العالم يتغيَّر.. واللاعبون أيضاً

سوق الهابطين تتَّسع يوماً بعد يوم، وتشمل دول التبعية القطرية التي لم تتورَّع عن التنازل عن كل المواقع السيادية للسيد الأميركي.

  • هذا هو الإطار العام لرقعة اللعبة الجديدة والاتِّجاهات والقواعد للَّعِب وللاّعبين.
    هذا هو الإطار العام لرقعة اللعبة الجديدة والاتِّجاهات والقواعد للَّعِب وللاّعبين.

العالم يتغيّر، والخرائط واللاعبون وقواعد اللعب، والحمقى وحدهم يواصلون الإنكار ودفن رؤوسهم في الرمال. وإذا كنا في حقبة الرأسمالية الممتدة عبر قرون، من القرن السادس عشر إلى يومنا هذا، فإن قوانين هذه الرأسمالية تحفر قبرها. فكلّما تقدَّمت الرأسمالية تقدَّمت معها الثورتان التقنية والمعلوماتية، وقذفتا ملايين الناس خارج سوق العمل، وفق مهندسَي الليبرالية المتوحشة (فون هايك وميلتون فريدمان).

أخذت الرأسمالية تهرب من أزمتها عبر افتعال الحروب وإنتاج أشكال جديدة من الفاشية والمالثوسية والداروينية الاجتماعية، تحمّل فيها القوى العاملة، غير البيضاء، مسؤوليةَ أزمتها البنيوية، ومواصلة أوهام التجديد التلقائي للسوق وآلياتها. 

هكذا تخلخلت العلاقات بين المركز والمحيط، بحسب سمير أمين ووالرشتاين، ومدرسة فكّ التبعية بصورة عامّة، واقتربت الصين، ومعها روسيا الأوراسية، من تبادُل الأماكن في قلب هذه النظرية.

هذا هو الإطار العام لرقعة اللعبة الجديدة والاتِّجاهات والقواعد للَّعِب وللاّعبين، فلم تعد المتروبولات الرأسمالية والإمبرياليات الكبرى سيدةَ العالم بلا منازع، ولعلّها باتت قاب قوسين أو أدنى من اللَّحاق بخصمها السابق، كما لاحظ مفكّر الإمبريالية الأعظم، بريجنسكي، في كتابه المبكّر "أميركا بين عصرين"، والصادر عام 1970، وكما توقّع أيضاً كتاب بول كينيدي "نشوء الدول الكبرى وسقوطها"، وملخَّصه أن الإفراط في التمدُّد العسكري الخارجي، كصِمَام أمان لهيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي، لم يخدم الأمن الاستراتيجي في المدى الطويل، وكان من الصعب دوماً العودة إلى الوراء، من الثورة المعلوماتية، إلى الثورة الصناعية، وخطوط الإنتاج التقليدية وقواها الاجتماعية، أو الاسترشاد بنظرية الوسط الذهبي عند أرسطو. 

بالإضافة إلى بداية العدّ العكسي للإمبرياليات الرأسمالية، ثمَّة تحوُّلات أُخرى بشأن الوزن النسبي للاعبين الآخرين. ففي مقابل صعود الصين وروسيا الأوراسية، كإمبراطوريتَين بريَّتَين ذاتَي إمكانات بحرية، ثمة ما يقال بشأن تحوُّلات في السلطة على مستوى المفهوم والعالم برمته، بحسب المفكّر الأميركي آلفين توفلر، في كتابَيه المعروفين ("تحوُّل السلطة"، و"صدمة المستقبل")، تنعكس على هؤلاء اللاعبين الآخرين، وهم:

-  الصاعدون الدوليِّون، بالمعنى الاستراتيجي، الصين وروسيا الأوراسية والقوس الكبير لائتلاف "البريكس"، في كلّ أسواقه وموارده وكتلته الديموغرافية، بحيث يعاد تشكيل العالم اليوم، انطلاقاً من هذا القوس ومجالاته الحيوية، من آسيا الوسطى إلى الباسيفيك.

-  المعسكر الذي كسب أخطر المواجهات في أكثر المناطق حساسيةً للمصالح والممرات البرية والبحرية الاستراتيجية، في العقود الأخيرة (إيران؛ سوريا؛ حزب الله).

-  الصاعدون الإقليميون حول العالم، مثل البرازيل والهند ومصر وفيتنام والمكسيك وجنوب أفريقيا والنمور الآسيوية، مع ملاحظة، أو استدراك ضروري يتعلق بالوزن النسبي لكل من هذه القوى، في ضوء التنافس الشديد بين بعضها البعض في أسواق متشابهة. فالأيدي العاملة الرخيصة والأسواق الكبيرة لبلدان، مثل إندونيسيا وماليزيا وفيتنام، من شأنها أن تُضعف بلداناً شبيهة، مثل تركيا، وتعزّز أزمتها الداخلية، وتطيح أوهامَها في انتظار نهاية مئوية اتفاقية لوزان وقيودها. 

-  الصاعدون تِقْنيا (المبرمجون).

-  الصاعدون خارج الشرعية (المافيات وغاسِلو العملة والأُوف شور والملاذات الضريبية).

-  الصاعدون في لعبتَي الإعلام والميديا.

في المقابل، فإن سوق الهابطين تتَّسع يوماً بعد يوم، وتشمل: 

-  دول التبعية القطرية التي لم تتورَّع عن التنازل عن كل المواقع السيادية للسيد الأميركي: الخارجية؛ الدفاع؛ التخطيط والقرار الاقتصادي، بحيث تتحوَّل هذه البلدان إلى ما يشبه البلديات الكبرى.

-  قوى الإسلام الأطلسي، في كل تعبيراتها. وليس بلا معنى السقوطُ المدوّي لها في البلدان العربية، الواحد بعد الآخر. ومن المؤكد أن فشلها وهزيمتها أمام الجيش السوري وقوى المقاومة الرديفة في سوريا والعراق، ثم أمام الجيش المصري في سيناء، أفسحا المجال لسقوطها كما أحجار الدومينو، في: تونس والمغرب، والبقية بالتتالي.

هذا الأمر يساعد على تهيئة المسرح لتراجع سائر المحور (التركي – الإخواني – القَطري).

وكما ذكرنا فيما يخصّ تركيا، فإن ظهور منافسين لها في أسواقها التقليدية يحوّلها، بالتدريج، من قوة إقليمية صاعدة إلى قوة مأزومة، كما أظهرت نتائج انتخابات البلديات الكبرى، والتي ذهبت إلى "حزب الشعب" المنافس، بالإضافة إلى سقوط رهاناتها على توظيف الإسلام السياسي في أغلبية البلدان العربية.