كيفية النهوض الاقتصادي للمرحلة القادمة في سوريا

من أهم أسباب الحرب على بلدنا الغالية سوريا، أن سوريا قبل هذه الحرب اللعينة كانت تعيش حال اكتفاء ذاتي ووضعها الاقتصادي مُستقرٌّ وتسير بخُطى ثابتة نحو تحسين أوضاعها، والأهم من هذا أنه لا توجد عليها ديون لأية جهة كانت ولم تتعامل أبدأً لا مع البنك الدولي ولا مع صندوق النقد الدولي.

من أهداف هذه الحرب كان تدمير سوريا وإدخالها في حال عجز اقتصادي ما يضطرها لأن تستقرض من البنك الدولي، وهذا ما تجلَّى بتقديم العروض والمُغريات الكثيرة لسيادة الرئيس القائد بشّار الأسد من قِبَل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عروض القروض وبمبالغ كبيرة منذ سنة 2013إلى الآن، لكن السيّد الرئيس رفض كل هذه العروض وهو ما أشار إليه الرئيس في إحدى مقابلاته، لقد أدرك سيادة الرئيس خطر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وأية اتفاقيات تُبرَم معهما على استقلال البلاد، ولأن الفوائد المفروضة على القروض المالية بموجب هذه الاتفاقيات ستؤدّي حتماً إلى وقوع البلاد في براثِن دائنيها، إن مثل هذه القروض ستكون استعباداً لكل أفراد الشعب لأن تسديدها لن يكون إلا بفرضِ مزيدٍ من الضرائب يدفعها المواطنون جميعا، والرئيس أدرك الخطر من خلال أنهم سيتدخّلون في كل شؤوننا الداخلية وحتى الخارجية، وهذا واضح الآن بالفعل فلننظر إلى كل التنازُلات المُشينة التي تقدّمها المغرب وتونس والأردن مقابل قروض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. إن أهداف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هي فرض سياسة استعمار اقتصادي على الشعوب النامية وبالذات الشعوب العربية، وإفقار الشعوب من خلال إجبار الحكومات على رفع الدعم عن المواد الأولية وزيادة أسعار المحروقات وزيادة الضرائب على المواطنين بشكلٍ جنوني، ما يؤدِّي إلى زيادة مُعدَّلات الفقر والبطالة، وهذا ما رأيناه مثالاً مُتجلّياً في الأردن حيث إجراءات صندوق النقد الدولي أدّت إلى إفقار الشعب وتجويعه، وصندوق النقد دائماً ما يطلب ضمانات لتسديد القروض والتدخّل حتى في الأمور الداخلية ، والأخطر من هذا أن صندوق النقد الدولي يفرض على الدول التي تقترض منه أن يُسمَح للشركات مُتعدِّدة الجنسيات أن تعمل داخل البلاد ما يؤدِّي إلى اختراق هذه البلدان وتوجيه سياستها الداخلية والخارجية، وبالتالي استعمارها بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، بمعنى بسيط أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يشبهان المُرابين في العصور القديمة الذين لا ينقذون المشاكل المالية وإنما يمنحون قروضاً تساعد على تأجيل هذه المشاكل وترحيلها لكي تتفاقم، وتصبح الحكومات وشعوبها أسيرة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهذه هي طريقة اليهود الصهاينة في العمل الاقتصادي في السابق وحالياً يشغلوها تحت إسم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ويكفي أن نعرف أن المُلاّك الحقيقيين للبنك الدولي ولصندوق النقد الدولي هم عائلة روتشيلد الصهيونية المُتطرِّفة، إن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يهدفان إلى جعل الدول التابعة لهما تطبّق النيوليبرالية الاقتصادية المتوحّشة والتي تمثل تأييد الرأسمالية المُطلقة وعدم تدخّل الدولة في الاقتصاد، ونحن الآن نعيش آخر مراحل هذه الحرب الإرهابية الصهيونية الوهّابية على بلدنا  سوريا وعلى وشك البدء بإعادة الإعمار وإعادة النهوض ببلدنا الحبيب، ولتطبيق هذا الأمر يجب أن تكون لدينا خطة وسياسة اقتصادية واضحة، والنظام الاقتصادي الذي في رأيي يجب أن يُعاد تطبيقه في بلدنا هو اقتصاد السوق الاجتماعي، ربما يُجادلني البعض أنه كان مُطبَّقاً قبل الأزمة ولكني أردّ أنه صحيح أقرّ تطبيقه وتبنّاه المؤتمر القُطري لحزبنا حزب البعث العربي الاشتراكي في عام 2005، لكن المشكلة أنه لم يجر تطبيقه بشكله الصحيح، لا بل طُبِّق بشكلٍ خاطئ، وهذا يعود بسبب الحكومة التي كانت آنذاك والفريق الاقتصادي على وجه الخصوص الذي تبيَّن أنه يعمل ضد مصالح البلاد وهدفه إفقار البلاد وتخريبها، وهنا أخصّ بالذِكر النائب الاقتصادي، آنذاك وفي الواقع إني أفضّل اقتصاد السوق الاجتماعي لأنني أعتبره النظام الاقتصادي المُحدَث والمُطوَّر عن النظام الاقتصادي الاشتراكي البحت  الذي هو مُطبَّق في بلدنا،  فاقتصاد السوق الاجتماعي يتبنّى اقتصاد السوق ولكنه يرفض الشكل الرأسمالي المُطلَق، كما يرفض أيضاً الاشتراكية الثورية حيث يجمع القبول بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والشركات الخاصة مع ضوابط حكومية وإشراف حكومي على وسائل الإنتاج، وهذا ما يؤدِّي إلى تحقيق مُنافسة عادِلة وتقليل التضخّم وخَفْض معدّلات البطالة، وتوفير فُرَص العمل بشكلٍ كبيرٍ وتوفير الخدمات الاجتماعية، فاقتصاد السوق الاجتماعي يحترم السوق الحر ويُعارِض الاقتصاد المُنظّم حكومياً، كما يُعارِض الرأسمالية المُطلقة التي لا تسمح للدولة التدخّل في السوق والاقتصاد مُطلقاً، فهو يشّكل  حال توازن وحلاً وسطاً بين الرأسمالية والاشتراكية، وهذا النظام الاقتصادي أول مَن طبَّقه المُستشار الألماني أديناور بدروين بعد الحرب العالمية الثانية، وقتها كانت ألمانيا مُدمَّرة بشكلٍ كاملٍ، وبعد فترة قصيرة بدأ الانتعاش الاقتصادي في ألمانيا إلى أن وصلت إلى النجاح الاقتصادي الباهِر، وأصبحت ألمانيا مُعجزة اقتصادية حقيقية، وأيضاً هذه الخطة الاقتصادية طُبِّقت في الصين، فالصين كانت تتّبع في السابق سياسة اقتصادية شيوعية ماركسية بحتة، ما أدَّى إلى إفقار الشعب وتراجُع البلاد حتى استلم دينك هسياو بينك رئاسة الصين وطبَّق خطّة اقتصاد السوق الاجتماعي، ولننظر الآن كيف أصبحت الصين من أعظم القوى الاقتصادية إن لم تكن أعظمها في العالم، وأيضاً هذه الخطّة طبَّقها مهاتير محمّد رئيس الوزراء الماليزي في ماليزيا في الثمانينات وحوَّل ماليزيا من دولةٍ فقيرةٍ ومُعدَمة إلى نمرٍ آسيوي وعملاقٍ اقتصادي كبير، لهذا أرى أن نظام اقتصاد السوق الاجتماعي هو النظام الاقتصادي الأمثل للتطبيق في بلدنا سوريا في المرحلة القادمة بشرط أن يُطبَّق بشكله الصحيح على يد خبراء ومسؤولين اقتصاديين وطنيين، وأن نستفيد من أخطاء الماضي وخاصة أننا قادمون على فترة إعادة الإعمار ولكن قبل إعمار الحجر علينا أن نقوم بإعمار العقول والمفاهيم والإيدلوجيات.