الشرع في البيت الأبيض.. سوريا من حصة من؟

مع انتظار أولويات الإدارة الأميركية في التعامل مع نظام الشرع الجديد، فقد بات واضحاً أن الرئيس ترامب يرجح التعامل مع الرئيس إردوغان عن تعامله مع الحكام العرب.

0:00
  • التنسيق الأميركي- التركي لا يدري أحد هل وكيف سيلتقي مع الحسابات الاسرائيلية.
    التنسيق الأميركي- التركي لا يدري أحد هل وكيف سيلتقي مع الحسابات الاسرائيلية.

للمرة الثالثة، التقى الرئيس ترامب الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع، وهذه المرة في البيت الأبيض الذي دخله من بوابته الخلفية المخصصة للموظفين ومن دون أي استقبال رسمي.

فبعد لقائه الأول في ١٤ مايو/ أيار في الرياض، والثاني في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر أيلول /سبتمبر الماضي، رجّح الرئيس ترامب أن يلتقي الشرع هذه المرة في البيت الأبيض، ولكن دون أن يعامله معاملة الرئيس الشرعي المعترف به أميركياً ودولياً، إذ لم يستقبله في مدخل البيت الأبيض، ولم تعزف فرقة البحرية الأميركية النشيد الوطني السوري (نظام الشرع يسعى لتغييره كما قام بتغيير شعار الدولة والعلم)، ولم يكن في صالة الاجتماع أي علم سوري.

في الوقت الذي جلس الشرع والوزير الشيباني جنباً إلى جنب، ومعهما الوزير روبيو والسفير توم برّاك، بصفته المندوب السامي الأميركي في سوريا، على مقعد مشترك قبالة ترامب.

ورجح الشرع بدوره أن تكون ربطة عنقه الحمراء كربطة عنق ترامب، وكذلك قميصه الأبيض، وبعدما أثبت لنا جميعاً أنه لاعب كرة سلة جيد، وليس أقل مهارة من الجنرالات الأميركيين.

وبحث الشرع وإياهم (قبل لقائه ترامب) تفاصيل المرحلة القادمة في العلاقات العسكرية السورية - الأميركية، بما في ذلك إقامة القواعد الأميركية جنوب دمشق وشمال اللاذقية، مع التوقيع على اتفاقية جديدة تضمن بقاء القواعد الأميركية شرق الفرات إلى الأبد وبشكل رسمي. 

ومع تهرّب الجانب الأميركي من اتخاذ أي موقف رسمي يلبي كل مطالب الجانب السوري اقتصادياً ومالياً، وعلى الرغم إلغاء العقوبات على الشرع وحكومته، بما في ذلك تجميد العمل بقانون قيصر لمدة ستة أشهر.

فالجميع يعرف أن الهم الأكبر بالنسبة إلى الرئيس ترامب هو ضم سوريا إلى الاتفاقيات الإبراهيمية وتحقيق المصالحة النهائية بين "تل أبيب" ودمشق تحت حكم "الإسلاميين المتطرفين".

وهو الموضوع الذي كان ستيف ويتكوف وجاريد كوشنار يبحث تفاصيله مع نتنياهو (قبل لقاء ترامب مع الشرع) الذي يتمنى للتحالف الأميركي - السوري الجديد أن يكون في خدمته مباشرة.

فانضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد داعش وكل "أنواع الإرهاب" تتمنى "تل أبيب" له أن يشمل لاحقاً محاربة حزب الله والحشد الشعبي، بل وحتى حماس، ما دامت "منظمات ارهابية" وفق التصنيف الأميركي والأوروبي. الموقف الإسرائيلي هذا قيل إن ستيف ويتكوف وجاريد كوشنير قد نقلاه إلى الرئيس ترامب، وتم بحثه مع الرئيس الشرع، وهو في وضع لا يحسد عليه أبداً.

وإلا لماذا تمّ استدعاء وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى البيت الأبيض في الوقت الذي كان الشرع جنباً إلى جنب مع الرئيس ترامب الذي قيل إنه كان صريحاً وحازماً في كل مطالبه مع "زلمة إردوغان" على حد قوله.

وقد التقى فيدان على التوالي نائب الرئيس فانس ووزير الخارجية روبيو وستيف ويتكوف وتوم برّاك، ليعود ويلتقي الشرع ووزير خارجيته الشيباني، ولمدة ثلاث ساعات، ليتفق وإياه على صيغة العمل المشترك خلال المرحلة القادمة وفق  تعليمات وتوجيهات وأوامر من الرئيس ترامب.

التنسيق الأميركي- التركي لا يدري أحد هل وكيف سيلتقي مع الحسابات الاسرائيلية إلا أن المعلومات الصحافية تتحدث عن مساعٍ أميركية لإقناع ولي العهد محمد بن سلمان كي ينضم إلى هذا التلاقي الثنائي، ثم الثلاثي، الذي سيشرحه الرئيس ترامب لمحمد بن سلمان عندما يلتقيه في البيت الأبيض ١٨ الشهر الجاري.

على أن يكون الرئيس المصري عبّد الفتاح السيسي الضيف الأخير في البيت الأبيض في مسلسل التحركات الأميركية التي يتمنى لها الرئيس ترامب أن تحقق كل أهدافه الإقليمية، وبالتالي الدولية، وقبل نهاية العام الجاري.

ويتمنى ترامب لهذه الأهداف أن تزيد من قوة الأوراق التي سيساوم بها الرئيس بوتين عندما يلتقي خلال الفترة القريبة القادمة في العاصمة الهنغارية بودابست بحضور رئيس الوزراء فيكتور أوربان صديق بوتين وترامب وإردوغان، والأهم حليف نتنياهو.

وفي جميع الحالات، وأياً كانت صيغة التحالفات الإقليمية والدولية، فقد بات واضحاً أن من سيقرر مصير سوريا المستقبل هي تركيا التي حققت الكثير من المكاسب في المنطقة بعد ما يسمى بالربيع العربي الذي فتح أبواب المنطقة أمام حزب العدالة والتنمية.

وكان ذلك بضوء أخضر أميركي وروسي وإسرائيلي مشترك وبغياب أي دور للدول العربية بحكامها المتواطئين مع واشنطن التي أثبتت أكثر من مرة أن ما يهمها هو الأمن الاستراتيجي للكيان العبري، ليس فقط عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، بل أيضاً عقائدياً، أي دينياً، وفق الأساطير والنصوص التوراتية المحرفة لحكام هذا الكيان الذين قالوا أكثر من مرة إن حربهم مع العرب إنما هي وفق العقيدة اليهودية التي تطالبهم بإقامة "الدولة" العبرية الكبرى من النيل إلى الفرات بحدودها التي تمتد شمالاً حتى أرض الأناضول، وجنوباً حتى مكة المكرمة والمدينة المنورة، بل وحدود اليمن الأبي.

وكان الكيان العبري قد وضع من أجل اليمن العديد من الخطط، ليس الآن، بل منذ أكثر من ٦٠-٧٠ عاماً عندما تآمرت السعودية، وبدعم من إيران الشاه والكيان الصهيوني وبريطانيا وأميركا عام ١٩٦٣ ضدّ هذا البلد العربي الذي أثبت شعبه شجاعته بوقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني في غزة في الوقت الذي يتعرض هو أيضاً لعدوان سعودي-إماراتي مشترك منذ أكثر من عشر سنوات.

ومع انتظار أولويات الإدارة الأميركية في التعامل مع نظام الشرع الجديد، فقد بات واضحاً أن الرئيس ترامب يرجح التعامل مع الرئيس إردوغان عن تعامله مع الحكام العرب، ليس فقط لأهمية موقع تركيا الجغرافي، بل أيضاً بسبب حنكة إردوغان السياسية ونجاحه في فرض أجندته على المنطقة العربية منذ ما يسمى بالربيع، تارة بذكرياته التاريخية العثمانية، وتارة أخرى بالتنسيق والتعاون مع واشنطن.

ويبدو واضحاً أنها ستعترف لتركيا بالحصة الأكبر في الخارطة السورية شرط أن لا تكون هذه الحصة على حساب الكيان العبري، حتى إن كانت أكثر بقليل من حصة الكرد شرق الفرات، الذين تريد أنقرة لحصتهم أن تكون وبضوء أخضر أميركي جزءاً من الحصة التركية التي ليس للحكام العرب أي قول أو تأثير فيها!