نتنياهو بين مطرقة الانتخابات المُبكرة و سندان الداخل والخارج

إن المُتابع للشأن الإسرائيلي، يُدرك بأن هناك الكثير من التغيّرات الدراماتيكية تشهدها الحياة السياسية في "إسرائيل"، هذه التغيّرات ما هي إلا انعكاس للعديد من القضايا، سواء تلك المتعلّقة بالداخل الإسرائيلي وتوابعه لجهة قضايا الفساد وحرب غزّة الأخيرة، أو المتعلّقة بالخارج الإقليمي  وتداعياته على النهج السياسي لقادة "إسرائيل".

قرار حل الكنيست جاء في وقت بات الائتلاف الحكومي لم يعد يمتلك سوى أغلبية بفارق صوت واحد

ولا شك بأن إعلان حزب الليكود الإسرائيلي بتاريخ 25-12-2018 موافقة قادة الائتلاف الحكومي على حلّ الكنيست، وإجراء انتخابات مُبكرة في شهر نيسان القادم، حيث أنه ثمة الكثير من الخلافات التي ظهرت إلى العلن مع الأحزاب الدينية، لا سيما تلك الخلافات المتعلّقة بقانون التجنيد، والمُلفت أن قرار حل الكنيست جاء في وقت بات الائتلاف الحكومي لم يعد يمتلك سوى أغلبية بفارق صوت واحد، بعد استقالة وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، إبان معركة غزّة الأخيرة، وبهذا يحاول نتنياهو إجراء هذه الانتخابات في محاولة منه للهروب إلى الأمام، جراء قضايا داخلية أبرزها ملفات الفساد، وخارجية أبرزها تداعيات الانتصار السوري وتعاظم القلق من تنامي قوّة حزب الله.

قرار نتنياهو بإجراء انتخابات مُبكرة وقبل موعدها بخمسة أشهر، جاء ضمن سياسية فرض الوقائع والالتفاف على المستجدّات الطارئة، إصرار نتنياهو ينطلق من مراهناته على أمور عدّة، حيث أن تفكّك " المعسكر الصهيوني " أو ما يسمّى بقوى اليسار الصهيوني، يدفع نتنياهو مع حلفائه للسيطرة على الحكومة الإسرائيلية المقبلة، وتمرير مشاريع من دون أن يكون هناك أيّة اعتراضات يسارية، نتنياهو الذي يريد استكمال المشاريع الاستيطانية، فضلاً عن فرض جُملة من القوانين مثل قانون طرد وترحيل عائلات الشهداء والأسرى إلى خارج أماكن سكنهم في الضفة الغربية، وقانون تنفيذ حكم الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين الذين يسقط في عملياتهم قتلى من جنود ومستوطني الاحتلال.

الجانب المتعلّق بصفقة القرن، وإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، فضلاً عن تطبيق قانون يهودية الدولة، كل هذه المُعطيات يحاول من خلالها نتنياهو الاستثمار السياسي، والدخول في مناقصات سياسية تعتمد على تحصيل المكاسب، فضلاً عن استعادة شعبيته، والتي يعتقد بأنها ستكون كدرع حماية له من قضايا الفساد التي تلاحقه وزوجته، وما عملية درع الشمال إلا استكمال لسياسية نتنياهو الرامية لإبعاد شبح السجن عنه، في وقت وصفت الصحافة العبرية هذه العملية بالمسرحية، وعلى الرغم من حشد وسائل الإعلام  استنفار الجيش وإغلاق الحدود، إلا أن النتائج لم تكن على مستوى توقّعات رئيس الوزراء، ورغم ذلك فقد جاءت استطلاعات الرأي لصالح نتنياهو، حيث كانت التوقّعات بفوز كاسِح لنتنياهو رغم ملفات الفساد التي تحوم حوله، وأظهر الاستطلاع الذي نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية احتمال فوز حزب الليكود، الذي ينتمي إليه نتنياهو بثلاثين مقعداً من مقاعد الكنيست البالغ عددها 120 مقعداً، وهو العدد نفسه الذي فاز به الحزب في الانتخابات السابقة في عام 2015، وأغلبية حاكمة لائتلاف يميني يقوده حزب الليكود.

من المفيد أن نذكر بأنه هناك الكثير من المطبّات التي واجهت نتنياهو على الصعيد الإقليمي والدولي، فالحرب على سوريا كانت مخالِفة لتوقّعات الساسة الإسرائيليين، فضلاً عن جملة النتائج التي خرجت بها سوريا  كنتائج منطقية لحرب صمدت بها ثماني سنوات، حيث أن تزويد سوريا بصواريخ S-300  أفقد الطيران الإسرائيلي جُل ميزاته، يضاف إلى ذلك فشل نتنياهو باستجداء الروس لجهة إخراج القوات الإيرانية من سوريا،  وطلب ضمانات وتعهّدات دولية تتعلّق بمنع تواجد حزب الله قرب الحدود مع سوريا، ما يُفسّر لجوء نتنياهو إلى مسرحيات على شاكلة درع الشمال، والآن ما يؤرق نتنياهو أكثر وأكثر، قرار ترامب الانسحاب من سوريا،  وبهذا يكون المشهد الخارجي غير متوافق مع تطلّعات نتنياهو، مع استحالة استثمار هذه المعطيات داخلياً.

ختاماً، يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وعلى الرغم من توقّع العديد من المتابعين، بحسم نتائج الانتخابات المقبلة، وإمكانية حصوله على أكثرية سيُشكّل بموجبها حكومته الخامسة، إلا أن وبحسب المراقبين، فإن نتنياهو لن يتمكّن من الإفلات والخروج من قضايا الفساد، والتوجّه للانتخابات المبكرة وإعادة خلط الأوراق السياسية، سيؤدّي فقط إلى تأجيل قرار النائب العام إلى ما بعد الانتخابات.