ترامب والجولان

لكننا لن نموت، سنبقى نقاوِم المخرز بالعين ولتخسأ أية قوّة في العالم تقرّر أن تُضني جهودنا وتلوي ساقنا وسياقنا ، فنحن مقتنعون أن الدمار والدم ليس قدراً حتمياً ولا منطقاً خيارياً بل يجب أن ننفض الغبار عن كل الأراضي المحتلة في شرقنا العزيز، وأن نعيد إلى واقعنا بريقه. فالحجر يا سيزيف ما أثقله! كما تقول الأسطورة الإغريقية، لكن يجب أن يعلم الحجر ذاته، أن أطفالنا الأحبّة في فلسطين قد رفعوه ورموا به بكل اتجاه مما فاجأ العالم بذهول في انتفاضة الحجارة تلك.

كثيرة هي المواضيع والمفاهيم التي أعادنا بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى حُقَبٍ مختلفة من التاريخ البشري التي كنا نعتقد أنها باتت صفحة انطوت إلى غير رجعة ، وإذا به يقذفنا بها لتعود من جديد إلى الساحة الدولية والاقليمية والوطنية. إذ يبدو أنه يطالع التاريخ جيّداً، لكن يُجيد العودة إليه أكثر.
فاعتراف الرئيس الأميركي أمام رئيس وزراء دولة الكيان الصهيوني الغاصِب، لهو ربما سابقة تاريخية في القانون الدولي العام في العصر الحديث هذا. فبعد أن اعترف الرجل بالقدس كعاصمةٍ لإسرائيل نهاية سنة 2017. رسمَ خطاً جديداً هو تدخّله المباشر كرئيسٍ أميركي للاعتراف بالسيادة الرسمية لدولة الكيان على مرتفعات الجولان، إذ لم تعد أرضاً محتلة. فيُعيدنا بذلك إلى أدبيات مُناهضة الوعد المشؤوم لوزير الخارجية البريطاني بلفور، حيث أعطى مَن لا يملك الأرض، لمَن لا يملك الحق. حين أعلن في 2 تشرين الثاني 1917، إن المملكة البريطانية تنظر بعين الرأفة لمصالح الشعب اليهودي وتودّ أن يكون لهم موطأ قدم في هذه الدولة. وبعد 31 سنة اُعلِن الاحتلال بالانتقال من الانتداب الإنكليزي، إلى حكم الاحتلال الصهيوني وذلك ليل 14 – 15 أيار 1948، فارتمى الزيت على الأرض وها هو يتلاشى الحق أمام أعيننا مرحلة فأخرى، وتستطير حقوق إسرائيل بشكل متسارع.
فقضية الجولان هذه، ستخلق سابقة بالنسبة للقانون الدولي، حيث يُصدِر رئيس أميركي الحق لدولة معينة لتتملّك أراضي دولة أخرى.
حيث يلغي هذا التحرُّك حق السعي لإعادة الجولان، فكأنه في حزيران 1967 بدأت القضية وصدر قرار الضمّ سنة 1981 بقرار لم ينل الاعتراف الدولي، وفي هذا الأسبوع انتهت القضية فلتعد البندقية إلى غمدها الأبدي، وترجع الأوراق والملفات إلى مصنّفاتها وليصمت الجميع فالجولان هي رقعة خارج سوريا وداخل الكيان الصهيوني. بطريقةٍ أخرى فإن هذا القرار بالنسبة لمَن أصدره بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة في عمق أية حركة مقاومة في هذا الاتجاه، كما أنه يسعى لإجهاض أية مبادرة سياسية للسعي لإعادة الجولان إلى حضن الوطن.
لكن لهم مُصطلحاتهم، ومُخطّطاتهم، وخططهم التي يبغون من خلالها تحقيق المآرب الرئيسية التي يطالوها ويطلبونها. في الوقت نفسه فإن لمَن بقي منا، ليس الأمر بهذه السهولة فنحن نعتنق معتقدين مع الرئيس جمال عبد الناصر: (إن الحق يؤخَذ ولا يُعطى)، فما يؤخَذ بالقوّة فبالقوّة يجب أن يُرَد. فالجولان ليست قضية عقارية، بل مسألة وجود أو انعدامه. هي رمز لكفاحٍ من أجل عودة الأرض، إلى أهلها وجعلها في يد أصحابها.
فرغم أن المسعى العربي يُصنَّف بالخجول، في سبيل إعادة الأراضي في غير طريق طاولة المفاوضات إن استثنينا الملف اللبناني في الجنوب بفضل حركة المقاومة المُعانِدة المُنتصِرة أبداً على الاحتلال الإسرائيلي. حيث تدعم حكومات كثيرة، المقاومة وتجعل منها منهجاً مثالياً ضرورياً.
فصَدَق مَن قال إنه لو رمى كل مسلم دلو ماء على إسرائيل لغرِقت وزالت، لكن العرب يتخاذلون بشكلٍ ممنهجٍ دقيقٍ واضح. لذا علينا أن ننتظر من أنفسنا أن نقوم ونقاوِم، فعصر العولمة هذا، يُحطّم مفهوم الدولة ككيانٍ قائمٍ بذاته لتحلّ مكانه سياقية مختلفة تماماً.
لكننا لن نموت، سنبقى نقاوِم المخرز بالعين ولتخسأ أية قوّة في العالم تقرّر أن تُضني جهودنا وتلوي ساقنا وسياقنا ، فنحن مقتنعون أن الدمار والدم ليس قدراً حتمياً ولا منطقاً خيارياً بل يجب أن ننفض الغبار عن كل الأراضي المحتلة في شرقنا العزيز، وأن نعيد إلى واقعنا بريقه. فالحجر يا سيزيف ما أثقله! كما تقول الأسطورة الإغريقية، لكن يجب أن يعلم الحجر ذاته، أن أطفالنا الأحبّة في فلسطين قد رفعوه ورموا به بكل اتجاه مما فاجأ العالم بذهول في انتفاضة الحجارة تلك.
لكن يُفترَض أن نعلم مُدركين أن التاريخ يعود ليطلَّ أمامنا ويجب ألا نسمح لشجوننا أن تلهونا بالكلية عن شؤوننا لأن ذلك سيُخرِجنا من سياق التاريخ ويُدخِلنا في منطقٍ آخر يجب ألا يُشابهنا.
أصدر وزير الخارجية البريطاني، قراراً هو مجرّد إعلان (declaratiom) لكن تتالي الأحداث جعل هذا الإعلان وعداً نظراً لأهميته، واليوم بعد مئة عام وأكثر من 16 شهراً يجب أن نتعلّم من التاريخ ونعلِّم الحاضر لننعم بالمستقبل. القارعة تتكرر وتفترض المروءة ألا نعيد القارعة بإضاعة الفرصة لنحدّد ونجدّد وجودنا الفعلي. حيث صَدَقَ الرئيس حافظ الأسد: (المنصب ليس سلطة بل مسؤولية) والمواطِنة منصب يجب أن نفعِّلها من خلال مسؤولية العمل لعودة الحدود إلى أرضنا، والأرض إلى حدودنا. فاللحظة تُتَصيَد وتُقتنَص واليوم تأتي على طبقٍ من ألماسٍ كي نعود يوماً إلى حيّنا، هكذا خبّرنا ترامب على طريقته. فاليوم نحن بلحظةٍ تاريخيةٍ مصيريةٍ دقيقة، فقرار خاطىء بلحظة صحيحة، خيرٌ من قرار صحيح بحيثية خاطئة. اليوم أصبحنا في لحظةٍ تاريخيةٍ دقيقةٍ واضحةٍ ذهبية، فقد صَدَقَ بابا الأقباط السابق كيرلس السادس حين قال: (إن الرب قد يسخِّر حتى أعداءنا لخدمتنا)، فيجب أن نراكم هذه التحديات والمفصليات التي ندور في فلكها كي نتمكّن من أن نطال أهدافنا بإعادة الجولان. فنسبح في طبريا ونتناول السمك المشوي على ضفافها؛ فالطريق طويل ولكن إن سبقنا أنفسنا ومَن سبقنا، بخطوةٍ سنسير قبله على طول الطريق.
الأمر ليس مستحيلاً لكنه بحاجة للأمل والعمل معاً. فترامب ونتينياهو قاما بما ينويان، واليوم بات الدور لنا وعلينا ربما، كي نقوم بأن نقاوم مَن يودّ كسرنا.
إن النقطة الأهم في هذا المجال ألا نيأس، فهذا الشعور الإنساني هو المُحفّز الأكبر على الركون جانباً إلى قارعة الطريق نستعطي الأمل من دون أن نعمل وهذا الاستعطاء هو ورقة نعي تتسلقنا وتجلسنا جانباً فيجب أن نلفظها.
في النهاية يُخشى أن يكون هذا الاعتراف، بمثابة ورقة التوت التي تُعرِّي هيكلانية المخطّطات المرسومة من سنة 2011 كمسعى للوي ذراع سوريا، حيث أنه قد يكون هذا العمل هو تتويج لنيّة دولة الكيان كي تقطف هذه الثمرة التي تعني لها كثيراً. فلا يمكن فصل هذا الاعتراف عن سياق إجرائي قديم مُعقَّد لإضعاف الطرف السوري خلال الحرب ذات الثماني سنوات. لذا لا يمكن عَزْل هذا الاعتراف عن إطاره التاريخي ومنطوقه المحسوس الفعلي الواضح.