اختيار السنوار رئيساً لحماس والطريق إلى وقف إطلاق النار

يؤكد اختيار مهندس طوفان الأقصى اعتقاداً مفاده أن المقاومة في غزة لم تفقد أمرها القيادي، وهي تستمر في المقاومة، وأن محاولات جر حماس إلى الاعتراف بـ"إسرائيل" ومواءمتها مع مصالح "الدولة اليهودية"، أُحبطت.

0:00
  • لماذا اختيار السنوار؟
    لماذا اختيار السنوار؟

عندما اغتالت "إسرائيل" مُحاورها إلى طاولة المفاوضات، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، لم تتوقع اختيار الحركة بديلاً منه يحيى السنوار، الذي كان يرى، قبل طوفان الأقصى، أن صورة الوضع الفلسطيني قاتمة، بعد ضرب الدول الإقليمية، التي كانت تهدد "إسرائيل" وإضعافها، وتطبيع معظم الأنظمة العربية مع الكيان الإسرائيلي عبر الاتفاقات الإبراهيمية، وبداية مشروع الممر الهندي الذي سيبدأ من آسيا إلى دول الخليج للتواصل بأوروبا عبر "إسرائيل"، وأدرك أنه تم نسيان الحصار على غزة واحتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية، ورأى أن أساليب المقاومة العسكرية والسياسية والمدنية، والتي كانت متبعة، ليست كافية لرفع الحصار عن غزة، وإطلاق سراح الفلسطينيين من السجون، وإنهاء الاحتلال والإذلال في الضفة الغربية والقدس. وإن المسيرة المدنية نحو السياج الذي حوّل غزة إلى سجن مفتوح لم تغير اللامبالاة الدولية التي تتوقع من الفلسطينيين أن يكونوا ضحايا صامتين.

أدى هذا التقييم إلى طوفان الأقصى. "وضع المحارب" نصب عينيه عملية احتجاز رهائن واسعة النطاق لإطلاق سراح من تركهم وراءه، بمجرد إطلاق سراحه من السجن في عام 2011. ومع صعود زعامته في غزة في وقت قصير، كان الإسرائيليون يسخرون منه كونه "المسيح الذي سينقذ فلسطين".

لماذا اختيار السنوار 

يؤكد اختيار مهندس طوفان الأقصى اعتقاداً مفاده أن المقاومة في غزة لم تفقد أمرها القيادي، وهي تستمر في المقاومة، وأن محاولات جر حماس إلى الاعتراف بـ"إسرائيل" ومواءمتها مع مصالح "الدولة اليهودية"، أُحبطت. ولا يبدو أن الثمن المفروض على غزة اليوم يثير أيّ تردد في هذا الشأن.

تأتي خطوة اختيار يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي بمنزلة الصدمة والمفاجأة غير المتوقعتين، لتعكس حقيقة مفادها أنّه لا يزال يقود بفعّالية كبيرة المقاومة على الأرض، ويظهر التماسك بين جناحي المقاومة العسكري في الداخل، والسياسي في الخارج، ويؤكد أن نتنياهو هو المسؤول الأول عن المأزق الاستراتيجي الذي وصلت إليه "إسرائيل".

اغتيال هنية كان مُصمَّماً في أحد جوانبه من أجل تقويض فرص التوصل إلى الصفقة وإعادة ترميم زعامة نتنياهو، لكن الاغتيال لم يحبط عزيمة المقاومة في غزة، ولن يرمّم مفهوم الردع الإسرائيلي.

أما استعراض قدرة "إسرائيل" على اغتيال قياديي الصف الأول في الجناح السياسي لحماس فلن يعوض الفشل في تحقيق انتصار. لم يكن في إمكان حماس السير بعيداً عن محور المقاومة، في الوقت الذي زاد قادة الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وأنصار الله والمقاومة الإسلامية العراقية التنسيق، ولعبوا أوراقهم من أجل منع انهيار المقاومة في غزة. التموضع في إطار ‎محور المقاومة أعاد التصويت لخيار ‎طوفان الأقصى ونهج المقاومة، فالمرحلة بدأها السنوار، وهو من سينهيها.

تم إرسال رسالة تحدٍّ واضحة إلى "إسرائيل"، وهي تعبير عن ثبات قرار المواجهة، في ظل التعنت الإسرائيلي، ورفض وقف إطلاق النار وقتل المفاوضات. وهي رسالة ضد الابتزاز والضغط، سياسياً وعسكرياً، من أجل انتزاع صورة النصر التي يبحث عنها الكيان، ورسالة مهمة نحو التماسك الداخلي وملء سريع للفراغ. جاء الاختيار نتيجة للمنحى الجديد الذي سلكته الحرب بعد التصعيد الإسرائيلي ومسار التصعيد الإقليمي.

كان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، يقول إن كل شيء يعتمد على السنوار. هو كان، ولا يزال صانع القرار الأساسي بشأن وقف إطلاق النار. وسيكون لزاماً على "إسرائيل" أن تتحدث إلى زعيم غير راغب في التراجع.

من ناحية أخرى، يؤكد اختيار السنوار أن المفاوضات تُحددها المقاومة على الأرض، وأنه سيتعين على الوسطاء التعامل منذ الآن فصاعداً معه من أجل تحديد أطر أي صفقة مُحتملة في المستقبل، لكن تبقى أولوية حماس الرئيسة إنهاء المذبحة التي ترتكبها "إسرائيل" في قطاع غزة، والتوصل إلى صفقة تُحافظ على المكاسب الاستراتيجية التي حققتها القضية الفلسطينية، بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر.

هل سيُنصت نتنياهو إلى رجل في النفق، وُلد في مخيم اللاجئين في خان يونس، وتشكّلت هويته من عنف الاحتلال، وأمضى 23 عاماً في السجن. ولم يبق لديه ما يخسره. إن العواقب، التي خلفتها حرب الإبادة الجماعية على فلسطين، وخيمة، لكنها ستنعكس سلباً على "اسرائيل" وشركائها، وهي ستدفع ثمن خطة "غزة بلا مقاومة"، التي أعدتها مع دول عربية. فهذه الخطة دُمرت مع المباني والمنازل في غزة.

سيصعب، من الآن وصاعداً، على بعض الجهات الفاعلة، التي تشعر بالحاجة إلى الانسجام مع "إسرائيل" والولايات المتحدة في مواقفها، والتي كانت تحض قادة حماس على اعتماد رؤيتها، العودة وإعادة حساب التكلفة. لا شك في أن من المنطقي أيضاً اختيار شخص في الخارج لإجراء اتصالات سياسية، بينما يدير السنوار المقاومة من أنفاق غزة تحت الأرض. إن أهمية الاسم الثاني للاتصالات والمفاوضات الخارجية ستزداد.

المسار السياسي ومحاولات إنهاء الحرب

يبدو أن الإسرائيليين قطعوا كل الطريق منذ السابع من أكتوبر ليجلسوا إلى الطاولة مع ألدّ أعدائهم. قد يضغط الجانب الأميركي على نتنياهو من أجل وقف إطلاق النار، بحجة أن إطالة أمد الحرب وتنفيذ الاغتيالات المتهورة يجعلان العدو أكثر خطورة. ويمكن أن يحاول ثني إيران وحزب الله عن الرد.

وبحسب الاتصالات التي قام بها وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في طهران، يبقى إعلان وقف إطلاق النار في غزة وسيلة لوقف الأعمال الانتقامية. والواقع أن تأخير الانتقام يعود إلى المفاوضات. وإذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار تحت ضغط أميركي، فإن الاتفاق سيكون في نهاية المطاف مع السنوار، الذي تتعقّبه "إسرائيل" من أجل قتله. هو الشخص الذي يسير على حافة الموت، ليقطع كل الطريق، من أجل الحصول على النتائج.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.