الإفراج عن رياض سلامة رسالة سلبية للمستثمرين والمودعين
الدولة اللبنانية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، باتخاذ إجراءات حازمة تبعث من خلالها برسالة واضحة: لا مكان في لبنان للفساد أو الفاسدين، ولا تخضع لمن سرق وبدد ودائع الناس.
-
اجتثاث الفساد وتعويض المتضررين ينبغي أن يكون أولويات الدولة (أرشيف).
أسوأ ما يمكن أن يصيب دولة أو مجتمعاً، هو أن يشعر المواطنون باختلال ميزان العدالة ويرى الناس المجرمين يفلتون من العقاب، فتضيع حقوق البشر وتسود شريعة الغاب.
خلال اليومين الماضيين، انشغل الرأي العام العربي بحدثين متناقضين؛ الأول في لبنان، حيث خرج حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة من السجن بكفالة مالية قدرها (14) مليون دولار رغم عِظم ما يواجهه من اتهامات، فيما الحدث الثاني في الصين، حيث قضت محكمة على وزير زراعة سابق بالإعدام مع وقف التنفيذ بعد إدانته بتلقي رشاوى تجاوزت (37) مليون دولار.
الحدثان، يكشفان بوضوح الفارق الكبير بين الدول والأنظمة التي تضع العدالة فوق الجميع، وتلك التي تتسامح مع الفساد والفاسدين، فالأمم والدول التي تقدّس العدالة هي من يقود العالم اليوم، بينما الدول التي تتساهل مع الفاسدين تقبع في ذيل الدول والأمم.
خلال الأشهر القليلة الماضية، كان اللبنانيون يعيشون حالة من التفاؤل الحذر إزاء إمكانية إحداث إصلاحات حقيقية في البلد الذي يعاني أزمة اقتصادية وسياسية عميقة، ولا سيّما بعد قرار قاضية التحقيق توقيف رياض سلامة بتهم التعدي على الدستور، والنيل من مكانة الدولة المالية، وإساءة استعمال السلطة، وممارسة المناورات الاحتيالية، وبث ثقة وهمية في القطاع المالي بهدف اجتذاب الودائع، وذلك إثر شكوى تقدّم بها رجل الأعمال العربي، الدكتور طلال أبوغزالة.
لكن، سرعان ما تبدد التفاؤل واستحال إلى يأس بعد قرار الإفراج عن سلامة، فسادت حالة من الاستياء بين مئات آلاف اللبنانيين والعرب ممن تضرروا من القرارات والسياسات والممارسات التي انتهجها رياض سلامة، في وقت كان فيه المودعون ينتظرون من الحكومة اللبنانية والقضاء اللبناني أن يُنصفهم ويعيد حقوقهم، ويُوقع أشدّ العقوبات بحقّ من ارتكبوا التجاوزات وتسببوا بانهيار القطاع المصرفي والمالي.
إن الدولة اللبنانية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، باتخاذ إجراءات حازمة تبعث من خلالها برسالة واضحة: لا مكان في لبنان للفساد أو الفاسدين، ولا تخضع الدولة لمن سرق وبدّد ودائع الناس، فاجتثاث الفساد وتعويض المتضررين ينبغي أن يكون أولى أولوياتها، وما عدا ذلك فإن استعادة ثقة المواطنين والمستثمرين ستظلّ حلماً لا يمكن تحقيقه..