قمّة تونس : مخرجات مُكرَّرة لا ضمانات لتنفيذها

في نفس الشهر الذي انعقدت فيه قمّة تونس و قبل 16 عاماً انعقدت القمّة العربية في شرم الشيخ، كان الوضع في ذلك الوقت يُهدّد بعدوان وشيك على العراق بعد تهديدات الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن ، وتمثلت مخرجات القمّة في ذلك الوقت بنقاطٍ كثيرةٍ من بينها : الرفض المطلق لضرب العراق، توجيه تحية إجلال و إكبار لصمود الشعب الفلسطيني والتأكيد على دعم حقوقه، التأكيد على وحدة و سيادة جمهورية الصومال وتوجيه الشكر للدولة المضيفة، لم تكبح هذه القرارات جماح الإدارة الأميركية في ضرب العراق.

وضع عربي خطير جداً ذلك الذي انعقدت في إجوائه القمّة العربية في تونس يوم 31 مارس آذار الماضي، حشود عسكرية إسرائيلية على حدود غزّة ، إعتراف من طرف الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أن الجولان السوري إسرائيلية في خطوة تُعدّ الأخطر في تأزّم القضايا العربية، حرب ضروس على اليمن خلّفت مجاعات و أوبئة، إنقسام ليبي ليبي و لا وجود لتسوية في الأفق وإنقسام خليجي خليجي وتدخّل تركي في أراضي دولة عربية عضو في الجامعة العربية و كثير من المشاكل الأخرى. الرئيس التونسي أطلق على قمّة تونس" قمّة التضامن و العزم" على أمل العزم على الخروج بقرارات تساعد على الخروج من الوضعية الكارثية التي يعيشها العالم العربي و بذل الجهود لتوحيد الصف العربي و إحياء التضامن بين دوله.
في نفس الشهر الذي انعقدت فيه قمّة تونس و قبل 16 عاماً انعقدت القمّة العربية في شرم الشيخ، كان الوضع في ذلك الوقت يُهدّد بعدوان وشيك على العراق بعد تهديدات الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن ، وتمثلت مخرجات القمّة في ذلك الوقت بنقاطٍ كثيرةٍ من بينها : الرفض المطلق لضرب العراق، توجيه تحية إجلال و إكبار لصمود الشعب الفلسطيني والتأكيد على دعم حقوقه، التأكيد على وحدة و سيادة جمهورية الصومال وتوجيه الشكر للدولة المضيفة، لم تكبح هذه القرارات جماح الإدارة الأميركية في ضرب العراق. تغيّر الوضع العربي بعد 16 عاماً وأصبح أكثر كارثية اليوم ، و لكن رغم ذلك لم تتغيّر مخرجات القمم العربية، تضمَّن البيان الخِتامي لقمّة تونس 17 نقطة لم تتجاوز جميعها أفعال التنديد والدعوة و الترحيب و التأكيد . أكَّد البيان في النقطة الرابعة على سيادة الدولة السورية على أراضي الجولان و " أنّ أيّ قرار أو إجراء يستهدف تغيير الوضع القانوني والديمغرافي للجولان غير قانوني ولاغ، ولا يترتّب عنه أيّ أثر قانوني، طبقاً لقراريْ مجلس الأمن الدولي رقم 242 لسنة 1967 ورقم 497 لسنة 1981، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة"، لكن لم يذكر البيان ما هي التحرّكات التي سوف تقوم بها الدول العربية لمنع هذا القرار . أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية و في المؤتمر الصحفي لإعلان البيان الختامي تجاهل لمرتين متتاليتن أسئلة الصحفيين حول موقف الدول العربية فيما إذا أعلنت الدولة السورية الحرب على إسرائيل لاسترجاع أراضيها. في قراءة أخرى للنقطة الرابعة يمكن القول إن الدول العربية تعترف بالدولة السورية و بسيادتها على الجولان لكنها في نفس الوقت تُمانِع حضورها في القمّة العربية . لكن مُتابعين للشأن السياسي في تونس أكَّدوا أنه في ظلّ الوضع العربي الراهِن والدعوات إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني فإن النقطة الرابعة تُعتَبر مهمة و نقطة إنطلاق لتوحيد الصف العربي.
قمّة انعقدت في جوٍ مشحونٍ بالخلافات حيث شهدت غياب عدّد من الرؤساء من بينهم الملك المغربي محمّد السادس الذي أعلن صراحة مقاطعته للقمّة العربية بسبب "تحوّلها إلى اجتماعات مناسبات ومجاملات، وكذلك بسبب غياب التعاون العربي في القضايا الإقليمية". كما شهدت القمّة مغادرة أمير قطر عقب كلمة أبو الغيط و مغادرة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بعد إلقائه لكلمته. لكن في المقابل لم يتضمَّن البيان الختامي أية إشارة إلى الأزمة الخليجية الخليجية. المحلِّل السياسي عبد اللطيف الحناشي قال مُعلِّقاً على البيان الختامي للقمّة العربية "إن هذا الاجتماع تجنَّب الخوض في الخلاف الخليجي و كأنه تأدية واجب رغماً عنهم، حيث غادر
الملك السعودي بعد إلقائه لكلمته من دون الاستماع إلى نظرائه إلى جانب مغادرة الأمير القطري ما يُعبِّر عن وجود خلافات عميقة".
من جاتب آخر تميَّز البيان الختامي لقمّة تونس بعودة القضية الفلسطينية على سلَّم أولويات القضايا العربية من خلال إدراجها في النقطة الأولى ، لكن البيان الختامي و في النقطة الأولى الخاصة بالقضية الفلسطينية اكتفى بشجب الاعتداءات الإسرائيلية والتأكيد على الحق الفلسطيني و مواصلة كل أنواع الدعم ، و دعوة دول العالم إلى عدم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. لكن في المقابل لم ترد في البيان أية إشارة إلى "صفقة القرن" و التي تحظى بدعم أطراف عربية من بينها السعودية ، وتعتبر أكبر تهديد ينسف القضية الفلسطينية ما يُحيلنا إلى ما قاله الناشط السياسي طارق الكحلاوي بأن هذه القمّة هي قمّة السعودية و ليست قمّة تونس ، ما يزيد الشكوك في الضغوط السعودية إطلاق وصف "الميليشيات" على جماعة الحوثيين و اصطفاف الدول العربية إلى جانب طرف من دون آخر في الصراع اليمني. كما لم يتم كذلك التعمّق في مسألة الإرهاب و الأمن العربي القومي بأبعاده المختلفة و الذي يمثل الكيان الصهيوني أكبر تهديد له ليأتي الإرهاب ثانياً. كما لم يتطرَّق البيان إلى المشاريع الكفيلة للحد من هذه الظاهرة.
بموازاة ذلك انعقدت قمّة موازية لقمّة تونس سُمّيت بقمّة "المجتمع المدني من أجل الحرية والكرامة والمساواة للشعوب العربية" ، وقّع على البيان الختامي لهذه القمّة أكثر من 50 منظمة وطنية وعربية ودولية وحملت إسم "بيان الكرامة" طالب فيه المشاركون في هذه القمّة بضمان "مشاركة واسعة وفعّالة لمنظّمات المجتمع المدني في مختلف مجالات الحياة وفي صنع القرار ،كما دعوا إلى الإسراع بإنشاء منظومة حقوق إنسان إقليمية فاعِلة ، كما دعا بيان الكرامة إلى إطلاق مبادرات فعليّة وحقيقيّة لضمان تمتّع الشعب الفلسطيني بحقّه في تقرير المصير، معتبرين أن قرار ضمّ الجولان إلى الكيان الصهيوني، "اعتداء على سيادة سوريا وخرق واضح للقانون الدولي".
لم يتّفق العرب حتى على مكان انعقاد القمّة المقبلة ، إلا أن قمّة تونس نجحت في إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة أولويات البيانات الختامية للقمم العربية على الأقل وتوحيد الصفوف في سيادة الدولة السورية على مرتفعات الجولان ، وشدَّد حسام زكي الأمين العام المساعد للجامعة العربية على أن التوجّه لمجلس الأمن الدولي في هذه القضية سيكون جزءاً من العمل العربي لإبطال القرار الأميركي وتصنيفه دولياً مخالفاً للقوانين الدولية ، لكن في المقابل أكَّد زكي على أنه لا وجود لضمانات لتنفيذ مخرجات قمّة تونس رغم العلاّت التي تحتويها.