بعد قرن من مولده.. سياسة أنور السادات باقية

مصر على المستوى الرسمي تحتفل بالرئيس السادات يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر من كل عام في ذكرى نصر عام 1973، ويقوم دائماً رئيس الدولة بوضع أكاليل الزهور على قبره، ولذلك أغفل الكثيرون مئويته، طالما يتم الاحتفال به كل عام.

أما الكارهون للسادات فيقولون إنه أخذ خطة الحرب من الرئيس "عبد الناصر" ونسبها لنفسه

اعتبر الناصريون سنة 2018 عام الزعيم "جمال عبد الناصر"، فقد مضى قرن من الزمان على مولده، وُلد الزعيم"عبد الناصر" يوم 15 كانون الأول|ديسمبر عام 1918، واحتفل الناصريون ومعهم الكثيرون من طوائف الشعب المصري بمئويته، واحتفلت وزارة الثقافة و"مكتبة الإسكندرية"، وكانت مصر تعتبر يوم مولده عيدا للطفولة حتى توفي عام 1970، ولكن وقبل أن ينتهي العام 2018، يأتي مولد الرئيس التالي لجمال عبد الناصر، فقد مضت أيضا مائة عام منذ مولد الرئيس الراحل "محمد أنور السادات" حيث وُلد يوم 25 كانون الأول|ديسمبر عام 1918، وجعلته الدولة عيدا للطفولة حتى اغتيل، وهو وضع عربي طبيعي، أن يكون يوم مولد أي رئيس أو ملك عيدا للأمة، ولا دائم إلا الله.

مصر على المستوى الرسمي تحتفل بالرئيس السادات يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر من كل عام في ذكرى نصر عام 1973، ويقوم دائماً رئيس الدولة بوضع أكاليل الزهور على قبره، ولذلك أغفل الكثيرون مئويته، طالما يتم الاحتفال به كل عام.

لقد جاء الرئيس "السادات" ببرنامج سياسي مختلف تماما عن المشروع الناصري، وملخص هذا المشروع يقوم على ضرورة أن تخوض مصر الحرب ضد العدو الإسرائيلي وعبور قناة السويس، أولا لرد الاعتبار والثقة للشعب والجيش ردا على هزيمة حزيران|يونيو 1967، والثاني هو الدخول في مفاوضات مع العدو للحصول على باقي الأرض المصرية المحتلة، وهو ما اعتبره الناصريون واليساريون في تنظيم "الإتحاد العربي الاشتراكي"، ردة عن فلسفة حكم الثورة المناهض للإمبريالية الغربية، فخاض معهم السادات صراعا، انتهى بالقضاء عليهم وإدخالهم السجون يوم 15 آيار|مايو 1971، واعتبر القبض عليهم "ثورة تصحيح" لمسار ثورة تموز|يوليو 1952، وكان ممن دخل السجون وزير الحربية "محمد فوزي" ووزير الداخلية "شعراوي جمعة"، وبعدها أعلن "السادات" أن عام 1971 هو عام حسم القضية، ولكن العام مضى دون أي حسم، فخرجت التظاهرات الطّلّابية والكتّاب والعمال، تطالب بضرورة خوض الحرب لاسترداد "سيناء" ومعها "الضفة الغربية" و"هضبة الجولان"، ولكن الرئيس رد على كل ذلك بطرد "الخبراء السوفييت" من مصر في 8 تموز|يوليو 1972، وهو ما اعتبره الكثيرون في الخارج والداخل، أن مصر لن تخوض حربا، أو لا تستطيع، ولكن وفي العام التالي قامت مصر ومعها سوريا بخوض حرب يوم السادس من تشرين الأول| أكتوبر عام 1973، وتمكن الجيش المصري من عبور القناة واقتحام "خط بارليف"، ثم توقف القتال يوم 24 من الشهر ذاته، انتهى القتال ولم تنته الحرب، وبدأت بوادر المفاوضات، بدأت باتفاقية قض الاشتباك بين القوات المصرية والإسرائيلية في 18 كانون الثاني|يناير 1974 ، وصارت الجبهة في سيناء هادية، وتم فتح قناة السويس من جديد يوم 5 حزيران|يونيو 1975، كما لو كانت مقدمة لمبادرة السادات في السلام، حسب رؤيته.

يعتقد المحبون المعجبون بالرئيس السادات، أن سياسته تقوم على "فن الممكن"، وأن أميركا لن تسمح بانتصار عربي شامل على الدولة الصهيونية، وأن مجرد عبور القناة معجزة عسكرية بتخطيط محكم، ويضمن حرية الملاحة، ثم الدخول في اتفاقيات سلام مباشرة، وهو ما حدث كما هو معروف في اتفاقيات "كامب ديفيد" عام 1979، وأنه حقن دماء المصريين من أهوال الحروب، وأن وقف الحرب يأتي بالرخاء الاقتصادي، بعد أن تتجه الأموال الحربية لمجال التنمية.

أما الكارهون للرجل فيقولون إنه أخذ خطة الحرب من الرئيس "عبد الناصر" ونسبها لنفسه، وأن الخطة كانت موضوعة لتحرير كل سيناء وكامل الجولان، وأنها حرب "تحريك"، لا حرب "تحرير"، وأنه تخلى عن القضية العربية الفلسطينية، وفتح الباب للصهيونية لتفريق الدول العربية، وما بين طرفي النقيض يظل الجدل حول  الرئيس "السادات" مستمرا حتى اليوم، ولا نظنّ أنه يخفت يوما، اختلف الناس حول "السادات" في الحرب والسلام مع العدو الصهيوني.

ولكن في المقابل نجد شبه اتفاق على أن الرئيس الراحل "السادات" وقع في ثلاثة أخطاء رئيسية بعد الحرب، الخطأ الأول أنه أفرج عن الجماعات الدينية وأهمها "جماعة الإخوان المسلمين" وأعطاهم حرية الحركة في التصدي لكل اليساريين والناصريين، فقامت الجماعة الإخوانية وما تفرع منها من حركات سلفية جهادية، مثل "التكفير والهجرة" و"جماعة الجهاد" "الجماعة الإسلامية"، فدخلوا في صدامات دموية داخل الجامعات، وفي الشارع، وبدأ التعدي على الأقباط، وإحراق الكنائس، فحدثت أول فتنة طائفية بين المسلمين والأقباط عام 1972، في منطقة "الخانكة" بالقرب من القاهرة، كما حدث في مدينة "أسيوط" وغيرها من مدن الصعيد، ثم جاءت أحداث منطقة "الزاوية الحمراء" عام 1981، وعزل البابا "شنودة الثالث" في سابقة فريدة في التاريخ المصري، كما حدثت مواجهات عنيفة بين النظام والجماعات، قامت الأخيرة بمذبحة "الطلية الفنية العسكرية" عام 1974، قم قامت بقتل وزير الأوقاف الراحل "محمد حسين الذهبي" عام 1977، ، واعترف "السادات" بالخطأ، أنه أخرجهم من السجون، وترك لهم أبواب مصر مفتوحة، فانتهى الأمر بأن يلقى الرئيس نفسه مصرعه على أيديهم، وكانت بداية وجود التكفيريين في مصر.

أما الخطأ الثاني للرئيس السادات، هو انحيازه الكامل للمعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، فقد اعتبر "السادات" أن 99% من أوراق اللعبة السياسية في يد الولايات المتحدة الأميركية، وأدّى ذلك إلى إبعاد الاتحاد السوفييتي عن مصر، وارتمائها الكامل تحت العباءة الأميركية، وكان بداية تبني الجامعة العربية لما تسميه "خيار السلام الاستراتيجي"، بدأ بتوقيع اتفاقية "أوسلو" مع السلطة الفلسطينية 1993، ومعاهدة "وادي عربة" مع الأردن عام 1994، ومبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في قمة "بيروت عام 2002"، والتي تتلخص في "الأرض مقابل السلام"، وهو ما يرفضه الكيان الصهيوني حتى اليوم، بعد أن شهدت وتشهد المنطقة اليوم حربا ضد الإرهاب وضد الاستخبارات العالمية بأسرها.

وقد قاد الانحياز للمعسكر الغربي الرأسمالي إلى الخطأ الثالث، عندما تخلت مصر عن النهج الاشتراكي وبصورة سريعة ومفاجئة، فقد أعلن "السادات" سياسة "الانفتاح الاقتصادي"، فارتفعت الأسعار، وبدأ تآكل الطبقة الوسطى، وبدأت مصر الاقتراض من "صندوق النقد الدولي" ومن البنوك الأمريكية، وبدل أن يأتي السلام مع إسرائيل بالرخاء، جاء بالمعاناة الاقتصادية، ومازالت مصر تعاني من قسوة الديون والدائنين، هذا وقد ازدادت الفوارق الطبقية، وتسعى مصر اليوم التخلص من تلك الأعباء الاقتصادية.... مصر لم تشهد أي تظاهرات اقتصادية أو اجتماعية خلال الفترة الناصرية، فقد انحاز "ناصر" تماما للفقراء والمهمشين، عندما أمّم القناة وأنشأ مصانع القطاع العام وحدد الملكية الزراعية وطبّق قوانين الإصلاح الزراعي والتأمينات والمعاشات، وغيرها، وقد رأى الشعب المصري، أن انتهاء الحرب لم يأت بالرخاء، بل جاء بالغلاء، ولذلك لم يكن غريبا أن يحمل الشباب الجديد، الذي لم يُولد في عصري "ناصر" والسادات" أثناء انتفاضة 25 كانون الثاني|يناير 2011،  صور الرئيس "عبد الناصر"، لأن الثورة رفعت شعارات قام هو بالفعل بتحقيقها، خاصة العدالة الاجتماعية، ومازال يطالب بها حتى اليوم... رحم الله الرئيس أنور السادات، في ذكرى مئويته ورحمنا منه ومعه..