أبعاد الدعوات الأخيرة إلى انتخابات مبكّرة في الكيان الإسرائيلي

اليمين والليبراليين المحافظين في الكيان يوافقون على الاستهدافات التي تطال المقاومة في كل الميادين، ويرون أن القوة والردع هما السبيل الوحيد إلى مستقبلهم في فلسطين المحتلة.

  • تتفق آراء المعارضة الإسرائيلية على أن الانتخابات المبكرة قد تكون مخرجاً.
    تتفق آراء المعارضة الإسرائيلية على أن الانتخابات المبكرة قد تكون مخرجاً.

بين أكثر المواقف وضوحاً بشأن ضرورة تحديد موعد لانتخابات مبكرة في الكيان الإسرائيلي، برز التصريح الأخير لزعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، ليلاقي دعوة زعيم الأغلبية الديمقراطية في الكونغرس الأميركي، تشاك شومر، في محاولة لتلافي الانهيار المتسارع الذي يعانيه الكيان الإسرائيلي، بعد أن بدأ الحديث علناً في الأوساط الصهيونية عن غرق "الجيش" الإسرائيلي، وخلفه حكومة بنيامين نتنياهو، في وحول مستنقع ممتد من غزة إلى شمالي فلسطين المحتلة، مروراً بالبحر الأحمر وإيلات، بحيث أظهرت معطيات الميدان فقدان القدرة على إدارة معركة يمكن أن تحقق مستقبلاً آمناً للكيان.

فعلى الرغم من تظهير المستوى السياسي للمعركة الحالية على أنها ستحدد مستقبل الكيان في مواجهة جبهة من الأعداء، الذين قرروا أن الهدف الأساسي لجهودهم لا يخرج عن مهمة إزالة الكيان، بحيث استطاع أن يُظهر فعل طوفان الأقصى على أنه مذبحة تبرر القساوة والوحشية للعدوان الذي يتعرض له القطاع، فإن الكيان الإسرائيلي لم يستطع أن يحقق أياً من أهدافه الاستراتيجية التي حدّدها في بداية المعركة، واكتفى حتى هذه اللحظة بارتكاب جرائم إبادة بحق المدنيين.

وفي تقدير نتائج المعركة في مستواها الاستراتيجي، أدى صمود المقاومة في غزة، معطوفاً على الواقع الذي فرضته المقاومة الإسلامية في شمالي فلسطين المحتلة، من دون أن ننسى الآثار الاستراتيجية التي خلفتها الجبهة اليمنية في البحر الأحمر، إلى انعدام أي إمكان لترجمة السلوك العدواني الإسرائيلي في القطاع على أنه يخدم المشروع الاستراتيجي للكيان. فوسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية، بما تشكله من انعكاس لتوجه مستويات سياسية رسمية، باتت تركز على واقع الكيان المتردي، بحيث إنها لم تعد تلتفت إلى ما يعلنه الجيش الإسرائيلي من إنجازات مفترضة في الميدان.

وعلى الرغم من كثافة العمليات العسكرية الإسرائيلية وشراستها في القطاع، فإن تلك الصورة، التي تحاول حكومة الكيان تكريسها في الإعلام الإسرائيلي، وفي الوعي الجماعي، إسرائيلياً وغربياً، لم تنجح في أن تغطي على كثرة المقالات والآراء التي تفترض هزيمة إسرائيلية محتمة لا يمكن تلافيها، إلا من خلال إعادة إنتاج السلطة، الأمر الذي يعني انتخابات مبكرة تضمن المعارضة، استناداً إلى تقديراتها وتقديرات استطلاعات الرأي، إزاحة نتنياهو واليمين المتطرف عن الصورة، وإحلال حكومة من الليبراليين المحافظين المرتبطين عضوياً بالولايات المتحدة مكانها. في هذا الإطار، لم يعد الانقسام السياسي بين اليمين واليسار انقساماً عمودياً، بحيث إن أفيغدور ليبرمان، على سبيل المثال، بات مقتنعاً بأن بقاء نتنياهو، المدعوم من اليمين المتطرف، خطرٌ يُفترض معالجته حتى يستطيع الكيان الخروج من أزمته بأقل الخسائر.

في هذا الإطار، تتفق آراء المعارضة الإسرائيلية، مدعومةً من توجه أميركي بات واضحاً في الفترة الأخيرة، على أن الانتخابات المبكرة قد تكون مخرجاً يجنب الكيان مستقبلاً قاتماً بغض النظر عن نتيجة المعركة في غزة.

فالرؤية المعارضة لحكومة نتنياهو، لا تبتعد كثيراً عن رؤية نتنياهو بشأن ضرورة تفكيك المقاومة وإنهاء أي مصدر لخطر مستقبلي في القطاع. وبالتالي، يمكن التقدير أن الهدف من الدعوة الملحة إلى انتخابات مبكّرة تنحصر في إطار إنتاج سلطة تتمتع في تعاطيها مع تحديات المرحلة بدينامية تفتقدها حكومة نتنياهو المحكومة لتشدد تمتزج فيه الأهواء الشخصية بالتطلعات الأيديولوجية لليمين المتطرف المتأثر بأفكار الحريديم، التي ترى في القتل وأساليب القرون الوسطى الهمجية الوسيلة الوحيدة الفعالة لتحقيق الأهداف.

بالطبع، لا يمكن أن يُقرأ هذا الكلام على أنه نوع من المفاضلة بين اليمين المتطرف والليبراليين، إذ إن التاريخ الصهيوني يثبت بما لا يدعو إلى الشك ميل كل الإسرائيليين إلى القتل، من بن غوريون إلى شارون وشامير ورابين وبيريز وباراك.

وعليه، تظهر الدعوة الحالية إلى انتخابات مبكرة على أنها دليل على عمق الأزمة الاستراتيجية، التي يعانيها الكيان، بحيث أثبتت المقاومة في غزة، وخلفها محور المقاومة، أنهما تخطيا عقدة التفوق الإسرائيلي والجيش الذي لا يُقهر، وباتا قادرين على إدارة معركة لا تستهدف مجرد إلحاق الأذى بجيش مهاجم، وإنما باتا قادرين على أن يديرا معركة ذات عناوين استراتيجية يتخطيان فيها ما يمكن أن يتعرضا له من أذىً كان كفيلاً في حقبة الصراع الإسرائيلي مع القوى العربية النظامية على أن يدفع إلى استسلام هذه الأخيرة.

وعليه، في إطار محاولة تشريح التوجه الإسرائيلي ومن خلفه الأميركي الداعي إلى انتخابات مبكرة، يمكن القول إن ذلك التوجه ما زال مؤمناً بفكرة، مفادها أن التفوق والقدرة على الحسم والانتصار ما زالا ميزة إسرائيلية، متناسياً أو مهملاً عقدة أساسية عنوانها تطور قوة تحالف قوى المقاومة، وعدم سماح هذا التحالف بالاستفراد بأي من قواه، بحيث أظهرت الضغوط الدولية عجزاً واضحاً عن محاولة تحييد الجبهات في لبنان وسوريا والعراق واليمن عما يحدث في القطاع.

استناداً إلى ما تقدم، يمكن بوضوح تحليل الدعوة إلى انتخابات مبكرة في الكيان على أنها تعبّر فقط عن عمق الشرخ بين أطياف المجتمع الإسرائيلي، بحيث إن تحققها، وفق السيناريو الذي يقضي بإبعاد نتنياهو واليمين المتطرف عن السلطة والقرار، لن يؤدي، في أي حال، إلى تنازل المقاومة في غزة ومن خلفها المحور عن أهدافهما.

فمن خلال فكرة العداء المترسخ في الوعي الجماعي، لدى المحور وبيئاته، على نحو يعني عدم التفريق بين صهيوني وآخر من منطلق توجهه، سياسياً وأيديولوجياً، يمكن القول إن التغيير الوحيد الذي يمكن أن يحدث، في حال إجراء الانتخابات، لن يخرج عن دائرة بحث الكيان عن تعديل أولوياته في إدارة المعركة، وبالتالي لن يغير في ثوابت المقاومة شيئاً.

فأقصى ما يمكن أن يتغير سيبقى مرتبطاً بتجاذبات داخلية إسرائيلية قد تسمح بإعطاء الأولوية لإطلاق سراح الأسرى على حساب استمرار العدوان على غزة بكثافة النيران الحالية، مع ما يعنيه هذا الأمر من التزام إسرائيلي بالمخطط الأميركي الذي بات واضح المعالم.

وعليه، يمكن القول إن أي تغيير على مستوى السلطة الحاكمة في الكيان لن يقابله نصر محسوم على المقاومة في غزة، ولن يعيد المستوطنين إلى منازلهم في شمالي فلسطين المحتلة، وفق الشروط والمطالب التي يجمع عليها كل الكيان.

فالمؤكَّد أن اليمين والليبراليين المحافظين في الكيان يوافقون على الاستهدافات التي تطال المقاومة في كل الميادين، ويرون أن القوة والردع هما السبيل الوحيد إلى مستقبلهم في فلسطين المحتلة. وبالتالي، يمكن القول إن الانتخابات المبكرة لن تغير شيئاً في معادلات المعركة الحالية، وإنما ستساعد على تكريس معادلات جديدة في الداخل الإسرائيلي.

وبالقياس على المرحلة السابقة، التي شهدت منذ عام 2019 حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2022 خمسة انتخابات، سببها انقسام مجتمعي إسرائيلي داخلي لم يكن مرتبطاً بتهديدات مصيرية، كما هي الحال اليوم، يمكن القول إن انتخابات مبكّرة، في هذه اللحظة المصيرية اليوم، لن تساهم إلا في زيادة الشرخ في الداخل، وستساعد أكثر من أي وقت مضى على إظهار مدى هشاشة المجتمع الإسرائيلي، وربطاً بذلك مدى ضعف الكيان وعجزه عن استيلاد الحلول لمشاكله الحالية.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.