أمين معلوف والبيئة الحاضنة

من دون حرج أظهر كتاب وسياسيون وصحافيون ما يمكن وصفه بالإستعداد للسير في خطى أمين معلوف من دون حرج أو إحساس بثقل الخطوة. وهذا إن دل على شيء فإنما على بيئة حاضنة للتطبيع وربما أكثر من ذلك، ولا سيما أن سقف الصراع مع المحتل قد إنخفض في السنوات الماضية، وبات مطلب بعض الدول والنخب التقرب ممن كان في السابق عدواً.

ليس أمين معلوف أول المطبعين ثقافياً مع إسرائيل ولن يكون الأخير
ليس الروائي اللبناني الفرنسي أمين معلوف أول المطبعين ثقافياً مع إسرائيل ولن يكون الأخير. قطار التطبيع ثقافياً وإعلامياً وتجارياً وإقتصادياً وأمنياً يسير،  وإن كان أمامه مطبات وعوائق وإعتراضات من كل نوع. فمنذ ما قبل إتفاقيات " السلام" مع مصر والأردن والتفاهمات العلنية وغير العلنية بين بعض الدول العربية وإسرائيل، تمكنت آلة إسرائيل الدعائية وبأشكال مختلفة من إختراق الوعي العربي ونفذت إلى مكامن هشة فيه فتحصلت على إعترافات بوجودها تارة ورضوخ وقبول لمنطقها تارة أخرى، باذلة في هذا السبيل ما يسيل له لعاب ضعاف النفوس.
قبول أمين معلوف، وهو كاتب لا يمكن نكران أهميته الأدبية، بمحاورة إسرائيلية في محطة إسرائيلية إستكمالٌ للشذوذ الفكري الذي أبتلي به بعض المثقفين،  وفتحٌ جديد لإسرائيل في جدار الثقافة العربية توظفه في تلميع وتحسين صورتها لتسويغ ديمقراطيتها في عين الغرب، ومن ثم لإستمالة المزيد من النفوس الهزيلة لمدّ يد التواصل معها. سقطة معلوف على فظاعتها فإنها ليست الأولى، فهو كان، قبل صعود نجمه الأدبي، قد أبتلي بمرافقة وفد التفاوض مع العدو عام 1983 لتوقيع إتفاقية 17 أيار – يوليو الذليلة، وهو الأمر الذي جاهد طوال سنوات إنتاجه الروائي على تحويله إلى صيغة تعايش بين ما يرى أنه مكونات المنطقة. فكل رواياته تقريباً تنضح بهذا الميل إلى نفي صبغة العداء لإسرائيل وإستنباط الشخصيات والأحداث التي تقود إلى الإسهام في وضع نهاية للصراع العربي - الإسرائيلي.
بهذا المعنى فإن عامل الدهشة من فعلة معلوف مع المحطة الإسرائيلية يتراجع أمام فتنة الرجل بالبحث عن شيء مشترك مع ما يعتبره الآخر. وبغض النظر عن هذا الواقع فإن ملعوف وهو يشغل كرسياً راسخاً في الأدب الفرانكوفوني وينتشر في أوساط القراء العرب بقدر لافت، كان يمكنه أن لا يضيف إلى تاريخه ورطة إضافية فلا يسهم في تلميع صورة القاتل مرة أخرى. المهم في ما أقدم عليه معلوف هو أنه هز مرة أخرى القناع الذي يرتديه كثير من المثقفين والإعلاميين والسياسيين اللبنانيين والعرب. التعليقات والتحليلات التي صدرت عقب مقابلة معلوف على محطة i24 أنبأت بحاضنة لافتة لأي خطوة بإتجاه التطبيع مع إسرائيل. إنبرى هؤلاء إلى الدفاع عن معلوف تحت يافطات وذرائع مختلفة تصب جميعها في تشريع اللقاء بالإسرائيلي ومحاورته أو مخاطبته. 
من دون حرج أو إحساس بثقل الخطوة أظهر كتاب وسياسيون وصحافيون ما يمكن وصفه بالإستعداد للسير في خطى أمين معلوف. وهذا إن دل على شيء فإنما على بيئة حاضنة للتطبيع وربما أكثر من ذلك، ولا سيما أن سقف الصراع مع المحتل قد إنخفض في السنوات الماضية، وبات مطلب بعض الدول والنخب التقرب ممن كان في السابق عدواً.