منتدى يالطا.."مارشال روسي" لإعادة إعمار سوريا

لا يقلّ تحدّي إعادة إعمار سوريا، عن الصِراع لكسب الحرب التي دخلت عامها الثامن. ومنذ بدأت الدولة السورية قبل عامين بدعمٍ من روسيا وإيران استعادة السيطرة على معظم المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" وفصائل أخرى من المعارضة المسلّحة، بدا أن الحرب في طريقها كي تضع أوزارها. لكن ذلك بطبيعة الحال لن يشكّل نهاية المطاف بالنسبة إلى سوريا، لأن مرحلة إعادة الإعمار قد تتطلّب عدداً موازياً من السنوات إن لم يكن أكثر لعدد سنوات الحرب، كي تتمكّن البلاد من التعافي والخروج من ويلات الحرب.

انخراط روسيا في عملية إعادة الإعمار في سوريا، لن تنزل برداً وسلاماً على واشنطن

وفي موازاة الصراع الذي كان يدور بين القوى الاقليمية والعالمية لكسب الحرب، كانت تدور في الخفاء حربٌ من نوعٍ آخر عنوانها السيطرة على الأراضي "المُفيدة" في سوريا والتي يمكن أن تشكّل مصدراً مهماً لتمويل عملية إعادة الإعمار. وانصبّ الهمُ الأميركي في العامين الماضيين على حِرمانِ الحكومة السورية، ومن خلفها روسيا وإيران، من الوصول إلى منابعِ النفطِ والغازِ والثروةِ الغذائية والمائية الرئيسة في كلٍ من محافظتيّ الرقة ودير الزور. وليس عبثاً أن القوات الأميركية البرية انتشرت في أجزاء واسعة من هاتين المنطقتين تحت عنوان دعم "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي يُشكل المُقاتلون الكرد عمودها الفقري في قتالهم ضدّ "داعش".
ومع مواصلة الدعم العسكري الروسي واتّساع مناطق سيطرة الحكومة السورية، تستعدّ روسيا للإنخراط في عملية إعادة الإعمار على نطاقٍ واسعٍ. وهذه عملية تُمثّلُ تَحدّياً كبيراً لموسكو، لا سيما أنها تواجه ضغوطاً اقتصادية هائلة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق ينعقد منتدى يالطا الاقتصادي الدولي في جمورية القرم الروسية بمشاركة مُمثّلين عن 60 دولة، وسيتخلّل المنتدى مؤتمر حول التفاعُل الاقتصادي بين روسيا وسوريا وإعادة الإعمار اعتباراً من 19 نيسان الجاري.
ولخَّص الرئيس المُشارك للجنة المُنظّمة لمنتدى يالطا أندريه نازاروف الهدف من مؤتمر التفاعُل الاقتصادي بين روسيا وسوريا قائلاً لصحيفة "إزفستيا" الروسية "إن المؤتمر سيناقش "سيناريوهات التنمية الاجتماعية والاقتصادية في فترة ما بعد الحرب"، مشيراً إلى أنه في إمكان روسيا أن تستثمر في إعادة الإعمار في سوريا بعد الحرب، من خلال مشاريع مشتركة للطرفين الروسي والسوري.
ويُستَدلُ من الأهمية التي توليها موسكو لهذا المؤتمر وما سينتج منه من اتفاقات ومشاريع، أنه سيكون بمثابة حجر الزاوية في عملية إعادة الإعمار في سوريا على الرغم من أن الحرب لم تنتهِ بالمرة. لكن نتائج المؤتمر ستأتي بمثابة "مشروع مارشال" روسي في سوريا، على غِرار المشروع الذي اعتمدته الولايات المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية لإعادة إعمار أوروبا الغربية.
ويُستَدلُ من الأرقام المُتداوَلة عن كلفة إعادة الإعمار في سوريا، أن أية عملية من هذا النوع لن يقلّ حجمها عن مئات المليارات. وقدَّر رئيس غرفة التجارة والصناعة الروسية سيرغي كاتيرين هذه الكلفة ما بين 200 مليار و500 مليار دولار، مشيراً إلى أن الحكومة السورية تمنح الأولوية للشركات الروسية في هذا المجال.
وتتطابق تقديرات كاتيرين مع تقديرات الرئيس السوري بشّار الأسد الذي قال قبل يومين أمام وفد برلماني روسي، إن حجم الأموال اللازمة لإعادة إعمار البنى التحتية في سوريا يُقدَّر ب400 مليار دولار، مؤكّداً أن عملية الإعمار قد تستغرق ما بين عشرة أعوام و15 عاماً. وأعلن أن أفضلية العمل في سوريا ستكون للشركات الروسية.
مما لا شك فيه أن انخراط روسيا في عملية إعادة الإعمار في سوريا، لن تنزل برداً وسلاماً على واشنطن وعواصم الاتحاد الأوروبي. ومعلوم أن الولايات المتحدة وأوروبا يفرضان عقوبات اقتصادية واسعة على كلٍ من روسيا وسوريا. وأكثر من مرةٍ أعلن الاتحاد الأوروبي أنه مستعد للمشاركة على نحوٍ واسعٍ في إعادة الإعمار في سوريا، لكنه ربط العملية بتنحي الرئيس الأسد عن السلطة. وحتى في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية المدعومة من أميركا والغرب، لم تساهم لا واشنطن ولا بروكسيل في أية مشاريع اقتصادية أو تنموية. وأبرز مثال على ذلك هو شوارع مدينة الرقة التي لم تعمد قوات "قسد" أو القوات الأميركية المُسيطرة على المدينة حتى الآن بعد أكثر من عاٍم من السيطرة عليها إلى رفع الركام الهائل الذي خلّفه قصف طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ولا إلى إزالة الألغام ودفن الجثث التي لا تزال تتعفّن في شوارع المدينة.
ومن الواضح أن الغرب يستخدم التلويح بورقة المشاركة في إعادة البناء من باب الابتزاز السياسي. وسارعت الولايات المتحدة إلى احتلال شرق سوريا، كي تمنع دمشق من استعادة مُقدّرات الدولة الاقتصادية وكي تحول دون استفادة الطرفين الأساسيين الداعمين للحكومة السورية، وهما روسيا وإيران، من الاستثمار في هذه المناطق.