حركة نسوية أم تجمّع للنساء

بداية ما يُعرف بالقبيسيات تم تأسيسه من قبل منيرة القبيسي في سوريا في سبعينات القرن الماضي نتيجة لرغبة النظام السياسي آنذاك في امتصاص غضب بعض الفئات المُتدينة وذلك عُبر تسهيل بروز تيارات دينية مُعتدلة وبعيدة عن التدخل في الحياة السياسية. لينتشر لاحقاً في دول أخرى ولتنحصر مهمته في تنظيم الدروس الدينية في المنازل.

القبيسيات يعشن حياتهن بأسلوب يرضيهن فهن لم يعزلن أنفسهن عن العالم الخارجي. ولهن رحلاتهن وجلسات السمر الخاصة بهن

سنوات من العمل السرّي مضت قبل الخروج للعلن في مطلع الـ 2006 الذي كان بارقة النور لحركة القبيسيات المعروفة في الشوارع السورية ، وذلك جراء موافقة الحكومة السورية على عملهن في المساجد علناً حيث تحولت الحركة إلى ظاهرة كثُر الحديث عنها في الأونة الأخيرة، وشُنت حملة عنيفة عليهن عبر الشاشة الزرقاء التي أجّجت النقاش والجدل داخلياً وخارجياً وأثارت الانقسام بين مَن يؤيدها ويدافع عنها وبين مُعارض لها ومُسيء في بعض الأحيان. وكأن الظاهرة وليدة اللحظة. ما حذا بوزارة الأوقاف السورية للقول" لا وجود لتنظيم اسمه القبيسيات".

والسؤال: أنّه ورغم نفي الوزارة لوجودهن. هل القبيسيات سابقاً وحالياً تُعتبر حركة نسوية تسعى لتمكين المرأة السورية قانونياً واجتماعياً لنيل حقوقها في ظل مجتمع مدني حقيقي أم أنّها مُجرد حركة رجعية؟

بداية ما يعرف بالقبيسيات تم تأسيسه من قبل منيرة القبيسي في سوريا في سبعينات القرن الماضي نتيجة لرغبة النظام السياسي آنذاك في امتصاص غضب بعض الفئات المُتدينة وذلك عُبر تسهيل بروز تيارات دينية مُعتدلة وبعيدة عن التدخل في الحياة السياسية.  لينتشر لاحقاً في دول أخرى ولتنحصر مهمته في تنظيم الدروس الدينية في المنازل. 

وعند خروج عملهن للعلن ظلت السرية تحوم حول هذه الظاهرة العصيّة على الاختراق (تنظيم مُغلق) تراه الناشطة النسوية سلوى زكزك في تصريح للميادين نت "كتنظيم مُحكم بقيادة مُغلقة وبضوابط صلبة، وهو رديف إسلامي يُفسّر القرآن بطريقة خاصة يُلزم بها محازبيه، مثل لا تنام المرأة جانب الجدار لأنه مذكر.   كما أنّ المخُيف به وفقاً للسيّدة سلوى يتجلّى "بالتراتبية المحكمة الظاهرة الدلالة مثل لون الحجاب واقتصار قياداته على عائلات برجوازية نافذة لهن علاقة بمراكز صنع القرار".

أما من حيث البنية التنظيمية للقبيسيات تقول الناشطة سلوى للميادين نت " بأنّها بنية ديكتاتورية استبدادية صارمة ومقيدة للحريات الأساسية".   تتدخل في الحياة الخاصة للفتيات منهن وللمتزوجات كذلك الأمر. ومن ترفض الالتزام تُنفى أو تُعاقب ، حيث وصفت السيّدة سلوى هذا التحكّم بتفاصيل حياة المريدات ومصائرهن بالأمر المرعب مُشبهة إياه بمحاكم التفتيش لناحية العقاب والردع والحرمان.  

 ومن منطلق تجربتها القصيرة بالتعليم الخاص والمعروف أنّه تحت سطوة القبيسيات أكدت الناشطة النسوية نور جزائرلي للميادين نت "إنهن ليس لديهن الأسلوب الاستفزازي أو رفض الاخر المُختلف". وتضيف " نحن لدينا دائماً التخوف من أن القبيسيات يرفضن غيرهن أو يتعاملن معه بأسلوب جاف وهذا أمر خاطئ وقد يكون ذلك أسلوبهن الذكي لشد الفتيات". 

ورغم أن الدستور السوري في بعض مواده يتعامل بشكل إيجابي مع قضية المرأة وتحرّرها، ما زالت هناك مجموعة قوانين كقانون الأحوال الشخصية وبعض مواد قانون العقوبات وقانون الوصاية، وكذلك الأمر الدائم لوزير الداخلية رقم 876 لعام 1979 الذي يمنع تنقّل وسفر الزوجة من دون موافقة الزوج. ومجموعة القوانين هذه تحظى بدعم القبيسيات كونهن حركة دينية إسلامية من جهة، وكون هذه القوانين مُستمدة من التشريع الإسلامي لجهة ثانية.

وحول مساهمة القبيسيات في تحسين واقع المرأة السورية، أكدت الناشطة المدنية رحاب الابراهيم للميادين نت. " أن القبيسيات ممكن أن تساهم في حال تقديم خدمات سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية، ولكن باعتبارها حركة دينية فهي تعمل على استغلال فكري للمرأة عن طريق العواطف وعن طريق إغراقها في تفاصيل يومية تُبعدها عن الفكر التنموي الاجتماعي وتحوّلها لأداة ترويج لفكر الحركة الديني البحت".

بناء على ذلك وانطلاقاً من الوضع السيّىء للمرأة السورية التي ما زالت تعاني من الاضطهاد سواء العائلي أو المجتمعي وحتى الحكومي. فإن ظاهرة القبيسيات لم تُقدّم أي طرح يُحسّن واقع المرأة ويساعدها على نيل حقوقها. بل على العكس من ذلك تم تكريس الصورة النمطية للمرأة والمحافظة عليها ومنع كسرها.

وفي سياق متصل قالت الناشطة نور للميادين نت بأن " القبيسيات يعشن حياتهن بأسلوب يرضيهن فهن لم يعزلن أنفسهن عن العالم الخارجي. ولهن رحلاتهن وجلسات السمر الخاصة بهن. لا ينبذون الحياة وإنما يعيشونها ضمن إطار الشريعة الإسلامية ، فتجد البعض منهن يزهد تقرّباً من الله ولكن ليس الجميع". مُضيفة أن " القبيسيات لم ولن يقدمن شيئاً للحركة النسوية كون حركتهم ذات طابع ديني وليس حقوقي".

والجدير ذكره أن مُصطلح النسوية لا يطلق على جماعة لمجرد كونها مُكوّنة من النساء فقط. حيث تُعرف النسوية بأنها " حركة ثورية ذات مضمون فكري يسعى لهدم الصورة النمطية عن المرأة ويحمل لواء الدفاع عن حقوقها ومساواتها بالرجل (...)". والحركات النسوية قامت على الوقوف ضد الخطاب الذكوري والمطالبة بتفسير النصوص الدينية والتراثية تفسيراً نسوياً. وهذا ما يتناقض تماماً مع فكر وسلوك القبيسيات التي تُعتبر وفقاً للناشطة رحاب الإبراهيم "حركة نسوية ظاهرياً لكن بالواقع هي حركة مٌنظمة تسعى لتعزيز الذكورية وترسيخ فكرة تسلّط الرجل وتبعية المرأة بنصوص دينية". كما أنّه وفقاَ للناشطة سلوى زكزك "تنظيم يُهلل لسلطة الرجل ويعلن ولاءه وطاعته والعضوات فيه ضد العلمانية والتشاركية وحتى ضد فكرة المجتمع المدني".

من هُنا يمكن اعتبار القبيسيات حركة دينية تهدف لنشر التعليم الديني ومحاولة السيطرة على المجتمع وليس تنظيماً أو تياراً نسوياً. فهن لا علاقة لهن بمفاهيم النسوية لا من قريب ولا من بعيد. وليس لهن هذه القدرة على التأثير في المجتمع السوري المتنوّع المكوّنات كون نشاطهن ينحصر بشكل كبير في دمشق وريفها.

والأمر المستهجن أنّه في سوريا ما قبل الحرب تم إقصاء معظم التيارات المدنية والعلمانية والديمقراطية لصالح التيارات الدينية بكافة أشكالها. فكانت النتيجة هجمة بربرية على المجتمع السوري بكافة مكوّناته. والآن نعود لاتباع نفس الأسلوب والسياسية من خلال التضييق على العمل المدني لصالح العمل الديني وكأنّ سوريا أصبحت دولة إسلامية بامتياز.