عنف الملاعب والهويات المتصارعة

عندما تداول الفرنسيون ومعهم عشرات الآف من مشجعي فرق كرة القدم الأوروبية بإحتمالات تنفيذ عمليات إرهابية من قبل داعش خلال مباريات بطولة أوروبا، لم يكن في بالهم أن تهديداً جديداً سيضرب شوارعهم وتسيل معه الدماء والعنف. التعصب والكراهية لهذا الفريق أو ذاك تحول إلى غضب ثم قتلا شوارع. إستعاد مشجعو الرياضة خلافات بلدانهم السياسية إلى الملاعب فسقط الكرة الساحرة في فوضى العنف.

مشجعو فرق كرة القدم توقعوا تنفيذ عمليات إرهابية من قبل داعش خلال مباريات بطولة أوروبا
تمضي رياح العنف الرياضي بشكل تصاعدي في أنحاء العالم، ما سجّل من تجوّل للمواجهات والتحديات في شوارع باريس ومارساي بعث بصورة بائسة إضافية لما وصلت إليه العلاقات بين الشعوب. 

العنف المنطلق من الخصومة أو التنافس الرياضي ليس إلاّ تعبير من التعابير الدالة على عجز الفرد والجماعة عن ضبط النفس وتفلّتهما من المعايير التي حددتها قوانين رياضية أو إجتماعية أو مدنية.

بهذا المعنى،  بدأ التنافس الرياضي يغيب تحت وطأة الكراهية والعداء المتحصلان ليس من وقائع الرياضة بحد ذاتها، بل ، وهنا مكمن الخطر، من مرجعيات بعيدة عن الملاعب وكرتها الساحرة . مرجعيات تعتمد تصفية الحسابات السياسية الممتدة من النزاعات التاريخية وصولاً إلى صراع الهويات الراهن والسباقات المجنونة إلى إحتلال هذا الموقع أو ذاك في خارطة العالم. عندما تضطر السلطات الأمنية الفرنسية لإستنفار عشرات آلاف رجال الشرطة ، وتبثّ فرق الإستخبارات بكثافة في الملاعب والشوارع والتجمعات، فإنها بذلك تعطي للمشهد الرياضي ملامح معركة على وشك الإندلاع . 

قتال الشوارع بين الروس والبريطانيين أوقع  دورة" أورو" في الرعب بحسب ما قالت مجلة "الأكيب" الرياضية الفرنسية. 

مباراة كرواتيا وتركيا ، برأي بعض الصحف الفرنسية، أشبه بساعة تفجير يتوّقع لها أن تتسبب بما لا تحمد عقباه . 
وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف إضطُر للقول أن مبارة تركيا كرواتيا تم الإستعداد لها بمستوى الإستعداد نفسه لمواجهة التهديدات الإرهابية. 
رسالة ترتعد لها الفرائص لما للمقارنة من أبعاد ثقيلة على مستوى الرياضة بأبعادها الإنسانية والإجتماعية. ما جرى بين مشجعي الفريقين الروسي والبريطاني يعكس ، بحسب شهود عيان ، إحتقاناً على خلفية سياسية. 

البريطانيون في شوارع مدينة مارساي لم يجدوا حرجاً من إطلاق صفة الإرهابيين على  أنصار الفريق الروسي ، هؤلاء بدورهم نعتوا أخصامهم بالمليشيات وعبيد الأميركيين.


منذ افتتاح دورة البطولة الأوروبية لكرة القدم  حضر شبح الإرهاب في الشوارع الباريسية بكل تهديداته .  لكن شبحاً من هذا النوع يعرف الجميع أنه قادر على التحوّل، في أي لحظة ، إلى مأساة في الشوارع ، لم يقنع فرق التشجيع بالتعاون على تأمين مناخ محصن ضد الإختراقات الأمنية .

إنتصرت الغرائز والنزعات العنصرية على منطق الروح الرياضية، التشوهات في العلاقات بين الدول ، والإتجاهات المتنامية نحو التطرف عرقياً وقومياً، حقنتا جماهير الرياضة مرة جديدة بشحنة من العنف والغضب والإستعداد للمخاطرة القصوى.. بالحياة.