مشكلة الشخصيات التاريخية

ووفقاً لإبن كثير فى كتابه البداية والنهاية كانوا ما يقرب من 50 ألف شخص أبادهم صلاح الدين بالسيف عدا أفراد أسرهم الذين أحرقهم، وقال إبن الأثير المؤرّخ الشهير في كتابه الكامل وأبوشامة المقدسى في كتابه الروضتين: كانوا أكثر من 50 ألف شخص، حاصرهم صلاح الدين وقتلهم.

في كتابه الرائع وعّاظ السلاطين الذي صدرت الطبعة الأولى منه في العام ويدور الكتاب حول إطار البحث الاجتماعي وفَهْم الطبيعة البشرية المترفة وتحليل لبعض الأمور ذات الطابع الاجتماعي، والتعرّض أيضاً لبعض أحداث التاريخ الإسلامي، يشير الكاتب الرائع وعالِم الاجتماع الدكتور علي الوردي إلى بعض الأخطاء عند مؤرّخي التاريخ خصوصاً الإسلامي ومن ثم انتقلت إلى العامة ومن بينها تقسيم البشر والشخصيات التاريخية إلى نوعين الأول منها خير مطلق "أحاطوا أخبارهم بهالة من القدسية لاينفذ إليها العيب، فكل خبر يشين من منزلتهم العالية أوّلوه وعلّلوه حتى صار فضيلة لأمراء فيها".

والنوع الثاني شرّ مُطلق كتلة متماسكة من الشر الذي لا ينفذ إليه الخير أبداً، فهم وفقاً للوردي يسلكون مسلك الوعّاظ في تصنيفهم الثاني لرجال التاريخ، فهم يدرسون رجال التاريخ على اعتبار أن قسماً منهم محقّ والقسم الآخر مبطل، وتراهم لذلك يختصرون جميع خصال الخير للقسم الأول وجميع خصال الشر للقسم الثاني ..وبهذا يصبح عقل المؤرّخ ومن ثم العامة كالغربال لا يأخذ من الأخبار إلا ما يلائم مقياسه في الخير والشر.

هذه نظرة عن كيف ينظر العامة من غير المختصّين للشخصيات التاريخية، فمن تلك الشخصيات مَن هم فوق النقد ومَن هم قابلين للتجريح حتى، ويبدو هذا واضحاً في حالة الجدل الذي تزامن مع الذكرى الـ 21 لرحيل الداعية المصري الشهير الشيخ محمّد متولي الشعراوي، والذي أثار جدلاً لم ينقطع حتى عقب وفاته، فبينما كانت فتاوى وآراء الشعراوي قابلة للنقد والمناقشة على الأقل عند النخبة الثقافية كان العامة من المصريين يعتبرون تلك الفتاوى والآراء "غير قابلة للمناقشة حتى وليس للنقد".

وهكذا العامة التي تأثرت بشخصية صلاح الدين الأيوبى "مُحرّر القدس وعبد الله وخادم العرب" والتي ساهمت السينما في صناعتها لدى المصريين لايمكن أن تقبل القول إن صلاح الدين لم يكن هو فعلياً مَن هزم الصليبيين وانتزع منهم القدس وطردهم من بلاد الإسلام، وأنه تنكّر للخليفة الفاطمي «العاضد» الذي عيّنه في منصب الوزارة واستنزف ما في يد الخليفة حتى مات الأخير مقهوراً ولم يتجاوز الثلاثين، ويقال إنه انتحر بمصّ سُـمّ كان في فصّ خاتم لديه، ولم يكتف بهذا ولكن مارس أشد أنواع قمع الفاطميين بعد موت الخليفة الأخير، وكان "عددهم 18 ألف شخص، 10 آلاف أمير وأميرة والبقية حاشية وخدم ومولدون من إماء وعبيد"، فعزل الذكور في مكان والإناث في مكان...وليس هذا فقط فقتل ما يقرب من 50 ألف شخص في القاهرة وحدها.

فبعد اغتيال مؤتمن الخلافة وهو خادم أسود خَصيّ يُعرَف بجوهر وبالطواشي وكان أكبر الموظفين في قصر حاكم الفاطميين، العاضد، وأحد أكثر المُقرّبين منه، والمؤثّرين عليه. ثار بقية خدم القصر الفاطمي والحرس لكن صلاح الدين حاصرهم وأحرق بيوتهم بمَن فيها من نساء وأطفال فانكسرت عزيمتهم فانتصر عليهم وذبحهم.

ووفقاً لإبن كثير فى كتابه البداية والنهاية كانوا ما يقرب من 50 ألف شخص أبادهم صلاح الدين بالسيف عدا أفراد أسرهم الذين أحرقهم، وقال إبن الأثير المؤرّخ الشهير في كتابه الكامل وأبوشامة المقدسى في كتابه الروضتين: كانوا أكثر من 50 ألف شخص، حاصرهم صلاح الدين وقتلهم.

وقال يوسف بن تغري بردى في كتابه النجوم الزاهرة في أخبار ملوك مصر والقاهرة: كانوا 100 ألف شخص قتل منهم 80 ألفاً وقال شمس الدين الذهبي في كتابه سيَر أعلام النبلاء: كانوا مائتي ألف شخص قتل صلاح الدين معظمهم.

ومختصر الواقعة كما ذكرها النويري: ولما قتل مؤتمن الخلافة ثار السودان لذلك وأخذتهم الحمية، وعظم عليهم قتله، لأنه كان رأسهم ورئيسهم، فحشدوا واجتمعوا، فزادت عدّتهم على 50 ألف عبد، وكانوا أشدّ على الوزراء من العسكر. فندب الملك الناصر العسكر لقتالهم، وقدّم على العسكر أبا الهيجاء السمين، فالتقوا بين القصرين واقتتلوا، فقتل من الفريقين جمع كثير، فلما رأى الملك الناصر قوّتهم وشدّة بأسهم أرسل إلى محلتهم المعروفة بالمنصورة، خارج باب زويلة، فأحرقها، فاتصل ذلك بهم، فضعفت نفوسهم، فانهزموا إلى محلتهم فوجدوا النيران تضرم فيها. واتبعهم العسكر فمنعهم من إطفائها. ودام القتال بينهم أربعة أيام، نهاراً وليلاً، إلى يوم السبت الثامن والعشرين من ذي القعدة، فخرجوا بأجمعهم إلى الجيزة وقد أيقنوا بالهلاك، وخرج إليهم تورانشاه أخو الملك الناصر فقتلهم، ولم ينج منهم إلا اليسير. وكتب الملك الناصر إلى ولاة البلاد بقتل مَن يجدونه منهم، فقتلوا من عند آخرهم.