الذئاب ليست منفردة: التفجيرات في روسيا وإيران؟

انتهت الحرب في سوريا. قريباً، تشكل حكومة ويكتب دستور جديد. الاتفاق الروسي الأميركي ينفذ بمن حضر. ليست المعضلة طريقة مكافحة الإرهاب أو بقاء بشار الأسد. المشكلة بما يضرب الأمن العالمي. أصبح الموت يتنقل من دون موعد بين العواصم الناجحة والفاشلة. تكتيك "الذئاب المنفردة" موجع جداً لدول لا تحبذ الألعاب النارية وقت الأفراح. هكذا أوروبا ترضخ لابتزاز موسكو وأنقرة وتمدد داعش.

ما يحصل هو "ذئاب مجتمعة" في الغرب و"ذئاب منفردة" عند أعداء الغرب الأصليين
الذئاب متعطشة للدماء. لا يمكن توقعها والقبض عليها. تتوغل حيث أرادت. أساساً، موجودة بيننا وأمامنا وخلفنا. النظرية ابتدعها الأميركيان أليكس كورتيس وتوم ميتزغر. كانا عنصرين عنصريين يمتدحان العرق الأبيض على غيره. كان ذلك في بداية التسعينيات، والهدف هو تنفيذ عمليات ضد مراكز الحكومة أو مؤسسات يملكها ذو البشرة السوداء. لم يعرفا أن البيت الأبيض سيسكنه رجل لديه مادة الملانين وسمته بالأسود. لم يعلما أن النظرية المستذئبة سيطورها أنور العولقي وخالد الوحيشي وينقحها أبو مصعب السوري. المفارقة أن أبا بكر البغدادي، لم يأمر بتطبيقها إنما جعل كل جنوده ذئاباً مجتمعة حول "الدولة" ولأجلها. الخليفة يريد تحويل كل مسلم إلى قذيفة. لا يهم أين تنفجر بقدر ما تحقق هدفها. ومن يخطط لتنظيم داعش يمتلك من الذكاء السياسي والفطنة العسكرية ما يكفيه ليوجه الذئاب الجائعة. يعرف أين يضرب ومتى. والمنفذ لديه الإجابة عن سؤال المصير.

عمليات داعش فيها أمر مباشر. ليس "اليوتيوب" هو المحرض. لم تكن الخطب الرنانة لتستقطب أصحاب الشهادات العليا لو أنهم يملكون الهوية. أزمة الثقة والاحتواء في مجتمعاتهم ولدت لديهم الكبت. فكرة "الدولة الإسلامية" حلم المسلمين المتفككين فاستهوت المشردين فكرياً.

بعد التفجيرات والهجمات في المدن الأوروبية، يستأنف المسلسل حلقاته. هذه المرة روسيا وإيران هدفان أساسيان. تجنيب الدول الداعمة للحكومة السورية كان مقصوداً سياسياً وإعلامياً. أن يضرب الإرهاب الرياض يعني أنها بريئة من دعمه. أن تعيش طهران الأمن بأعلى مستوياته يؤكد أنها متورطة فيه خارج أرضيها. المعادلة تغيرت. يريد داعش أن يغرز شوكته في كل الدول متعددة المكونات. خمسون مليون مسلم في أوروبا أصبحوا أعداء لمحيطهم. أمامهم خياران: إما التبرؤ من دينهم كلياً أو الهرب من مساكنهم. وعند الهروب يحملون معهم الحقد للفرنجة وديار الكفر. هكذا يتحولون لقنابل موقوتة، وحده الخليفة يعرف متى يفجرها.

لا يعرف تماماً عدد المسلمين السنة في إيران. يرتفع عددهم عند أنصارهم ليصل الى 30 في المئة من 80 مليون نسمة. هؤلاء المندمجون مع المكونات الأخرى والأعراق المختلفة؛ هم الهدف. مسلمو روسيا 20 في المئة من عدد السكان. يعني أن كل خمسة مواطنين بينهم مسلم واحد، وهو المستهدف. يهاجم داعش موسكو مثلاً. إنه الفعل. بعدها تنتشر الدعاية ضد المسلمين، وتكون ردة فعل. هنا أصبح مسلمو إيران وروسيا ضحية وقاتل في الوقت نفسه. هذا السيناريو نجح في العراق وحاول الإرهاب تنفيذه في لبنان. لم ينجح في إشعال حرب أهلية، لكنه أوجد كراهية مضادة بين أبناء الوطن. ولحسن حظ لبنان أن طرابلس تنأى بنفسها شمالاً. خزان سنة لبنان لو أنه في مكان آخر قريب من تجمعات الشيعة لكانت حجارة بيروت تردم البحر. وهذه الحلقة من المسلسل يمكن أن يعاد تمثيلها. بالعادة الذئاب تعاود التجربة مع ضحية لم تفترسها.

استراتيجية "الذئاب المنفردة" لتنظيم داعش انتهت، وبدأت بدلاً منها "مخططات معقدة" لتضخيم آثار المذبحة التي يتم ارتكابها. مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تؤكد أن داعش عازم على التخطيط وتوجيه هجمات فى الغرب أكثر تعقيداً وفتكاً من مجرد إحداث فوضى على نطاق صغير. هنا التنظيم يُعقد المشهد. ما يحصل هو "ذئاب مجتمعة" في الغرب، و"ذئاب منفردة" عند أعداء الغرب الأصليين.

تقرير "يوروبول" (المنظمة الخاصة بالشرطة الأوروبية)، يشير إلى تحول داعشي نحو الذهاب للعالمية فى حملته الإرهابية. التنظيم طور قيادة خارجية تلقت تدريباً أشبه بما تحصل عليه القوات الخاصة في البيئة الدولية. هذه القوات الخاصة ليس مهمتها فقط التفجيرات. يرجح كثيراً أن تُكلف باغتيال شخصيات محددة لها وزنها الأمني والسياسي.

الأهم من كل ذلك أن الذئاب مستمرة في عملها، ذلك كله يسبق نهاية ليست وشيكة لمدرب الذئاب.