الشارع الإسرائيلي وخطابات السيّد نصرالله.. الردع الناعِم

تحاول إسرائيل في إطار جهودها لطمْأنة الشارع الإسرائيلي، خلق مُعادلات ردع جديدة.

تختزن ذاكِرة الإسرائيليين الكثير من كلمات السيّد حسن نصرالله، فالحرب النفسية التي يشنّها الأمين العام لحزب الله في خطاباته ضد الكيان الإسرائيلي، والمُتوافِقة بالتأكيد مع الإمكانيات العسكرية للحزب، يحاول في مقابله الإعلام الإسرائيلي، أن يُخفي المشهد الحقيقي للحرب النفسية التي لها تأثيرات على الشارع الإسرائيلي ومعنويات الإسرائيليين.

هذا ما تُدركه حكومة بنيامين نتنياهو، التي تحاول تأطير خطابات السيّد نصرالله بقوالب بعيدة عن المنطق الواقعي لمُفرداته وتأثيراتها، خاصة أن تجربة الحرب النفسية التي شنّتها المقاومة اللبنانية في عام 2006، لا تزال حاضِرة في الوعي الإسرائيلي، وتُعدّ تجربة هامة عجز العمل العسكري عن تبديد نتائجها، فمن خلال استخدام تكتيكات حرب العصابات وحرب المعلومات والحرب النفسية، خرجت المقاومة اللبنانية من حرب 2006 مُعلنةً النصر، بينما اعترفت إسرائيل بإخفاقاتٍ استراتيجيةٍ وعسكريةٍ وسياسيةٍ في إدارتها لها، ما مهَّد لمُعادلةٍ جديدةٍ في حروب العصابات في المنطقة وفي الصراع مع حزب الله.

تحاول إسرائيل في إطار جهودها لطمْأنة الشارع الإسرائيلي، خلق مُعادلات ردع جديدة، تعود بالتأثير الإيجابي على الإسرائيليين، حيث أن خطابات السيّد نصرالله دائماً ما تمسّ وعي الجبهة الداخلية، وهذا ما يُدلِّل على قُدرته بالتأثير على الجانب النفسي للإسرائيليين وقيادتهم السياسية والعسكرية، وهذا ما يُطلَق عليه في المعجم الإعلامي الأكاديمي "البروباغندا السوداء". وبالتالي فإن شبكة المصداقية التي تمكَّن حزب الله من نَسْجِ خيوطها بين الواقع والفعل، قد أسَّست لأفعالٍ كثيرةٍ تصبّ مباشرة في وعي الجماهير الإسرائيلية.

 من هنا فإن ما تحاول إسرائيل وعبر مناخات الهدوء السياسي والعسكري ببلورته، يغدو كاذِباً عند أية جولة عسكرية محدودة، فالحفاظ على مستوى المصداقية العسكرية للقيادة الإسرائيلية، بات غير واضِح المعالم، خاصة وأن الاستهداف الأخير للضاحية الجنوبية في لبنان، وفشل المهمة الاستخباراتية الإسرائيلية، قد ولَّد تشوّهاً لدى وعي الإسرائيليين، وباتوا يُدرِكون بأن قيادتهم غير قادِرة على فرض أي نوع من الردع، ليكون الجهد الإسرائيلي لجهة طمْأنة الشارع فارِغاً من مضمونه الإيجابي، وهذا ما يعود سلباً في سياق أية مواجهة عسكرية، لما له من تأثيرات على البنية العسكرية للجيش الإسرائيلي.

فالتنسيق بين الأذرع العسكرية والسياسية والأمنية في إسرائيل، لم يستطع استثمار أية مواجهة مع حزب الله، سواء لجهة حربٍ عسكريةٍ مباشرةٍ كما في عام 2006، أو لجهة الحدَث الأخير المُتعلِّق باستهداف الضاحية الجنوبية، وفي ظلّ هذا الفشل الإسرائيلي، بات كلام السيّد نصرالله واقعاً يُبنى عليه في الداخل الإسرائيلي.

في ذات الإطار، لا يزال الإسرائيليون يتداولون "حكاية الشاكوش"، التي طرحها السيّد نصرالله في مُقابلته مع قناة الميادين، وقد نالت أرقاماً قياسية لجهة التغريد والتفاعُل على منصّات التواصُل الاجتماعي، حتى أن حكاية "الشاكوش" قد دخلت في ترسانة الحرب النفسية التي يقودها حزب الله.

هذا ما ترجمه الشباب اللبناني عبر حملهم لـ "شواكيش" والتوجّه بها نحو المناطق الحدودية، وتحديداً إلى الجدار الإسمنتي الذي يبنيه الصهاينة على الحدود مع لبنان. وبالتالي فإنه من الواضح من خلال هذه المُعطيات، أن حزب الله وحربه النفسية يستهدف مباشرة الجمهور الإسرائيلي، فالهدف الرئيس لذلك هو توليد ضغط شعبي على القيادات الإسرائيلية، ولَجْمها من الدخول في أية حرب مع الحزب، وإجبارها على إعادة النظر في الأخطار المُحدِقة بالمُستوطنات الحدودية، وكذلك في الداخل، وتبيان أن هَدْر الإمكانيات العسكرية والمادية لن يُحقِّق الغاية المطلوبة.

الحرب النفسية التي يقودها حزب الله ترتكز على رسائل ضمنية، بُغية خلق وتعزيز مشاعِر الخوف لدى الإسرائيليين، إضافة إلى زرع الشك في نفوسهم لجهة عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على تحقيق أية قوّة ردع، وبالتالي فقد نجح حزب الله في تحقيق هذه الغاية لا سيما بعد نجاحه في الردّ على محاولة إسرائيل تغيير قواعد الاشتباك من خلال عملية نوعية في عُمق الأراضي المحتلة.

في إطار توظيف الحرب النفسية تمكَّنت المقاومة بشكلٍ مدروسٍ من استغلال التناقُضات داخل المجتمع الإسرائيلي، ونقاط ضعفه، فضلاً عن الفجوة بين الشارع الإسرائيلي وصنَّاع القرار السياسي والعسكري في الكيان المُحتل.