الموقف المصري تجاه قرار نتنياهو احتلال محور صلاح الدين (فيلادلفيا)

تكشف الانتقادات المصرية الحادة رغبة القاهرة في وقف الحرب، وخيبة أملها حيال فشل مساعي الوساطة من أجل وقف إطلاق النار، كما تكشف أيضاً الأهمية التي توليها مصر لمحور صلاح الدين (فيلادلفيا) ومعبر رفح.

0:00
  • سعت مصر منذ بدء العدوان على غزة إلى استخدام الوساطة النشطة لوقف الحرب.
    سعت مصر منذ بدء العدوان على غزة إلى استخدام الوساطة النشطة لوقف الحرب.

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مؤتمر صحفي تمسكه بعدم الانسحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، ودعّم موقفه بقرار من المجلس الأمني السياسي (الكابينيت) بشأن الاحتلال الإسرائيلي الدائم للمحور، الأمر الذي أثار ردات فعل مصرية غاضبة، منها الاتهام الصادر عن وزارة الخارجية المصرية لنتنياهو بإفشال مساعي الوسطاء للتوصل إلى وقف إطلاق النار، وحمّلته مسؤولية التصعيد الإقليمي المتوقع، في ضوء التعنت الإسرائيلي.

اتخذت مصر منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة مواقف سياسية واضحة تجاه العدوان الإسرائيلي؛ انطلاقاً من مصالحها القومية في المقام الأول، وإدراكها المخططات الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، بالعمل على تحويل القطاع من تهديد على الاحتلال الإسرائيلي إلى مشكلة مصرية- فلسطينية، من خلال تهجير الشعب الفلسطيني من غزة باتجاه مصر، وتقديم إغراءات للنظام المصري للتعاون مع مخطط التهجير، بيد أن الموقف المصري كان حاسماً وقاطعاً برفض مخطط التهجير، وإجهاض المساعي الإسرائيلية لتهجير مواطني قطاع غزة نحو مصر، الأمر الذي لم ينجح بسبب عاملين، الأول الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في غزة، على الرغم من حرب الإبادة الإسرائيلية عليه، ونزوح نحو مليون فلسطيني إلى رفح على تخوم الحدود المصرية- الفلسطينية، والعامل الثاني تمسك القاهرة بموقفها الرافض لكل أشكال التهجير.

على الرغم من الموقف المصري تجاه رفض تهجير الفلسطينيين من غزة، وبسبب فشل مخطط التهجير، رفعت قوات الاحتلال الإسرائيلي من مستوى مجازرها وجرائمها في غزة، بهدف إيصال رسالة دموية أحد معالمها استبدال مخطط التهجير بمخطط حرب الإبادة، والتدمير الممنهج والشامل لغزة، وتحويل غزة إلى مكان غير صالح للحياة، ما سيجبر ما تبقى من مواطنين على الرحيل عن غزة غير الصالحة للحياة، والوجهة الرئيسية للفلسطينيين ستكون مصر وفقاً للمسعى الإسرائيلي، والهدف إحداث تغيير ديموغرافي في غزة، يترافق مع تغيير جغرافي، وفي القلب منه احتلال محور صلاح الدين  (فيلادلفيا) بما يقتطع مساحة تصل إلى 14 كيلو متراً مربعاً من قطاع غزة.

سعت مصر منذ بدء العدوان على غزة إلى استخدام الأداة الدبلوماسية الناعمة والوساطة النشطة لوقف الحرب، من دون اتخاذ خطوات دبلوماسية "خشنة" كاستدعاء السفير المصري من "تل أبيب" أو طرد السفير الإسرائيلي من القاهرة، كما لم تلجأ إلى توجيه اننقادات علنية "حادة" لحكومة نتنياهو، واكتفت ببيانات الشجب والإدانة، بيد أن القرار الإسرائيلي الأخير تجاه محور صلاح الدين (فيلادلفيا) أغضب القيادة المصرية، التي وجهت انتقادات علنية حمّلت فيها لأول مرة حكومة نتنياهو المسؤولية عن إفشال مساعي وقف إطلاق النار وإنجاز صفقة تبادل الأسرى، وتوجيه مصادر رسمية مصرية الاتهام لنتنياهو بمحاولة الهروب من فشله في غزة عبر تحميل مصر المسؤولية عن محاولات تهريب السلاح إلى غزة عبر الأنفاق، الأمر الذي لم تنفه مصر فقط، بل نفته مصادر إسرائيلية أكدت أن النظام المصري منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي تمكّن من إغلاق الأنفاق كافة.

جاء استعراض نتنياهو في المؤتمر الصحفي لما سمّاه بمخاطر تخلي حكومته عن "فيلادلفيا" وتعريضه بمصر بشكل غير مباشر بسبب رفضها احتلال المحور، السبب المباشر في رفع مستوى النقد المصري للسلوك الإسرائيلي، والذي رافقته خطوات رمزية لا تخلو من دلالات مثل الزيارة التي قام بها رئيس الأركان المصري إلى معبر رفح والحدود المصرية-الفلسطينية. 

من جهة أخرى، تكشف الانتقادات المصرية الحادة رغبة القاهرة في وقف الحرب، وخيبة أملها حيال فشل مساعي الوساطة من أجل وقف إطلاق النار، كما تكشف أيضاً الأهمية التي توليها مصر لمحور صلاح الدين (فيلادلفيا) ومعبر رفح.

إن معارضة مصر احتلال "إسرائيل" المحور، نابعة من التخوف من أن يتحوّل الاحتلال المؤقت إلى دائم، وهو ما سيقوّض مكانة مصر؛ كون الاحتلال العسكري للمحور يتعارض مع اتفاقات نزع السلاح الواردة في الملحق العسكري لاتفاقية "كامب ديفيد"، بين "إسرائيل" ومصر، والذي يحدد حجم القوات الإسرائيلية في المحور بـ4 كتائب؛ كما تسعى مصر لعودة السلطة الفلسطينية إلى معبر رفح ضمن إطار "اتفاق المعابر" عام 2005؛ إلى جانب التخوف المصري من توسع الحرب وتأثيراتها المحتملة في الداخل المصري، بما يشمل إمكانية وقوع حوادث إطلاق نار واشتباكات بين "جيش" الاحتلال الإسرائيلي وجنود الجيش المصري، كما إن مصر تأثرت اقتصادياً بسبب الحرب الطويلة، لا سيما إيرادات قناة السويس التي انخفضت إلى النصف، حسب عدد من المصادر والتقارير المصرية والأجنبية. 

كذلك يؤدي الرأي العام دوراً في الاعتبارات المصرية، إذ تتخوّف القيادة المصرية من أن تظهر كأنها تنسق خطواتها مع "إسرائيل" في كل ما يتعلق بمعبر رفح ومحور صلاح الدين (فيلادلفيا) وفقاً لتقارير إعلامية إسرائيلية موجهة استخبارياً، في ضوء زيادة الشكوك في نيات نتنياهو، والتي يمكن أن يكون أخطرها اعتزامه احتلال قطاع غزة والبقاء الدائم لقوات "الجيش" الإسرائيلي في غزة، ما سيشكل تهديداً للأمن القومي المصري.

إن الانتقادات المصرية الأخيرة للحكومة الإسرائيلية تعكس حالة الإحباط من فشل المساعي الطويلة والمضنية للتوصل إلى وقف إطلاق النار، كما تعكس تراجع فرص التوصل إلى اتفاق، وتسعى مصر إلى إيصال رسالة علنية لنتنياهو بأن صبرها بدأ ينفد، وستلجأ إلى تحميله مسؤولية فشل المفاوضات، في حال أصرّ نتنياهو على موقفه باحتلال محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، بيد أن القاهرة لن تلجأ إلى اتخاذ مواقف صارمة من دون التنسيق مع الإدارة الأميركية، كما إنها لا تزال بعيدة عن اتخاذ خطوات ضاغطة وأكثر تأثيراً على الحكومة الإسرائيلية، وأبرزها استخدام ورقة التهديد بقطع العلاقات الدبلوماسية، أو سحب السفير المصري من "تل أبيب".

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.