عودة اللاجئين.. ابتزاز سياسي

حيث أنّ أزمة اللاجئين هي مُفرز من مُفرزات الصراع السوري الدائر مُنذ سبع سنوات. ووفقاً للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين يقدّر عدد اللاجئين بحوالى خمسة ملايين شخص في دول الجوار السوري. إضافةٍ إلى أعداد اللاجئين في دول أوروبا وخصوصاً ألمانيا التي كانت المركز الرئيس لتمركُز اللاجئين السوريي

شكّلت قمّة هلسنكي مُقدمّة للحديث بقوة عن ملف العودة وما تترتّب عليه من تداعيات إقليمية ودولية وداخلية

لا شك أنّ لدى كل لاجئ الرغبة في العودة لوطنه، بعد سنواتٍ من اللجوء في شتات الأرض نتيجة الحرب السورية وتداعياتها السياسية والعسكرية والاجتماعية. وحتى يعود اللاجئون إلى ديارهم يجب أن تنتفي الأسباب التي أودت بهم إلى اللجوء. لا سيما وأنّ عملية إعادة اللاجئين ليست عملية فيزيائية فحسب تنتهي عبر نقلهم من مكان لجوئهم الى الداخل السوري. 

حيث أنّ أزمة اللاجئين هي مُفرز من مُفرزات الصراع السوري الدائر مُنذ سبع سنوات. ووفقاً للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين يقدّر عدد اللاجئين بحوالى خمسة ملايين شخص في دول الجوار السوري. إضافةٍ إلى أعداد اللاجئين في دول أوروبا وخصوصاً ألمانيا التي كانت المركز الرئيس لتمركُز اللاجئين السوريين. 

تشكّل اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين الضمانة القانونية لهم في دول اللجوء والتي تنصّ في أحد بنودها "على عدم جواز إعادة اللاجئين – حظر الطرد أو الرد – إلى بلد يخشون فيه من التعرّض للاضطهاد".  وهذا ما تعتمد عليه الدول الأوروبية عند طرحها لموضوع اللاجئين وذلك لتمرير مطلبها بأولوية ملف الانتقال السياسي على ملف العودة.

حيث شكّلت قمّة هلسنكي مُقدمّة للحديث بقوة عن ملف العودة وما تترتّب عليه من تداعيات إقليمية ودولية وداخلية. وخصوصاً في ما يتعلّق بموضوع الضمانات للعودة من جهة، ومدى قدرة النظام السوري على استقبال اللاجئين في ظل الحصار المفروض عليه لجهة ثانية.

من هُنا جاءت المبادرة الروسية 15 تموز/يوليو 2018 لعودة اللاجئين مُتضمّنة مجموعتي عمل واحدة في الأردن والثانية في لبنان، بهدف التنسيق لعملية عودة اللاجئين بعد تراجع حدّة المعارك في الميدان السوري. وترافقت هذه المبادرة الروسية مع تشكيل هيئة تنسيق سورية لعودة اللاجئين.

 لكن مازالت مُعظم الدول الأوروبية تتحفّظ على موضوع عودة اللاجئين وتربطه كما ملف إعادة الإعمار بعملية الانتقال السياسي وفقاً للقرار 2254. بمعنى آخر فإن عودة اللاجئين أوروبياً رغم تحمّل أوروبا أعباء اللجوء ما زالت ورقة سياسية تضغط بها أوروبا وتستخدمها سياسياً على الصعيد الدولي، مقابل روسيا التي ترفض ربط ملف اللاجئين بملف الانتقال السياسي وتضغط على أوروبا للمساهمة في إعمار سوريا. وهذا ما تجلّى في تصريح الرئيس الروسي بوتين خلال لقائه مع ميركل في 19 آب/اغسطس 2018 "على أوروبا إعمار سوريا أو مواجهة أزمة اللاجئين".

 وحتى الآن سُجّلت حالات لإعادة اللاجئين من لبنان فقط. في حين لم يعد أحد من الأردن ولا من تركيا التي تلعب بورقة اللاجئين كورقة سياسية تضغط بها باتجاه أوروبا، وكذلك باتجاه النظام السوري من خلال التدخّل في مصير اللاجئين سواء بالبقاء في أراضيها أو عبر فتح حدودها للهجرة باتجاه أوروبا. 

بناءٍ على ذلك نستطيع القول إن هناك بوادر لمناخ دولي مُتحفّظ على عودة اللاجئين باستثناء روسيا، مقابل مناخ داخلي سوري يُقدّم الوعود فقط. فهل تكفي هذه الوعود بعد كل هذا الشرخ المجتمعي وتداعياته؟ بكل تأكيد لا تكفي. وخصوصاً أن تراجع حدّة المعارك لم ينعكس بشكلٍ إيجابي لا على العملية السياسية. ولا على وجود بنية تحتية قادرة على استيعاب الراغبين بالعودة. ناهيك عن البنية المجتمعية المُتشظّية بفعل الحرب. والسؤال الأخطر والأهم هل أن اللاجئين جاهزون للاندماج بالداخل السوري الحالي بعد كل الخسارات والفقدان اللذين تعرضوا لهما.

بالنتيجة عملية إعادة اللاجئين لا بد من أن تكون مخرجاً من مخارج الحل السياسي للخروج من الأزمة، وليس قضية إنسانية بحتة مُنفردة. فالعمل الإنساني لا يمكن أن يكون بديلاً عن العمل السياسي في حل أزمة اللاجئين، وإعادة إنتاج البنى الاجتماعية السورية والتماسك المجتمعي وفق أسُس حديثة بعيدة كل البُعد عن البنى التقليدية التي ساهمت إلى حد ما في تأجيج المطالب وتحويلها لأزمة.