السنوية الأولى لوقف إطلاق النار على لبنان!
لم تؤدِ الحرب الأخيرة على لبنان، سواء كانت الحرب العسكرية أو الحرب الأمنية، إلى نتائج حاسمة، فحتى إن كانت المقاومة قد تكبّدت خسائرـ فإن الحسم العسكري ما يزال معلّقاً.
-
ثمة تساؤلات عدة تحتاج إلى محاولة الإجابة عنها والرد عليها.
مع انقضاء السنة الأولى، وما بين وقف إطلاق النار بين "إسرائيل" ولبنان أو عدمه، في مثل هذا اليوم بالضبط من السنة الفائتة، ثمة مفارقات عديدة.
كذلك ثمة أسئلة أو تساؤلات عدة تفرض نفسها، وتحتاج إلى محاولة الإجابة عنها والرد عليها. من هنا، لا بد من الإدلاء ببعض الملاحظات وتدوينها، بقصد الإحاطة بهذه التجربة وتحديد الوضعية وتقدير الموقف لاستشراف المستقبل القريب غير البعيد.
الحرب العسكرية
لقد أثبتت المقاومة في لبنان جدارتها في مواجهة العدو الإسرائيلي في الميدان. والمقصود ساحة المعركة، بمعنى الحرب العسكرية أو المواجهة العسكرية المباشرة، لا سيما في ميدان البر، على خط الجبهة المفتوحة بين لبنان و "إسرائيل".
فقد تمكّنت المقاومة اللبنانية، وطيلة حرب الشهرين ونيف، من منع "جيش" العدو الإسرائيلي من اقتحام جنوب لبنان، بمعنى التوغل أو التسلل البري. وأجهضت محاولاته الهجوم البري.
وبالتالي وبالتبعية، أسقطت أطماعه في الاجتياح أو الاحتلال ورهاناته عليهما. وبقيت صامدة وثابتة على امتداد الحدود البرية، في حين قام العدو باحتلال بعض الأجزاء من الأراضي اللبنانية عن طريق القضم، بالمراوغة والمخادعة والمكابرة، في زمن السلم أو الهدنة أو وقف العمليات العسكرية أو الأعمال الحربية أو الأعمال العدائية، مع التحفظ على هذه التوصيفات، في مفارقة يجب التأمل والتفكر فيها!
الاختراق الأمني
أما في الجانب أو الشق الأمني لهذه الحرب، فقد قامت "إسرائيل" بتسديد عدد من الصفعات القوية والضربات القاسية للمقاومة في لبنان. هنا، برز التفوق الأمني، وليس بالضرورة الاستخباري، لدى الجانب الإسرائيلي، كما القدرة على الاختراق الأمني للمقاومة اللبنانية، بعيدًا من ديالكتيك النقاش حول الاختراق البشري أو الاختراق التقني، على خلفية وعلى أرضية الانكشاف الأمني للدولة اللبنانية - كل الدولة اللبنانية - منذ سنوات عديدة، أمام الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، أو ربما غيرها من المخابرات الأجنبية.
استمرت "إسرائيل"، مع وقف إطلاق النار، باعتداءاتها التي كانت تقع في خانة العمليات الأمنية، لا العمليات العسكرية، والتي قد تنتقل أيضًا إلى حيّز الاغتيالات الأمنية، في مفارقة أخرى، لا تقل أهمية، ولا خطورة، عن مفارقة أولى، سبقتها أعلاه.
الرهان على المسار الدبلوماسي
لم تؤدِ الحرب الأخيرة على لبنان، سواء كانت الحرب العسكرية أو الحرب الأمنية، إلى نتائج حاسمة أو محسومة، حتى وإن كانت المقاومة قد تكبدت الخسائر التي لا يجوز التقليل ولا التخفيف منها.
وعليه، فإن الحسم العسكري معلق، بالرغم من فائض القوة المفرطة لدى "إسرائيل"، غطرستها ومخاطرتها بها، بل مغامرتها ومقامرتها.
هو متعثر ومتعذر، ولا نقول إنه مؤجل. بيد أن الحل السياسي غير ممكن على هذا النحو. فأفق المسار الدبلوماسي مسدود هو أيضًا. فالاستدلال العقلي والمنطقي يقود إلى نتيجة واحدة، قد ترقى إلى مرتبة الحتمية العلمية، كما الحتمية التاريخية، مفادها ومؤداها أن "إسرائيل"، ومعها أميركا، لن تستطيعا إخضاع لبنان، ولا انتزاع ولا اجتثاث المقاومة منه، بالقوة الناعمة والقوة الذكية للدبلوماسية، إذ فشلت أو أخفقت القوة الصلبة للحرب؛ كما أن الدبلوماسية وحدها لا يمكنها تأمين وتوفير الحماية، من دون القوة، أو الحد الأدنى أو القدر المتاح منها.
عودة إلى الحرب؟
هكذا استقرت الحال، طيلة الفترة المنصرمة، على ما قد أصبحت عليه من هذا "الستاتيكو"، بما فيه كل المظاهر الشاذة، من بقاء الاحتلال واستمرار العدوان وعدم الإعمار، من بعد الإعلان عن دخول آلية وقف إطلاق النار حيز التنفيذ والتطبيق، ومن ضمنه وقف العمليات العسكرية أو الأعمال العدائية أو الأعمال الحربية.
لقد التزم لبنان، من جانبه، الرسمي، السياسي، العسكري، الشعبي، و"المقاوم"، بكل ما عليه. وفي المقابل، ضربت "إسرائيل" عرض الحائط قرار وقف إطلاق النار، وتنصلت من التزاماتها وتعهداتها كافة، وأمعنت في الإساءة إلى لبنان ومشروع إعادة بناء الدولة فيه، كما الشرعية الوطنية، وكذلك الشرعية الدولية، في مفارقة غير معقولة وغير مقبولة، لا تُطاق ولا تُحتمل، بميزان السيادة الوطنية والكرامة الوطنية ومقتضيات المصلحة الوطنية ومحدداتها.
سياسة المراجعة
بناءً على كل ما تقدم أعلاه، قد تغدو المراجعة واجبة وضرورية، وربما باتت ملحّة في الآونة الأخيرة. نعم، لا بد من مراجعة الكثير من الأمور.
على الدولة اللبنانية مباشرة هذه المهمة والاضطلاع بهذه المسؤولية، بمعنى اتخاذ كل من القرار أولًا والخطوة ثانيًا، بنية وبقصد التقييم والتقويم.
لا يجوز الاستمرار في المراوحة والمراوغة والتسويف، كما الدوران في هذه الحلقات المفرغة من الإرباك والارتباك والتخبط والتيه وانعدام الوزن والتوازن. ثمة قرارات وخطوات، لا بد لنا منهما.
وهما تفترضان الجرأة والشجاعة في مواجهة الواقع والحقيقة والموقف. ولا يجوز استمرار حالة الإنكار والانقطاع والانفصال عن الواقع والحقيقة والموقف من السلطة السياسية، غير المتوازنة بتركيبتها، وغير المتزنة بممارستها.
لا يمكن الخضوع والرضوخ للضغوط، الإملاءات والشروط. ولا يمكن التماشي والتماهي معها. كذلك، لا يمكن التنصل، ولا التحلل، ولا الإفلات منها، عن طريق الهروب إلى الأمام، أو من خلال ذر الرماد في العيون، أو من قبيل محاولات شراء الوقت الخاوية والواهية، أو التخفي أو التلهي أو التمني. فالحكم مسؤولية!
مهمة عملية تقييم النتائج التي تمخضت حتى تاريخه عن الحرب الأخيرة ما بين لبنان والطرف الإسرائيلي، وإن كانت هذه الحرب مستمرة ومتواصلة من جانب العدو فقط، بحيث تصبح عملية احتساب النتائج كافة وتقديرها في ميزان الأرباح والخسائر صعبة، وربما غير دقيقة أيضًا. لم تنته هذه الحرب بعد، لا بالضربة القاضية، ولا حتى بالاستنزاف المتمادي والقوة المفرطة. وعليه، يبقى كل شيء معلقًا - كل شيء - حتى إشعار آخر، وحتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.