الوكالة الدولية للطاقة الذرية أداة لتغطية العدوان!
رغم دور غروسي في خطط الحرب الأميركية الإسرائيلية بصفته مديرًا عامًا للوكالة، أو ربما بسبب دوره هذا، طُرح اسمه كمرشح مدعوم من الغرب لخلافة أنطونيو غوتيريش في منصب الأمين العام للأمم المتحدة عام 2026.
-
كيف استغلت الولايات المتحدة و"إسرائيل" غروسي لاختطاف الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟
من أكثر حلقات العدوان الأميركي الإسرائيلي على إيران إثارة للانتباه هو دور رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تقديم الذريعة والغطاء الدبلوماسي للعدوان على المنشآت النووية الإيرانية السلمية واغتيال العلماء النوويين والقادة العسكريين والاعتداء على البلاد وسيادتها.
فكيف استغلت الولايات المتحدة و"إسرائيل" غروسي لاختطاف الوكالة الدولية للطاقة الذرية وشن عدوان على إيران؟
يقول الباحثان في العلاقات الدولية، ميديا بنجامين ونيكولاس ديفيز، إن غروسي سمح لأميركا و"إسرائيل" – وهي دولة نووية غير معلنة تنتهك قواعد الوكالة – باستخدام الوكالة لاختلاق ذريعة لشن حرب على إيران، رغم استنتاج الوكالة ذاتها أن إيران لا تمتلك برنامجًا للأسلحة النووية.
في 12 يونيو/حزيران، وبناءً على تقرير دامغ صادر عن غروسي، صوّتت أغلبية ضئيلة من أعضاء مجلس محافظي الوكالة لصالح اعتبار إيران غير ممتثلة لالتزاماتها كعضو في الوكالة. من بين 35 دولة ممثلة بالمجلس، صوتت 19 دولة فقط لصالح القرار.
في 10 يونيو/حزيران، تواصلت أميركا مع 8 حكومات أعضاء في مجلس الأمن لإقناعها بالتصويت لصالح القرار أو عدم التصويت. وصرح مسؤولون إسرائيليون بأنهم رأوا في قيام أميركا بليّ أذرع الدول لصالح قرار الوكالة إشارةً واضحةً على دعمها لخطط "إسرائيل" الحربية، وكشفوا عن تقدير "إسرائيل" لقرار الوكالة كغطاء دبلوماسي للحرب.
عُقد اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في اليوم الأخير من مهلة الـ 60 يومًا التي حددها الرئيس ترامب لإيران للتفاوض على اتفاق نووي جديد. وبينما كان مجلس الوكالة يصوّت، كانت "إسرائيل" تُحمّل طائراتها الحربية بالأسلحة والوقود وخزانات الوقود استعدادًا لرحلتها الطويلة إلى إيران، وتُبلغ أطقمها الجوية بأهدافها. وشنت أولى الغارات الجوية الإسرائيلية على إيران الساعة الثالثة من صباح تلك الليلة.
في 20 يونيو/حزيران، قدّمت إيران شكوى رسمية ضد المدير العام غروسي لدى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وذلك لتقويضه حياد وكالته، لعدم إشارته إلى عدم شرعية تهديدات "إسرائيل" واستخدامها للقوة ضد إيران في تصريحاته العلنية، أو لتركيزه المُفرط على انتهاكات إيران المزعومة.
كان مصدر تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي أدى إلى هذا القرار، تقريرًا استخباريًا إسرائيليًا صدر عام 2018، أفاد بأن عملاءها حددوا ثلاثة مواقع لم يُكشف عنها سابقًا بإيران، أجرت فيها إيران عمليات تخصيب يورانيوم قبل عام 2003. في عام 2019، فتح غروسي تحقيقًا، وفي النهاية، تمكنت الوكالة من الوصول إلى المواقع واكتشفت آثار يورانيوم مُخصّب.
يلاحظ الباحثان بنجامين وديفيز أنه رغم العواقب الوخيمة لأفعاله، لم يشرح غروسي علنًا كيف يمكن للوكالة الدولية للطاقة الذرية التأكد من أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) أو المتعاونين الإيرانيين معه، كمنظمة "مجاهدي خلق"، لم يضعوا اليورانيوم المخصب في تلك المواقع بأنفسهم، كما أشار مسؤولون إيرانيون.
في حين أن قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي أشعل فتيل هذه الحرب لم يتناول سوى أنشطة التخصيب الإيرانية قبل عام 2003، إلا أن السياسيين الأميركيين والإسرائيليين سرعان ما تحولوا لمزاعم بلا أساس بأن إيران على وشك صنع سلاح نووي. وكانت وكالات الاستخبارات الأميركية قد أفادت سابقًا بأن عملية معقدة كهذه ستستغرق نحو ثلاث سنوات، حتى قبل أن تبدأ إسرائيل والولايات المتحدة قصف المنشآت النووية المدنية الإيرانية القائمة وتدميرها.
اكتملت التحقيقات السابقة للوكالة الدولية للطاقة الذرية في الأنشطة النووية غير المُبلّغ عنها رسميًا في ديسمبر/كانون الأول 2015، عندما نشر المدير العام للوكالة، يوكيا أمانو، "تقييمه النهائي بشأن القضايا العالقة السابقة والحالية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني".
وخلصت الوكالة إلى أنه رغم أن بعض أنشطة إيران السابقة قد تكون متصلة بالأسلحة النووية، إلا أنها "لم تتجاوز دراسات الجدوى والدراسات العلمية، واكتساب بعض الكفاءات والقدرات التقنية ذات الصلة". ولم تجد الوكالة "أي مؤشرات موثوقة على تحويل مواد نووية فيما يتعلق بأبعاد عسكرية محتملة للبرنامج النووي الإيراني".
وعندما توفي يوكيا أمانو قبل نهاية ولايته عام 2019، عُيّن الدبلوماسي الأرجنتيني رافائيل غروسي مديرًا عامًا للوكالة. وكان غروسي قد شغل منصب نائب المدير العام في عهد أمانو، وقبل ذلك، منصب رئيس ديوان المدير العام الأسبق محمد البرادعي.
للإسرائيليين سجلٌّ طويلٌ في اختلاق أدلةٍ كاذبةٍ حول الأنشطة النووية الإيرانية، مثل "وثائق الحواسيب المحمولة" سيئة السمعة التي سلّمتها منظمة "مجاهدي خلق" لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عام 2004، ويُعتقد أن الموساد هو من دبّرها. كشف دوغلاس فرانتز، الذي كتب تقريرًا عن البرنامج النووي الإيراني للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ عام 2009، أن الموساد أنشأ وحدةً خاصةً عام 2003 لتقديم إحاطاتٍ سريةٍ حول البرنامج النووي الإيراني، باستخدام "وثائق من داخل إيران وخارجها".
ومع ذلك، تعاون غروسي مع "إسرائيل" لمتابعة مزاعمها الأخيرة. فبعد سنوات من الاجتماعات في "إسرائيل" والمفاوضات وعمليات التفتيش في إيران، كتب تقريره لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحدد موعدًا لاجتماع المجلس ليتزامن مع الموعد المقرر لبدء الحرب الإسرائيلية.
أجرت "إسرائيل" استعداداتها الحربية النهائية على مرأى ومسمع من أقمار التجسس واستخبارات الدول الغربية التي صاغت القرار وصوتت عليه. ولا عجب أن 13 دولة امتنعت عن التصويت أو لم تصوت، لكن المؤسف أن الدول الأكثر حيادية لم تجد الحكمة والشجاعة للتصويت ضد هذا القرار الخبيث.
الغرض الرسمي للوكالة الدولية للطاقة الذرية هو "تعزيز الاستخدام الآمن والسلمي للتقنيات النووية". ومنذ عام 1965، تخضع جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 180 دولة لاشتراطات الوكالة لضمان عدم استخدام برامجها النووية "لأي غرض عسكري".
الواضح أن عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية مهدد لدى التعامل مع دول تمتلك بالفعل أسلحة نووية. انسحبت كوريا الشمالية من الوكالة عام 1994، ومن جميع الضمانات عام 2009. لدى الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين اتفاقيات ضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية تستند فقط لـ"عروض طوعية" لمواقع غير عسكرية "مختارة". لدى الهند اتفاقية ضمانات عام 2009 تُلزمها بالفصل بين برامجها النووية العسكرية والمدنية، ولدى باكستان 10 اتفاقيات ضمانات منفصلة، ولكن فقط للمشاريع النووية المدنية، وآخرها عام 2017 لتغطية محطتين للطاقة بنتهما الصين.
مع ذلك، لدى "إسرائيل" اتفاقية ضمانات محدودة عام 1975 لاتفاقية تعاون نووي مدني عام 1955 مع الولايات المتحدة. مدّد ملحق عام 1977 اتفاقية ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأجل غير مسمى، رغم انتهاء اتفاقية التعاون مع الولايات المتحدة التي كانت تغطيها الاتفاقية. وهكذا، وبفضل محاكاة ساخرة للامتثال، لعبت بها الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية نصف قرن، أفلتت "إسرائيل" من تدقيق ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بنفس فعالية كوريا الشمالية.
يذكر الباحثان أن "إسرائيل" بدأت مشروع التسلح النووي في خمسينات القرن الماضي، بمساعدة كبيرة من الدول الغربية، مثل فرنسا وبريطانيا والأرجنتين، وصنعت أسلحتها الأولى عامي 1966 و1967. وبحلول عام 2015، عندما وقّعت إيران الاتفاق النووي الشامل، كتب وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول في رسالة بريد إلكتروني مسربة أن السلاح النووي سيكون عديم الفائدة لإيران لأن "إسرائيل تمتلك 200 رأس نووي، جميعها موجهة نحو طهران". ونقل باول عن الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد سؤاله: "ماذا نفعل بسلاح نووي؟ هل نحسّنه؟".
في عام 2003، بينما حاول باول، لكنه فشل، إثبات حججه بمجلس الأمن الدولي لشن حرب على العراق، وصف الرئيس بوش إيران والعراق وكوريا الشمالية بأنهم "محور الشر"، بناءً على سعيهم المزعوم لامتلاك "أسلحة الدمار الشامل". أكد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، لمجلس الأمن مرارًا وتكرارًا أن الوكالة لم تعثر على أي دليل على أن العراق يطور سلاحًا نوويًا.
وعندما أصدرت الاستخبارات المركزية وثيقة تُظهر استيراد العراق يورانيوم الكعكة الصفراء من النيجر، تمامًا كما استوردته "إسرائيل" سرًا من الأرجنتين في ستينات القرن الماضي، لم تستغرق الوكالة سوى بضع ساعات لتكتشف تزوير الوثيقة، فأبلغ البرادعي مجلس الأمن على الفور.
وواصل بوش ترديد كذبة الكعكة الصفراء من النيجر، وأكاذيب صارخة أخرى عن العراق، فغزا العراق ودمره بناءً على أكاذيبه، وهي جريمة حرب ذات أبعاد تاريخية. كان معظم العالم يعلم أن البرادعي والوكالة كانا محقين منذ البداية، وفي عام 2005، مُنحا جائزة نوبل للسلام، لفضحهما أكاذيب بوش، وقولهما الحقيقة، وتعزيزهما لحظر الانتشار النووي.
في عام 2007، اتفقت 16 وكالة استخبارات أميركية في تقريرها الاستخباري القومي مع استنتاجات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران، مثل العراق، لا تمتلك برنامجًا للأسلحة النووية. وكتب بوش في مذكراته: "... بعد تقرير الاستخبارات، كيف يُمكنني تفسير استخدام الجيش لتدمير المنشآت النووية لبلدٍ زعمت أجهزة الاستخبارات أنه لا يمتلك برنامجًا نشطًا للأسلحة النووية؟" حتى بوش لم يصدق أنه سينجو من تكرار نفس الأكاذيب لتدمير إيران والعراق، وترامب يلعب بالنار بفعله هذا الآن.
كتب البرادعي في مذكراته، "عصر الخداع: الدبلوماسية النووية في زمن الخيانة"، أنه إذا كانت إيران قد أجرت بعض الأبحاث التمهيدية حول الأسلحة النووية، فيرجح أنها بدأت خلال الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينات القرن الماضي، بعد أن ساعدت أميركا وحلفاؤها العراق في تصنيع أسلحة كيميائية أودت بحياة 100 ألف إيراني.
هيمن المحافظون الجدد على السياسة الخارجية الأميركية بعد الحرب الباردة وكانوا يرون البرادعي الحائز على جائزة نوبل للسلام عقبة أمام سعيهم لتغيير أنظمة حاكمة حول العالم، وأطلقوا حملة سرية للعثور على مدير عام جديد للوكالة الدولية للطاقة الذرية أكثر خضوعاً عندما انتهت ولاية البرادعي عام 2009.
بعد تعيين الدبلوماسي الياباني يوكيا أمانو مديرًا عامًا جديدًا للوكالة، كشفت برقيات دبلوماسية أميركية نشرها ويكيليكس تفاصيلَ عن تدقيقٍ مكثفٍ أجراه دبلوماسيون أميركيون، أفادوا واشنطن بأن أمانو "كان يتمتع بسلطةٍ راسخةٍ في الدوائر الأميركية بشأن كل قرارٍ استراتيجيٍّ رئيسي، بدءًا من تعيينات كبار الموظفين وصولًا إلى التعامل مع برنامج الأسلحة النووية الإيراني المزعوم".
بعد تعيينه مديراً عاماً للوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2019، لم يكتفِ رافائيل غروسي بمواصلة تبعية الوكالة للمصالح الأميركية والغربية وغضّ الطرف عن الأسلحة النووية الإسرائيلية، بل ضمن أيضًا أن تلعب الوكالة دورًا حاسمًا في مسار "إسرائيل" نحو الحرب على إيران.
حتى مع إقراره علنًا بأن إيران لا تمتلك برنامجًا للأسلحة النووية وأن الدبلوماسية هي السبيل الوحيد لتهدئة مخاوف الغرب، ساعد غروسي "إسرائيل" على تمهيد الطريق للحرب بإعادة فتح تحقيق الوكالة في أنشطة إيران السابقة. ثم، في اليوم نفسه الذي حُمّلت فيه الطائرات الحربية الإسرائيلية بالأسلحة لقصف إيران، حرص على أن يُصدر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارًا يمنح "إسرائيل" والولايات المتحدة ذريعة الحرب.
في عامه الأخير كمدير للوكالة، واجه محمد البرادعي معضلةً مماثلةً لمعضلة غروسي منذ عام 2019. ففي عام 2008، قدّمت وكالات الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية للوكالة نسخًا من وثائق بدت وكأنها تُظهر أن إيران تُجري أربعة أنواع مُختلفة من أبحاث الأسلحة النووية.
بينما كانت وثيقة بوش عن "الكعكة الصفراء" من النيجر مُزوّرة بوضوح عام 2003، لم تستطع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إثبات صحة الوثائق الإسرائيلية. لذلك رفض البرادعي العمل بها أو نشرها، رغم الضغوط السياسية الكبيرة، لأنه، كما ذكر في كتابه "عصر الخداع"، كان يعلم أن أميركا وإسرائيل "تريدان خلق انطباع بأن إيران تُشكّل تهديدًا وشيكًا، وربما تمهّد الطريق لاستخدام القوة". تقاعد البرادعي عام 2009، وكانت تلك الادعاءات بين "القضايا العالقة" التي تركها ليوكيا أمانو لحلها عام 2015.
لو تحلى غروسي بنفس الحذر والحياد والحكمة التي تحلى بها محمد البرادعي عام 2009، لكان من المحتمل ألا تشن أميركا و"إسرائيل" حرباً على إيران.
في تغريدة بتاريخ 17 يونيو/حزيران 2025، كتب محمد البرادعي: "اعتماد القوة بدل المفاوضات وسيلة أكيدة لتدمير معاهدة حظر الانتشار النووي ونظام منع الانتشار النووي (بعيوبه)، ويرسل رسالة واضحة لدول عديدة أن "أمنها النهائي" يكمن في تطوير الأسلحة النووية!!!"
رغم دور غروسي في خطط الحرب الأميركية الإسرائيلية بصفته مديرًا عامًا للوكالة، أو ربما بسبب دوره هذا، طُرح اسمه كمرشح مدعوم من الغرب لخلافة أنطونيو غوتيريش في منصب الأمين العام للأمم المتحدة عام 2026. سيكون ذلك كارثة على العالم. لحسن الحظ، هناك عدة مرشحين مؤهلين لقيادة العالم للخروج من أزمة أسهم رافائيل غروسي في توريط أميركا و"إسرائيل" فيها.
يقول الباحثان إن على رافائيل غروسي الاستقالة من منصبه كمدير عام للوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل أن يُقوّض حظر الانتشار النووي ويُقرّب العالم من حرب نووية. وعليه أيضًا سحب اسمه كمرشح لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة.