لماذا لم يشتعل "الربيع" في قطر والسعودية؟!

السؤال الذي ظل حاضراً طيلة السنوات الست السابقة، ولايزال يتجدّد اليوم في ذكرى هذا (الربيع العربي)، هو .. لماذا ؟ لماذا لم تمر رياحه على تلك الممالك؟ لماذا لم نشاهد في قطر والسعودية بالتحديد، (ميداناً للتحرير) شبيهاً بذلك الميدان الشهير في مصر الذي منه انطلقت ثورة 25 يناير 2011 ضد نظام حسني مبارك؟ هل تلك الممالك – مثلاً - كانت واحة للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان لكي يفشل فيها (الربيع العربي)، وتهزم راياته وثوراته!!.

لماذا لم يشتعل الربيع العربي في السعودي وقطر
يحدّثنا التاريخ أن الشهور الثلاثة الأولى من العام 2011، شهدت هبوب رياح سياسية عاصفة، في أربع دول عربية، أسماها البعض لاحقاً بثورات الربيع العربي، تلك الدول كانت بالترتيب الزمني (تونس – مصر – ليبيا – سوريا)، وتوقّف التاريخ، مندهشاً ومتسائلاً، أمام قفزات الربيع وتجاوزاته عن الحضور المستحق في دول الممالك والمشيخيات الخليجية، التي هي بمعايير الثورات الحقيقية، الأولى، والأوجب لأن يحدث بها ثورات وربيع، إلا أن ذلك لم يحدث بل أن تلك (الممالك) ذهبت بعيداً في خلق الدهشة، والتساؤل عندما قامت بدعم ثورات الربيع التي وقعت في البلاد الأربعة السابقة بالسلاح والمال، والمخابرات.

إن السؤال الذي ظل حاضراً طيلة السنوات الست السابقة، ولايزال يتجدّد اليوم في ذكرى هذا (الربيع العربي)، هو .. لماذا ؟ لماذا لم تمر رياحه على تلك الممالك؟ لماذا لم نشاهد في قطر والسعودية بالتحديد، (ميداناً للتحرير) شبيهاً بذلك الميدان الشهير في مصر الذي منه انطلقت ثورة 25 يناير 2011 ضد نظام حسني مبارك ؟ هل تلك الممالك – مثلاً - كانت واحة للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان لكي يفشل فيها (الربيع العربي)، وتهزم راياته وثوراته!!.

الأسئلة في الواقع عديدة، ورغم مرور ست سنوات إلا أنها لاتزال (طازجة) في طرحها، وتحتاج إلى إجابة موضوعية، خاصة أن بعض تلك الممالك الوراثية والاستبدادية (وتحديداً قطر والسعودية) لاتزال تتبجّح بأنها تحمي وتدعم الثورات في تلك البلاد، ورغم أنها دول – بالأساس – فاقدة لأبسط قِيَم الثورة والحرية والعدالة !! فلماذا لم يشتعل فيها الربيع العربي وهي الأولى به؟

حول هذا السؤال دعونا نسجّل الإجابات التالية:

 

أولاً: تؤكّد التقارير الدولية خاصة تلك المتعلّقة بحقوق الإنسان وكرامته أن أغلب دول الخليج خاصة (قطر والسعودية) تتميّز بالانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان، وفي دولة مثل السعودية يوجد أكثر من ثلاثة ملايين مواطن ينتمون إلى المذهب الشيعي، يعانون من التمييز، ومن الاضطهاد اليومي برعاية حكومية واضحة الدلالة، وفي هذه الدولة أيضاً لا كرامة أو حقوق إنسان للمرأة، والتي تُحرم من أبسطها، ولنـتخيّل أن دولة في الربع الأول من الألفية الثانية، تُحرّم على المرأة قيادة السيارة أو التحرّك من دون (محرم)، وتعاملها كأنها (سلعة) لا تصلح إلا لمكانين محدّدين كما تقول فتاوى الوهّابية الحاكمة لتلك الدولة، (المطبخ – والفراش)، هكذا هي النظرة الدونية للمرأة، فضلاً عن نظام الكفيل الذي يعامل العامل الأجنبي أو العربي معاملة العبيد تماماً، وهي دولة لا توجد فيها نقابات مهنية أو صحافة حرّة أو إعلام مستقل، وهي دولة تابعة في نفطها واقتصادها وسياساتها لأمريكا، والثروات والسلطات في السعودية – كما يؤكّد الواقع المُعاش منذ 80 عاماً - في يد أسرة حاكمة تكتم على أنفاس الشعب منذ (1932)، وثمة عشرات الملفات، والقضايا، والحقائق الأخرى – التي ليس هنا مقام ذكرها تفصيلاً - التي تقول أننا إزاء دولة من العصور الوسطى، حكماً واجتماعاً، وسياسات، دولة مثل هذه كيف تكون داعمة لثورات في دول أكثر تقدّماً منها في مجال الحريات، وأكثر حرية منها في مجال حقوق الإنسان، هكذا تساءل المراقبون ولايزالون يتساءلون خاصة إذا ما امتدت ذات الخصائص الاستبدادية على دويلة قطر، والتي سبق وأسميناها في مقال سابق بـ(الشركة) أكثر منها بـ(الدولة) فهي شركة لمن يوظّفها في إطار مشروع إقليمي أو دولي، بعيداً عن قِيَم وركائز الدولة الحقيقية التي فيها احترام لحقوق الإنسان وفيها قِيَم ديمقراطية مستقرّة.

 

ثانياً: في ظني – وليس كل الظن إثم – أن السعودية وقطر (وبعض دول الخليج الأخرى)، والتي يتنافى واقعها السياسي المُتّسم بالاستبداد ومصادرة الحريات، وغياب العدل، هاتان الدولتان كانتا ترعى هذا الربيع العربي، من منطلق درء الخطر عن نفسها، حتى لا يمتد إليها من خلال استخدامها للجماعات المسلّحة الليبرالية والإسلامية أي من خلال (رشوة المستقبل) إن جاز الوصف هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كانت بدعمها لهكذا ثورات، تخدم واشنطن وتل أبيب وتنسّق معهما لتفتيت تلك الدول المركزية (بالتحديد مصر – سوريا) واستنزاف حيويتها وعناصر قوتها خدمة – أو خوفاً – من المشروع الأمريكى - الإسرائيلى.

إن دعم تلك المشيخيات لثورات مزعومة كانت هي الأولى بها؛ ووفقاً لما نشر حديثاً من مذكّرات ووثائق لسياسيين غربيين (هيلاري كلينتون نموذجاً)، كان يتم خطوة بخطوة مع أجهزة المخابرات الغربية، ولم يكن منطلقاً من قناعة ذاتية بقِيَم الثورة التي تفتقرها أساساً تلك الدول.

 

ثالثاً: أما لماذا لم يذهب الربيع العربي إلى قطر والسعودية – تحديداً – فإن الإجابات تطول وتتفرّع ولكن أقربها إلى العقل والمنطق، يقول أن السبب يعود إلى منطق الاستبداد والقهر والقبضة البوليسية شديدة القوة من قِبَل الأمراء والملوك على شعوب تلك الدول، وهي قبضة قامعة لأي تحرّك شعبي يطالب بالكرامة والحرية، والديمقراطية كما تفهم مصر، أو سوريا مثلاً، البلدان اللذان ابتليا بتآمر قطر والسعودية عليهما باسم دعم ثورات الربيع !! ونضيف أيضاً إلى أسباب تعثّر الربيع العربي في العبور إلى تلك المشيخيات ابنة العصور الوسطى، هو قيام حكامها بالرشوة الاقتصادية، للشعوب أثناء العام الأول (2011) الذي اندلعت فيه تلك الثورات، ولعلنا نتذكّر ذلك السخاء المالي الذي قدّمه الملك الراحل عبدالله للسعوديين، حتى لا يفكّروا في الثورة لأسباب اقتصادية (!!) وكذلك ما جرى في قطر والإمارات والبحرين وغيرها، إذن لاستخدام حكّام تلك المشيخيات سلاحي (القمع) و(الرشوة) لإسكات الأصوات المطالبة بأن تدخل دولهم في زمرة الربيع العربي، دور محوري في فشل ثورات الربيع بهما، ونحسب أنهم نجحوا في ذلك، خاصة وأن تلك الشعوب محرومة من مؤسسات شعبية قادرة على إفراز القيادات المدنية المؤثّرة التي بإمكانها أن تقود وتقدّم البديل الديمقراطي لحكم الملوك المستبد، الذي طال بقاؤه فوق صدر الشعوب !!.

 

ولكن .. هل بإمكان القمع وشراء الذمم ودعم الإرهاب الإقليمي والدولي، والعمالة لدى مؤسسات وأجهزة مخابرات الغرب، والتنسيق مع الكيان الصهيوني، أن يحول دون الثورات الحقيقية في تلك البلاد ؟.

نحسب أن سنن التاريخ، وحقائقه تقول أن ذلك المنهج الذي مارسته مشيخيات الخليج (وبخاصة قطر والسعودية) لقمع الثورة الحقيقية في بلادهم طيلة 80 عاماً وليس 6 سنوات، قد يؤجّل (الثورة) أو يحرفِها، أو يعطّلها مؤقتاً لكنه لن يمنعها، إذ أن مبرّرات قيامها حاضرة ومُتّقدة، وإن كانت نارها تحت الرماد، رماد الاستبداد والتبعية الذي من المؤكد أنه سرعان ما سيزول ويندثر!! والله أعلم.