الغاز اللبناني من منظار إسرائيلي

يقع لبنان في موقع جغرافي مميز، جعله يتمتّع بتأثير "جيبولوتيكي" في الدول المحيطة به. ومن أسباب تمتّع لبنان بهذا التأثير، امتلاكه ثروات مائية وغازية فضلاً عن متاخمته الحدود الفلسطينية المحتلة.

  • الجانب الإسرائيلي يعلم أن لبنان لن يفرط بثروته الغازية (أرشيف).
    الجانب الإسرائيلي يعلم أن لبنان لن يفرط بثروته الغازية (أرشيف).

لطالما كانت ثروة لبنان المائية سبباً من أسباب الحروب الإسرائيلية عليه، والسيطرة على منابع هذه الثروة.

 برزت في الآونة الأخيرة وفق التقارير أن لبنان يتمتّع بثروة غازية ضخمة تقدّر بـــ"164 مليار دولار"، فيما أكدت دراسة أخرى أنها 500 مليار دولار. ويأمل لبنان استخراج غازه من المتوسط وتصديره، وسداد ديونه وتحوّله إلى بلد نفطي معافى اقتصادياً.

إلا أن تمتّع لبنان بمصادر الغاز ونيته الاستفادة منه، فضلاً عن موقعه الجغرافي شكّلت له جميعها أزمة تمثّلت في صراع دولي على غازه والسيطرة عليه، وعلى خطوط مساره من باب تصديره إلى الدول وخصوصاً الدول الأوروبية. وتراهن بعض الدول على أزمات لبنان الاقتصادية والاجتماعية والوضع السياسي الداخلي في عدم الاستفادة من مخزونه من هذه المادة الحيوية. ومن هذه الدول الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل"، لكون أميركا هي المفاوض بين لبنان والكيان الصهيوني في موضوع الغاز، ولكون أميركا تسعى للمحافظة على مكانتها الدّولية، وعلى أمن الكيان الصهيوني واستمراريته في آن واحد.

تراهن "إسرائيل" على الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، التي يمر بها لبنان للضغط عليه في موضوع الغاز وإجباره على تقديم تنازلات في موضوع الثروة الغازية. ويرى المعلّقون في كيان العدو أن موضوع الغاز في شرقي المتوسط، لا يمكن فصله عن مجموعة ملفات وساحات لمواجهة الحضور الإيراني وأدواته على حدّ تعبيرهم. الكاتب الإسرائيليّ تسفي برئيل، في مقالة له في صحيفة "هآرتس" قال: إن "صنبور الغاز والوقود اللبناني موجود في "إسرائيل". وهذا دليل عن نية العدو استغلال الأزمة الاقتصادية في لبنان.

ويضيف الكاتب الصهيوني هدار شوارتس في مقال له على موقع شركة "Yalin lapid"،: "إن الأمر، ومرة أخرى من وجهة نظر مفهوم "الاستعمار المائي"، سيجعل طاقة لبنان مرهونة بعلاقات غير متكافئة مع "إسرائيل"، بمعنى أن إسرائيل ستكون شريكاً في استخراج مصدر الطاقة الأهمّ لدى اللبنانيين، وهذا الأمر قد يوفّر لها هامشاً عريضاً من المناورة، والتحكّم غير المباشر بشؤون لبنان القومية، إضافة إلى ما يترتّب على ذلك من ليّ ذراع الأحزاب اللبنانية، التي تتصارع مع إسرائيل".

 ويقول عاموس يادلين، رئيس الاستخبارات الإسراىيلية السابق: "لم تقتصر الجهود الدبلوماسية الإسرائيلية على الموقّعين على اتفاقيات أبراهام إذ استفادت "إسرائيل" من احتياطياتها الجديدة من الغاز البحري، وتوصّلت إلى اتفاقيات لبيع الغاز لمصر والأردن، وبعضها ينتقل إلى لبنان عبر سوريا. كذلك انضمت إلى منتدى غاز شرقي المتوسط ومقره القاهرة، ويضم: قبرص ومصر وفرنسا واليونان و”إسرائيل” وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية من بين أعضائه. وساعدت هذه المبادرات أيضًا في توسيع الفرص الاقتصادية الأخرى، مثل شراكة الطاقة في مقابل المياه بين "إسرائيل" والأردن والإمارات."

وفي دراسة صادرة اليوم من إعداد معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بعنوان: "قرش في مياه البحر المتوسط" للكاتبة المختصة بالشأن اللبناني، أورنا مرزاحي، تقول إن "الجانب اللبناني وحزب الله تحديداً يلمحان إلى إمكان رد مباشر من جانبهما، وأن الجانب اللبناني يعتبر العدوان على الثروة الغازية يعادل العدوان الصهيوني عام 2006 ".

 على الرغم من هذه التصريحات العالية، التي يطلقها المعلقون والقادة في كيان العدو والآمال المعلقة على الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بغية الاستفادة من الغاز، ثمة آراء خافتة وخافتة بدأت تبرز في معاينة موضوع الغاز تجاه لبنان، وأهمّها كلام وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس، يوم الاثنين، الذي جاء فيه أن موضوع استخراج الغاز يُحلّ بالوسائل الدبلوماسية مع الوسيط الأميركي، وفقاً لموقع "والاه العبري"، وفي تصريح مشترك آخر لكل من وزراء الحرب والدفاع، والطاقة في كيان العدو": أن "إسرائيل" لن تنقّب في المنطقة المتنازع عليها"، ويتحدث الكاتب، يوغاف كارميل في مقال له على موقع "القناة ١٢ الصهيونية" فيقول: إن "تنامي المخاطر الأمنية يجعل البحر المحيط غير هادئ أبداً، وهو ما يجعل أيضاً العيون مفتوحة باستمرار على السواحل، من خلال الشاشات العملاقة المثبتة حديثًا، حيث يمكن رؤية كل هذه الشواطئ في أي مكان، وفي أي لحظة، خصوصاً أن التهديدات الأمنية تنتقل باستمرار بين جبهاتها العديدة على الأرض، تمهيداً لدخول السفن البحرية في مرحلة "إجراء الحقن القتالي"، خصوصاً مع ازدياد تعقيد التهديدات التي تتعرّض لها "إسرائيل"، ما يزيد مكانة سلاح البحرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وانحياز الاحتلال إلى قدرات بحرية متفوقة على من سواها من القوى والدول المعادية، لن يزيل التهديد البحري من أجندتهم".

 وفي هذا السياق أيضاً يشير الكاتب نعوم أمير في موقع "١٢ الصهيوني" إلى أنه "يجب أخذ التهديدات اللبنانية مأخذ الجد، من أجل ضمان منشأة اقتصادية وإستراتيجية، فهذا جزء مهم من السياسة العسكرية الإسرائيلية.

ان الجانب الإسرائيلي يعلم أن لبنان لن يفرط بثروته الغازية وخصوصاً في بضوء التعويل على الأرباح من عملية استخراج الغاز للخروج من أزماته الاقتصادية والاجتماعية والشلل في مرافق الدولة اللبنانية، وخصوصاً بوجود ورقة قوية في أيدي اللبنانيين هي وجود مقاومة قادرة صادقة تقف خلف الدولة اللبنانية، ويدرك الإسرائيلي أهمية تهديدات المقاومة وأمينها العام السيد حسن نصرالله، الذي له صدقية كبيرة في وجدان الصهاينة.