الديمقراطية التركية.. لا للمعارضة بأي شكل كان

احتمالات خطيرة تنتظر تركيا على صعيد السياستين الداخلية والخارجية، وفي مقدمة ذلك تناقضات أنقرة في سوريا، وبشكل خاص تحقيق التوازن مع "إسرائيل" وأميركا.

0:00
  •  شعبية الرئيس إردوغان في تراجع مستمر.
    شعبية الرئيس إردوغان في تراجع مستمر.

مع استمرار الاعتقالات التي تستهدف رؤساء بلديات العديد من الولايات المهمة، وفي مقدمتها إسطنبول وأنطاليا وأضنة وأزمير، يبدو أن الرئيس إردوغان مصمم على التخلص نهائياً من المعارضة، السياسية منها والإعلامية بكل أشكالها، وخصوصاً تلك التي تتصدى لسياسته الداخلية والخارجية.

بعد يوم من قرار اللجنة القانونية التابعة للبرلمان إحالة ملفات زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزكور أوزال إلى اللجنة المختصة لرفع الحصانة عنه وعن عدد آخر من أعضاء البرلمان عن الحزب المذكور، ومعهم الرئيس المشترك لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب الكردي، فوجئ الجميع بقرار إحدى محاكم إسطنبول التي ألغت (الثلاثاء ٢ ايلول) قرارات المؤتمر الحزبي للشعب الجمهوري في إسطنبول، والذي عُقد بتاريخ ٨ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٣، وانتخب أوزكور جاليك رئيساً لتنظيم الحزب في المدينة.

ووفقاً لقرار المحكمة، تمت إقالة جاليك وأعضاء اللجنة التنفيذية من مناصبهم، كما قررت المحكمة إلغاء شرعية مندوبي الحزب الذين تم انتخابهم في المؤتمر المذكور، وعددهم ١٩٦ مندوباً أدوا دوراً مهماً في انتخاب أوزغور أوزال زعيماً للحزب في المؤتمر العام الذي عُقد في ٥ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠٢٣ ليحل محل كمال كليغدار أوغلو.

واكتسب قرار محكمة إسطنبول أهمية إضافية لتوقيته الزمني الذي جاء قبل أسبوعين من موعد انعقاد المحكمة في أنقرة في ١٥ الشهر الجاري، والتي يُتوقع لها أن تقرر مصير حزب الشعب الجمهوري. 

ومع انتظار ١٥ أيلول/سبتمبر القادم، إذ يتوقع الجميع للمحكمة أن تلغي المؤتمر العام للشعب الجمهوري، وهو ما سيعني إقالة أوزكور أوزال من منصبه (وربما وضعه في السجن في حال رفع الحصانه عنه) وإعادة كليغدار أوغلو لزعامة الحزب، لا تخفي الأوساط السياسية والإعلامية قلقها من التطورات المحتملة، بما في ذلك انفجار الوضع الأمني في حال خروج الملايين إلى الشوارع كرد فعل على سياسات الحكومة.

وتبين استطلاعات الرأي المستقلة أن شعبية الرئيس إردوغان في تراجع مستمر مع تقدم ملحوظ في شعبية أوزكور أوزال وأكرم إمام أوغلو، وتتوقع استطلاعات الرأي له أن يهزم إردوغان في الانتخابات القادمة.

 وقد دعا أوزال لإجرائها في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، متهماً إردوغان "بالقضاء على النظام الديمقراطي وإقامة نظام استبدادي لا مكان فيه لأي نوع من أنواع المعارضة وتحويل تركيا إلى دولة شرق أوسطية".

وقال أوزال: "إن المعارضة ستتصدى لاستفزازات إردوغان وعبر الانتفاضات الشعبية العارمة التي ستشهدها تركيا خلال الأيام القادمة كرد على سياسات الحكومة ضد الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك عام ١٩٢٠".

وتبيّن الاستطلاعات أيضاً أن الشعب الجمهوري يتقدم الآن على العدالة والتنمية بأربع نقاط، ويبدو أنها كافية بالنسبة إلى الرئيس إردوغان لرفض أي دعوة لإجراء الانتخابات قبل التخلّص من المعارضة السياسية والإعلامية برمتها، وحتى يتسنى له تغيير الدستور وضمان انتخابه لولايتين جديدتين بعد ٢٠٢٨، على أن يرشح بعد ذلك أحد أفراد عائلته، وربما صهره سلجوك بيرقدار الذي يملك مصانع الطائرات المسيرة ليكون خلفاً له. 

وفي جميع الحالات، وأياً كانت المفاجآت خلال الأيام القليلة القادمة، يبقى الرهان على الاحتمالات الخطيرة التي تنتظر تركيا على صعيد السياستين الداخلية والخارجية، وفي مقدمة ذلك تناقضات أنقرة في سوريا، وبشكل خاص تحقيق التوازن مع "إسرائيل" ومع أميركا، وخصوصاً في ما يتعلق بالملف الكردي سورياً، ولا سيما استمرار أنقرة في مساعيها لحل المشكلة الكردية عبر الحوار مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان من جهة، ومنع دمشق من أي معالجة سلمية للوضع شرق الفرات عبر الحوار مع قسد ووحدات حماية الشعب الكردية؛ الذراع السورية للعمال الكردستاني، من جهة أخرى.

وقد فشلت أنقرة في الاتفاق معه ومع زعيمه أوجلان على تفاصيل المرحلة المقبلة التي يرشح الكثيرون تركيا خلالها لمرحلة صعبة ومعقدة وخطيرة، وخصوصاً إذا انضم الكرد إلى صفوف المعارضة في مواجهتها لحكم الرئيس إردوغان الذي سيواجه حينها أخطر أزماته الداخلية، ومهما كان الدعم الخارجي له ما دام هذا الدعم لا يشمل المساعدات المالية العاجلة. ومن دونها، ستصل تركيا قريباً إلى حالة الإفلاس التام وفق كل التقارير الاقتصادية، التركية منها والأوربية والأميركية والدولية، والتي تتحدث معاً عن سيناريوهات كثيرة، وفي الوقت نفسه، خطيرة عن مستقبل تركيا القريب!

ويتوقع البعض للرئيس إردوغان أن يواجه هذه الاحتمالات بالتدخل العسكري المباشر والواسع والقريب في سوريا والبقاء هناك بهدف إلهاء الرأي العام الداخلي بقضايا "وطنية وقومية ودينية كبرى" تساعده على إسكات المعارضة نهائياً وضمان بقائه في السلطة لسنوات طويلة، كما هو الحال في معظم دول الشرق الأوسط.