبائل سيناء وهو ما يجب أن يرتقي إلى مستوى تدريب وتأهيل شباب القبائل وتنظيم مهامهم من قِبَل الجيش مباشرة للمساهمة في توسيع إمكانيات المواجهة وتعقيد حرية الإرهابيين وقدراتهم.

بالرغم ممّا نشاهده، فحتى اللحظة لم تستطع هذه التنظيمات الإرهابية من السيطرة على قرية واحدة ، ولم تتمكّن من إنشاء قاعدة أو معسكر ثابتين ، وهو ما يعني أن انتقالهم من مرحلة تحقيق الصدمة والرُعب إلى مرحلة التمكين تبدو صعبة، وهوما يجب استثماره عبر تفعيل الأمن الوقائي والتعجيل في معالجة المشاكل التي تم ذكرها أعلاه قبل استفحال الأمر وتمكّن الإرهاب من تحقيق تقدّم ما في المستقبل.