الصراع الأميركي – الإيراني على أبواب الانتخابات العراقية

كل من المشهد السياسي الشيعي والسني مجزأ إلى حد كبير، ولا يتوقع أن تفوز أي مجموعة بأغلبية واضحة في انتخابات العام 2025.

  • هل من دور إيراني في الانتخابات العراقية يزعج الأميركي؟
    هل من دور إيراني في الانتخابات العراقية يزعج الأميركي؟

انسحبت القوات الأميركية من أكبر قواعدها في محافظتي بغداد والأنبار في سبتمبر/أيلول 2025 بناءً على اتفاق بين الحكومتين الأميركية والعراقية تم توقيعه في أواخر عام 2024 أما المرحلة الثانية سيكون توقيتها في سبتمبر أيلول عام 2026.

لكن قد يبقى بعض القوات بصفة استشارية، تم نقل القوات من قاعدة الأسد الجوية إلى إقليم كردستان شمال العراق أي إلى قاعدة أربيل الجوية/قاعدة حرير الجوية. الانسحاب الأميركي من العراق ليس كاملاً، بل انتقل إلى شراكة أمنية ثنائية جديدة.  تعتبر واشنطن وجود قواتها جزءاً من قتال داعش والعمل كقوة موازنة للنفوذ الإيراني. وتصر على وجودها في العراق كحاجز أمام النفوذ الإيراني في المنطقة. وهي ترى أنه من خلال الحفاظ على موطئ قدم عسكري، تستطيع مراقبة المجموعات القريبة من إيران.

تضع الولايات المتحدة يدها على الأصول العراقية وتودع عائدات النفط العراقي في صندوق تنمية العراق  في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك.

ورغم انتهاء التفويض الذي كان موكلاً إليها بموجب الأمر التنفيذي الرقم 13303 وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الرقم 1483 الذي انتهى عام 2011، تستمر في السيطرة على هذه الأموال من دون مساءلة، بل بالتبعية المالية حيث يتم توجيه عائدات النفط العراقية من خلال بنك الاحتياطي الفيدرالي، ما يتطلب من وزارة المالية العراقية طلب الأموال من وزارة الخزانة الأميركية لتغطية الاحتياجات الأساسية، ما يمنحها نفوذاً كبيراً.

وقامت بفرض عقوبات على عدد من البنوك وشركات الدفع الإلكتروني العراقية، متهمة إياها بتسهيل التحويلات غير المشروعة وتهريب الدولار، خاصة إلى الكيانات الخاضعة للعقوبات في إيران ولبنان. 

إيران والهيمنة الأميركية

العلاقة بين إيران والعراق هي علاقة تحالف استراتيجي مدفوعة بالترابط الديني والسياسي والاقتصادي والهوية الشيعية المشتركة.  فالعراق دولة ذات أغلبية شيعية، تتمتع بروابط دينية وثقافية قوية مع إيران، إضافة إلى الحج إلى الأماكن المقدسة في العراق.

ويتجلى النفوذ الإيراني من خلال دعم الأحزاب السياسية والفصائل الشيعية، إضافة إلى أن هذين البلدين شريكان تجاريان، حيث يعد العراق شريكًا تجاريًا مهمًا لإيران، ويمثل سوقًا حيويًا للسلع والخدمات الإيرانية، بما في ذلك الغاز والكهرباء، وهما شريان حياة اقتصادي لإيران، كما أن صادرات إيران إلى العراق شريان اقتصادي وفي عام 2024، قُدِّر حجم التجارة بأكثر من 12 مليار دولار سنويًا، مع توقعات بنموه.

أما جهود تعميق العلاقات الاقتصادية فهي تشمل تطوير البنية التحتية العابرة للحدود، مثل خط سكة حديد البصرة-شلمجه. وفي سبتمبر/أيلول 2025، وقّعت إيران والعراق اتفاقية من 21 بندًا لتعزيز التجارة والأمن والإدارة.  

يربط إيران والعراق تعاون أمني رسمي، مع توقيع اتفاقيات في عام 2023 وأغسطس 2025 لتعزيز مراقبة الحدود. وتهدف هذه الجهود جزئيًا إلى نزع سلاح جماعات المعارضة الكردية الإيرانية العاملة في شمال العراق. ويسعى العراق إلى تحقيق التوازن في العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران.

ومع تزايد الضغوط الأميركية والإسرائيلية على إيران، وقع العراق في مرمى النيران. مع اندلاع الحرب بين إيران وإسرائيل في يونيو/حزيران 2025، ومشاركة الولايات المتحدة، وتضمّن هجمات على كلا البلدين، ما أثر على العراق ودول أخرى في المنطقة. 

هل من دور إيراني في الانتخابات العراقية يزعج الأميركي؟

تتسم التحالفات السياسية العراقية بتقلبات شديدة. وكثيرًا ما تتغير وتعيد ترتيب صفوفها قبل الانتخابات وبعدها، حيث ينفصل بعض الأحزاب أو تُشكل شراكات جديدة. هذا يعني أن هيكل الحكومة قد يتغير بشكل كبير بين الدورات الانتخابية. هناك صراعات داخلية بين الأحزاب السياسية الشيعية في العراق في الفترة التي تسبق انتخابات 2025. الانقسامات الأساسية هي بين الإطار التنسيقي الحاكم والتيار الصدري، الذي أعلن مقاطعة الانتخابات. 

تعكس هذه التوترات صراعاً أوسع على السلطة وعلى السيطرة على الحكومة وموارد الدولة والنفوذ السياسي. فالإطار التنسيقي هو تحالف من الأحزاب السياسية الشيعية والجماعات المتحالفة مع إيران والتي شكلت الحكومة الحالية بعد انسحاب مقتدى الصدر من السياسة. ومع ذلك، من دون منافس مشترك، اشتدت الصراعات الداخلية بين المرشحين وقواهم السياسية.

يستعد الاتحاد الديمقراطي للترشح للانتخابات بقوائم متعددة ومنفصلة، مشيراً إلى أنه لن يتنافس ككتلة واحدة موحدة.: تشمل القوائم المحتملة مجموعات يقودها: رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إلى جانب هادي العامري ، قيس الخزعلي من عصائب أهل الحق وعمار الحكيم، في ائتلاف محتمل مع رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.

لا يزال التيار الصدري، بقيادة رجل الدين مقتدى الصدر، قوة رئيسية في السياسة الشيعية، فاعتبارًا من أكتوبر 2025، أعلن الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر مرارًا وتكرارًا عن قراره الحازم بمقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر إجراؤها في 11 نوفمبر 2025. ومع ذلك، فإن موقفه السياسي لا يزال غير قابل للتنبؤ، وله تاريخ في تغيير مواقفه.

تهدف مقاطعة التيار الصدري إلى تقويض شرعية العملية الانتخابية وتضع خصومه السياسيين في موقف صعب. ويمكن للقاعدة الصدرية أن تقلل بشكل كبير من إقبال الناخبين، ومع ذلك ، هناك تكهنات مستمرة حول عودته المحتملة إلى السياسة.  الصراع مستمر على النفوذ بين الفصائل السياسية الشيعية المدعومة من إيران، ولا سيما الإطار التنسيقي، والقوى الشيعية العراقية الأخرى مثل التيار الصدري. يدور الصراع حول تأمين السيطرة على المناصب الحكومية والموارد المالية والنفوذ السياسي،

تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد فائز واحد لجميع الأحزاب الشيعية في الانتخابات العراقية. فالمشهد السياسي الشيعي يضم فصائل وكتلًا متنافسة متعددة، وقد تختلف النتائج بين الانتخابات الوطنية والمحلية. ولا يشكل الحزب الحاصل على أعلى الأصوات الحكومة دائمًا، إذ يتطلب النظام السياسي العراقي مفاوضات معقدة وتشكيل ائتلافات بين مختلف المجموعات. علاوة على ذلك، قد تتغير التحالفات بين الأحزاب الشيعية بشكل كبير، توضح الإجراءات الحكومية الأخيرة كيف تستمر الديناميكيات الطائفية في تشكيل السياسة العراقية.

كل من المشهد السياسي الشيعي والسني مجزأ إلى حد كبير، ولا يتوقع أن تفوز أي مجموعة بأغلبية واضحة في انتخابات العام 2025. وهذا يعني على الأرجح فترة طويلة أخرى من المفاوضات الصعبة حول تقاسم السلطة، والتي أدت تاريخياً إلى تفاقم التوترات الطائفية

الحد من النفوذ الإيراني طموح أميركي 

إن الحد من نفوذ إيران السياسي والاقتصادي والعسكري في العراق هو هدف أميركي طويل الأمد.

تضغط الولايات المتحدة على الحكومة العراقية لتأكيد سيطرة الدولة الكاملة على جميع الجماعات المسلحة، ولا سيما قوات الحشد الشعبي وتلك التي تعمل خارج سلطة بغداد.

ودفعت واشنطن العراق إلى تقليل اعتماده على واردات الكهرباء والغاز الإيرانية. وتدعو إلى تعزيز القوى السياسية العراقية الأقل انحيازاً إلى طهران في الانتخابات.

يتمثل جزء أساسي من سياسة الولايات المتحدة في الضغط على الحكومة العراقية من أجل الابتعاد عن دمج الحشد الشعبي والفصائل التي تعتبر مقربة من إيران.

في نيسان/أبريل 2025، تم تقديم مشروع قانون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري بعنوان "قانون تحرير العراق من إيران" إلى الكونغرس. ويقترح مزيداً من الإجراءات لتفكيك الحشد المرتبط بإيران من خلال فرض عقوبات على الجماعات والشخصيات السياسية العراقية الرئيسية المرتبطة بها. كما أنه سيفرض استراتيجية لمواجهة النفوذ الإيراني. 

تحتفظ الولايات المتحدة بقناة دبلوماسية مع الحكومة العراقية لإدارة التوترات وتنسيق مستقبل العلاقة الأمنية. غالباً ما يجد رئيس الوزراء العراقي نفسه في موقف صعب، حيث يوازن العلاقات بين واشنطن وطهران. 

تواصل إدارة ترامب سياسة "الضغط الأقصى" على إيران وتراقب وزارة الخزانة الأميركية التحويلات المقومة بالدولار لتعطيل التدفقات المالية.

عززت الولايات المتحدة العقوبات من خلال تصنيف أربع مجموعات عراقية متحالفة مع إيران رسمياً كمنظمات إرهابية أجنبية، وكما هو مقترح في "قانون تحرير العراق من إيران"، تهدد بتوسيع نطاق العقوبات لتشمل مؤسسات الدولة العراقية الرئيسية، مثل مصرف الرافدين و"المؤسسة العامة لتسويق النفط"، إذا تبين أن لها صلات بتمويل الفصائل.

العديد من المجموعات العراقية المتحالفة مع إيران هي أيضاً جزء من قوات الحشد الشعبي العراقية التي تقرها الدولة. وهذا يجعل من الصعب تنفيذ سياسة الضربات العسكرية والعقوبات من دون زعزعة استقرار الهيكل الأمني العراقي وسياسته الوطنية. كما أنه يصعب التخلص من النفوذ الاقتصادي والسياسي الإيراني الطويل الأمد في العراق، بما في ذلك من خلال توفير الكهرباء والشراكات التجارية الاستراتيجية، ويخلق تبعات تعقد الجهود الأميركية.