الكفّ الإيراني في مواجهة المخرز "الإسرائيلي".. لمن تكون الغلبة؟
أوراق القوّة في إيران تتمثّل في قيادتها الحكيمة والرصينة، والتي وإن كانت تضم بين جنباتها أعراقاً شتّى، ولا تخلو في كثير من الأحيان من الاختلافات، إلا أنها تُعتبر من أكثر القيادات كفاءة على مستوى العالم.
-
الجغرافيا الإيرانية المتنوّعة تمنح إيران مساحة لاستيعاب أي ضربة.
قد يبدو العدوان الغادر الذي تعرّضت له الجمهورية الإسلامية في إيران، ولا سيّما الجزء المتعلّق منه باغتيال كبار قادة الحرس الثوري، إلى جانب عدد من العلماء النوويين المخضرمين، قد يبدو خارقاً للعادة، ويمكن له أن يُصيب "دولة" الكيان الصهيوني بكثير من النشوة بعد هذا النجاح اللافت.
وفي حقيقة الأمر كان يُمكن لنا ولغيرنا أن نعتبر هذا الفعل مُبهراً ومُذهلاً لو أن "الدولة" العبرية قامت به وحدها، أو أنها لم تتلقّ أي مساعدة استخبارية أو عسكرية قبل وأثناء تنفيذه، وحتى أثناء محاولة التصدّي للرد الإيراني الذي كما يبدو ما زال في بداياته.
إلا أنه وفي حقيقة الأمر، وكما تشير كل الدلائل والمؤشرات، وفي مقدمتها تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وإدارته الصهيونية بامتياز، فإن "إسرائيل" لم تكن سوى رأس الحربة في هذا العدوان ليس أكثر، وأن جبهة كاملة من دول وجماعات محور الشر شاركت في التخطيط والتنفيذ لهذا العدوان الغادر، والذي كما يبدو تم التجهيز له منذ ولاية الرئيس الأميركي المنصرف جو بايدن، وجُنّدت من أجله دول إقليمية وعالمية، إلى جانب مجموعات محلية ارتبطت منذ سنوات طويلة بأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية والبريطانية.
في مثل هذه الأوضاع المعقّدة والمفتوحة على كل الاحتمالات، والتي تتطلّب حكمة ورصانة في مواجهة التداعيات الناشئة عنها، تبدو الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواجهة مجموعة من التحدّيات التي لا نراها أقلّ خطورة من تلك التي تعرّضت لها بعد ثورة الإمام الخميني رضوان الله عليه، بل ربما تكون أكثر خطراً منها، إذ إن التغيّرات التي نشأت خلال السنتين الأخيرتين على وجه التحديد، ولا سيّما بعد انطلاق معركة طوفان الأقصى، والتي كان من أهمّها حالة "الهيجان" الممنهجة التي أصابت المجتمع الإسرائيلي وقيادته السياسية والعسكرية، والتي جعلتها تستخدم كل ما في جعبتها من أسلحة وقدرات عسكرية هائلة ضد مئات الآلاف من المدنيين العزل في قطاع غزة، إلى جانب توجيه جزء من تلك الإمكانيات من أجل تنفيذ مخطّطات تم وضعها منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وعلى رأسها تهجير الفلسطينيين من أرضهم، إضافة إلى إحداث تغيير ديمغرافي عبر قتل عشرات الآلاف منهم ،ولا سيّما من فئتي النساء والأطفال، تلك التغيّرات المدعومة من كل محور الشر في العالم، والذي شرّع أبواب مخازن سلاحه على مصاريعها لتنهل منه "دولة" الاحتلال كما شاءت، وجيّر كل إمكانياته المادية والإعلامية والسياسية من أجل الدفاع عن جرائمها ومذابحها، تُحيط المواجهة الحالية بمروحة واسعة من التحدّيات، وتجعلها على قدر عالٍ من المخاطر، خصوصاً في ظل افتقار إيران لبعض مصادر قوتها السابقة، والتي كان يوفرها لها وجود دولة صديقة مثل سوريا في عهد النظام السابق، إضافة إلى حزب الله اللبناني، حليفها القوي والموثوق، والذي يمر بمرحلة تعافٍ بعد ما تعرّض له هو الآخر من خسائر بعد تدشين جبهته المساندة لقطاع غزة .
أمام هذه الوقائع التي تضع إيران شبه وحيدة في مواجهة حلف واسع من القتلة والمجرمين وشذّاذ الآفاق، يعتقد البعض أن فرص الجمهورية الإسلامية في تحقيق الانتصار، أو على أقل تقدير الخروج بأقل قدر من الخسائر ضئيلة، وأن قدرتها على الفعل لن تكون بالشكل الذي يمنحها القدرة على إحداث الفارق المطلوب، ولا سيّما في ظل اختلال موازين القوى الواضح لمصلحة الطرف الآخر، إضافة إلى جملة من العوائق والأزمات التي خلقها الحصار الطويل الذي تتعرّض له منذ أكثر من ستة وأربعين عاماً.
إلا أنه بقليل من التحليل الموضوعي الهادئ، والبعيد عن التأثّر ببروباغاندا الإعلام الموجّه، والذي اجتهد منذ بداية العدوان لبثّ الكثير من سمومه كما جرت العادة، لإشاعة حالة من الهزيمة النفسية في أوساط الشعب الإيراني العزيز، مضافاً إليه أنصار محور المقاومة في المنطقة، يمكن لنا أن نرى الكثير من بقع الضوء في خضم هذا المشهد المُظلم، والتي من المؤكد انها تُمثّل أوراق قوة في أيدي القيادة والشعب الإيرانيين، وبإمكانها المساعدة في صناعة نصر تاريخي وغير مسبوق للأمة الإيرانية العظيمة، ومن خلفها النظام الإسلامي الصلب ،والذي قاد سفينة البلاد طوال هذه السنوات الصعاب إلى بر الأمان، رغم ما تعرّضت له من عقبات وأزمات.
في مقدّمة هذه الأوراق يأتي الشعب الإيراني العظيم، والذي كان على الدوام الجدار الصلب الذي تتحطّم عليه كل مخطّطات الأعداء، وتتوقّف أمام صموده وعنفوانه كل مغامرات الأشرار وسفاكي الدماء.
فالشعب في إيران يكاد يختلف عن كل شعوب العالم، إذ إنه ومنذ انحيازه لثورة الإمام الراحل رضوان الله عليه، وبعد أن دفع ثمناً كبيراً من دماء شبابه في مواجهة عصابات "السافاك" المجرمة، ما أدّى في نهاية الأمر إلى سقوط نظام الشاه العميل، وإلى انتصار واحدة من أعظم الثورات خلال التاريخ الحديث، والتي شكّلت حجر الأساس للعديد من الثورات الأخرى، وكتبت تاريخاً جديداً في المنطقة، كان عنوانه الأساس رفض الظلم، وتحرير الشعوب والأوطان، وتقديم خيار المقاومة في وجه أعداء الأمة على ما سواه من خيارات، منذ ذلك الوقت وهذا الشعب ما زال متمسّكاً بخياراته التي عاهد عليها الله منذ انطلاق ثورته العظيمة، ولم يتراجع رغم حملات التخويف والتهديد المتلاحقة، والتي لو وُجهّت إلى شعب آخر لرفع رايات الاستسلام منذ أمد بعيد.
ثانية أوراق القوّة في إيران تتمثّل في قيادتها الحكيمة والرصينة، والتي وإن كانت تضم بين جنباتها أعراقاً شتّى، وتوجّهات عدّة، ولا تخلو في كثير من الأحيان من الاختلافات والاجتهادات، إلا أنها تُعتبر من أكثر القيادات كفاءة على مستوى العالم، كيف لا وقد استطاعت أن تقود البلاد في أحلك الظروف وأكثرها صعوبة، وأن تواجه بما تملكه من ذكاء وحسن إدارة سيلاً من الأزمات المفتعلة ،والضغوط المختلقة، بل إنها تمكنت خلال سنوات الحصار التي كانت تبدو للبعض بأنها سنوات عِجاف، من تحويل الدولة الإيرانية إلى واحدة من أهم دول العالم على الكثير من الصُعد، وإلى نقل الجمهورية الإسلامية إلى مصاف الدول المتقدّمة علمياً وطبّياً وثقافياً وعسكرياً ،إضافة إلى المجال الاقتصادي الذي شهد بدوره نقلة نوعية، ولولا الحصار الظالم لباتت إيران واحدة من أغنى دول العالم .
الجغرافيا في إيران هي الأخرى تُعتبر واحدة من أكثر نقاط القوة التي تتمتّع بها الجمهورية الإسلامية ،إذ إن مساحتها الواسعة التي تزيد على المليون كيلومتر مربع، إضافة إلى طبيعة الأرض التي تتنوّع بين الجبال والوديان، إلى جانب ما تحتويه تلك الجغرافيا من مصادر هائلة على مستوى الثروة المائية، والزراعية، كل ذلك إلى جانب الكثير من المميزات الأخرى تضع إيران في مصاف الدول الكبرى الضاربة جذورها في عمق اليابسة، وهذا الأمر تحديداً يمكنه أن يمنحها الكثير من عوامل القوة في مواجهة أي عدوان خارجي، أو أي تحرّكات داخلية قد يقوم بها أعداء الدولة المتحالفين مع قوى الشر، وهو الأمر الذي جرى في مراحل متعددة من عمر الدولة، ولم يحقق أي نجاح يُذكر خلال كل تلك المحاولات .
الجغرافيا الإيرانية المتنوّعة، والواسعة، تمنح إيران كذلك مساحة واسعة لاستيعاب أي ضربة حتى لو كانت كبيرة ونوعية، وتُعطيها القدرة على امتصاصها بأقل الخسائر الممكنة، بل وتحويل تلك الضربة إلى قوة دفع في الاتجاه العكسي، بما يمكّنها من الرد عليها، وتحويل التهديد إلى فرصة أكيدة لرد العدوان وإسقاط مخطّطاته.
أوراق أخرى من قبيل التطوّر العسكري والحنكة السياسية، والتي لا تقلّ أهمية عن سابقاتها التي استعرضناها أعلاه، تجعل الجمهورية الإسلامية في إيران تملك كل المقوّمات التي تجعلها تواجه العدوان بكل قوة واقتدار، وتمكّنها من إفشال كل ما يخطّط له أعداؤها، والذين كما يبدو يسعون لتحقيق ما عجزوا عنه طوال السنوات الست والأربعين الماضية، مستخدمين مروحة واسعة من الإمكانيات، ومعتمدين على تشكيلة متعدّدة من التحالفات.
قبل حوالى ثلاثة عشر عاماً تقريباً، قُدّر لي ان أزور الجمهورية الإسلامية في إيران لحضور مؤتمر أُقيم خصّيصاً لنصرة الشعب الفلسطيني، ومساندته في الحصول على حقوقه المشروعة، في ذلك الوقت أُصبت بالدهشة من قدرة هذه الدولة العظيمة على التكيّف مع تداعيات الحصار، والذي أصاب كل مناحي الحياة فيها، ومن قدرة هذا الشعب العزيز وقيادته المقتدرة على استغلال هذا الحصار للانطلاق نحو نهضة علمية وثقافية وصناعية وعسكرية قل نظيرها، بل والذهاب بعيداً في تأسيس دولة تضاهي بل وتتفوّق على كثير من دول المنطقة والعالم.
هذه الدولة العظيمة بشعبها وقيادتها، يكاد يكون من المستحيل أن تسقط او تنكسر أمام شرذمة من القتلة والمجرمين وصنّاع الحروب، وهي تملك كل المؤهلات التي تجعلها تخرج من هذه الأزمة أكثر قوة، وقدرة، وتصميماً على مواصلة المشوار.