المعمعة الحالية المرتبطة بفيروس كورونا والتوقعات المرتقبة

لقد تبين مؤخراً أنَّ كمية الأجسام المضادة الناتجة من تلقي اللقاحات تبدأ بالتراجع بعد ما يقارب 6 أشهر من تلقّي اللقاح

  • من الخطأ أن يعتقد متلقّي اللقاح أنه محميّ كلياً من الإصابة
    من الخطأ أن يعتقد متلقّي اللقاح أنه محميّ كلياً من الإصابة

كتب الباحث إميليو تينتي في المجلّة العلميّة "نيتشر" في عددها 596 في العام 2021 عن نوعيّة العلاقة التي ستتكوَّن بين الفيروس المسبّب لفيروس "كوفيد 19" والإنسان، موضحاً أنَّ الوجود الدائم لهذا الفيروس، القادم من الأفراد المعرضين للإصابة به أو من أيِّ مصدر آخر، سيؤدي في النهاية إلى موجات وبائية موسمية، كالعديد من الأمراض الفيروسية، كما سنرى لاحقاً.

من الأسباب الَّتي تزيد انتشار هذا الفيروس المسبب لـ"كوفيد 19" هو وجوده لدى العديد من الأشخاص المعرضين للإصابة به، سواء بسبب نقص المناعة الطبيعية أو تضاؤل المناعة بعد العدوى أو بعد أخذ اللقاح، أو لدى من لم يتلقّوه قطعياً بمحض إرادتهم أو لعدم توفره.

ومن الأسباب أيضاً، عدم تطعيم كلّ القاصرين الذين سيكونون، من دون أخذ اللقاح، حاضنة فيروسية في كل المجتمعات. وفي الوقت نفسه، تقول التوقعات إنّ مناعة القاصرين المكتسبة ستكون طويلة المدى في حال تلقوا اللقاح. ومن المؤكد أنَّ انتشار الفيروس المستجد سيأخذ في الازدياد إذا ما أضفنا إلى هذه الأسباب "التحور"، أي التغيرات النووية التي غالباً ما تحدث تلقائياً عند استنساخ الفيروس المسبب لـ"كوفيد 19".

لقد تبين مؤخراً أنَّ كمية الأجسام المضادة الناتجة من تلقي اللقاحات تبدأ بالتراجع بعد ما يقارب 6 أشهر من تلقّي اللقاح. بالطبع، تختلف هذه المدة وفعالية الأجسام المضادة وكميتها من لقاح إلى آخر ومن شخص إلى آخر. لهذا، بعد هذه المدة التقريبية، قد لا تكون كمية الأجسام المضادة كافية عند الجميع لتحمي من الإصابة بفيروس كورونا المستجد.

وفي حالة عدم توفر الأجسام المضادة الكافية لمكافحة تكاثر الفيروس في الخلايا المخاطية في الأنف والحنجرة التي تكوّن الحاجز الأول لدخول الفيروس إلى الجسم، ستحدث الإصابة النوعية. أعني أنَّ هذه الإصابة عند من تلقوا اللقاح، لن تؤدي حتمياً إلى التعقيدات الطبية ودخول المستشفى إلا لدى البعض، لأسباب وراثية، أو لدى كبار السن والمصابين بالأمراض المزمنة. 

لهذا، من الخطأ أن يعتقد متلقّي اللقاح أنه محميّ كلياً من الإصابة، وأن يهمل القواعد الأساسية للحماية، فنتيجة جميع ما ذُكر أعلاه، وخصوصاً الزيادة الملحوظة في عدد الإصابات في العالم، عادت بعض الدول لتلتزم من جديد بالقواعد الأساسية للوقاية، وتتبع الإجراءات المفروضة لمقاومة العدوى.

وكما ذكر أحد الأساتذة المختصين في هذا المجال مؤخراً، من الضروري أن تُعطى الجرعة الثالثة لمن يعانون نقصاً في المناعة، ولكبار السن والعاملين في المجال الطبي، وللجميع أيضاً، لتجنب موجة إضافية للعدوى. وللعلم فقط، إن الجرعة الثالثة تقوم بتعزيز المناعة بشكل حتمي، ولعدة أضعاف، مقارنةً بما تُقدمه الجرعة الثانية.

وأودّ أن أذكّر بأنَّ البلدان التي أهمل فيها أخذ اللقاحات الفعالة ضد مسبّب "كوفيد 19"، أصبحت الآن تُعاني من موجات مؤلمة من هذا الوباء. وقد أنتج هذا التكاثر الفيروسي سلالات جديدة كتلك التي وجدت مؤخراً في روسيا، والتي تُسمى "أي واي 4.2".

والجدير بالذكر أنَّ هذه السلالة ناتجة من تحور إضافي لسلالة دلتا السريعة الانتشار. ولحسن الحظ، إن عامة اللقاحات، ومنها "سبوتنيك V"، (وفقاً لصانعي هذا اللقاح) فعالة ضد هذا الفيروس المتحور، ولكن بدرجة أقل مقارنة بفعالية اللقاح ضد السلالة الأصلية.

من ناحية أخرى، ورغم المحاولات المتكررة التي تقوم بها منظمة الصحة العالمية، وعلى رأسها مديرها العام السيد تيدروس غيبريسوس، بجمع المليارات من الدولارات لمساعدة الدول الفقيرة والمشتركة في برنامج "كوفاكس" على تلقي اللقاحات، لا يزال توزيع اللقاح بالتساوي في جميع بلدان العالم غير ممكن، مع إجراء الفحوصات اللازمة والمراقبة المفروضة للحفاظ على عدم انتشار الفيروس المسبب لـ"كوفيد 19". وما لن يتم توزيع اللقاح بشكل متساوٍ، سنضيع فرصة السيطرة نهائياً وعالمياً على الوباء وبالسرعة المفروضة.

ربما سيصبح الوباء موسمياً مثله مثل الإنفلونزا، وليس أكثر ضراوةً منه (إميليو تينتي، "نيتشر"، 2021). سيكون هذا ممكناً بعد تلقي اللقاح أولاً، إذ إنَّ المناعة ستقلل دخول المستشفيات، وكذلك الأمر إذا تمكَّن الأطباء من إعطاء العلاج المناسب لقليلي المناعة، كالأجسام المضادّة المتوفّرة في مصل من تعافوا من الوباء أو بإعطاء الأجسام المضادة الوحيدة النسيلة أو ربما أيضاً وقريباً إعطاء العلاج الخصوصي والفعّال للجميع. 

وكما أدلى الباحث لافين ورفاقه في مجلة "ساينس" في العام 2021، بعد دراسة البيانات المناعية والوبائية لفيروسات كورونا البشرية المستوطنة، إنَّ المناعة التي تمنع العدوى تتضاءل بسرعة، ولكن المناعة التي تقلل شدّة المرض تدوم طويلاً، ما يشير إلى أنَّ الوصول إلى المرحلة المتوطنة للعدوى وتعرّض القاصرين لفيروس المسبّب لـ"كوفيد 19" مبكراً، كما جاء في مجلة الجمعية الطبية الأميركية في نهاية شهر تموز/يوليو 2021، سيؤديان إلى عدم التأثر بالوباء، وسيصبح الفيروس أقلّ ضراوة من نزلات البرد.

رغم ما تبيّن أعلاه، لا يملك الباحثون أجوبةً تامة تؤكد ما إذا كانت التكيّفات الإضافية لفيروس "كوفيد 19" مع البشر ستزيد أو ستنقص من ضراوته الذاتية، لكن أغلبية علماء الفيروسات، وكما قلت في مقال سابق، يؤكّدون عدم وجود مبرر حيويّ أو تطوري يؤدي إلى زيادة ضراوة الفيروس الذاتية مقارنة بما هو عليه الآن.

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.