انتخابات سوريا.. ديمقراطية ونزيهة ولكن بلا شعب!
وفقاً للدستور الجديد، الشرع هو رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء (كما هي الحال في تركيا) والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ويقوم بتعيين كل الوزراء ويقيلهم متى يشاء.
-
الانتخابات في سوريا.
في أغرب تجربة "ديمقراطية" بكل المعايير والمقاييس، قام نحو سبعة الآف شخص اختارتهم اللجنة الانتخابية المركزية التي تمّ تعيينها بشكل غير مباشر من الرئيس الانتقالي أحمد الشرع بانتخاب 140 من أعضاء البرلمان الجديد، وترشح لعضويته نحو 1570 شخصاً.
وسيقوم الرئيس الشرع بتعيين الثلث الباقي أي 70 من أعضائه، كما الحال في قطر حيث ينص الدستور على تعيين الأمير تميم المؤيد للشرع ثلث أعضاء مجلس الشورى وقبل أن يلغي الشيخ تميم الانتخابات برمّتها بعد استفتاء العام الماضي.
ومن دون أن يكون واضحاً ماهية الصلاحيات التي سيتمتع بها البرلمان الجديد في ظل الدستور الذي صاغه رفاق الرئيس الشرع وأقره بنفسه في 13 مارس/ آذار الماضي، فقد تجاهل الإعلام العربي والدولي هذه الانتخابات، التي يعرف الجميع أنها لا تتجاوز إطار المسرحية السياسية التي كتبت وأعدّت وعرضت فصولها واشنطن، بالتنسيق والتعاون مع "تل أبيب" وأنقرة والدوحة والرياض، وبضوء أخضر من موسكو التي تخلت، وفي اللحظة الأخيرة، عن حليفها الاستراتيجي بشار الأسد، كما تخلت عن العقيد القذافي وقبل ذلك صدام حسين.
وجاءت المفاجأة المثيرة عندما اتخذ الشرع قراراً ألغى بموجبه بعض العطل الرسمية وأهمها ذكرى حرب 6 أكتوبر، إرضاءً لـ"تل أبيب" ربما، و عيد الشهداء في 6 مايو/ أيار وهو ذكرى إعدام الحكم العثماني مجموعة من الوطنيين السوريين واللبنانيين عام 1916، وهذا أيضاً ربما إرضاءً للرئيس إردوغان وريث الدولة العثمانية التي تسعى أنقرة لإحياء ذكرياتها بعد ما حققته تركيا من انتصارات ونجاحات متتالية في سوريا والعراق وليبيا والصومال والسودان وقطر، وفيها جميعاً قواعد عسكرية تركية.
وعودة إلى الانتخابات حيث تغنى البعض "بالعرس الديمقراطي بعد إسقاط النظام الاستبدادي للأسد" فقد تجاهل الجميع الصلاحيات التي منحها أبو محمد الجولاني لنفسه عندما أصبح اسمه أحمد الشرع.
جمع الشرع في 29 يناير/ كانون الثاني زعماء وقادة الفصائل المسلحة الموالية له في قصر الرئيس الأسد "وطلب" منهم أن ينتخبوه رئيساً "انتقالياً" للجمهورية، بعد أن منح قبل ذلك معظم هؤلاء رتباً عسكرية عليا وعيّنهم في مناصب عسكرية وأمنية حساسة مع أن البعض منهم من الأجانب الذين منحهم الشرع لاحقاً الجنسية السورية.
كما تجاهل الجميع بنود الدستور الذي صاغه رفاق الشرع واعتمده هو شخصياً، واعترف بموجبه لنفسه بكامل الصلاحيات المطلقة من دون أي اعتراض أو انتقاد أو محاسبة من أحد، وهي الصلاحيات التي لا تختلف عن تلك التي كان "الديكتاتور" الأسد يتمتع بها بل في بعض الأحيان تتجاوزها.
ووفقاً للدستور الجديد، الشرع هو رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء (كما هي الحال في تركيا) والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ويقوم بتعيين كل الوزراء ويقيلهم متى يشاء.
كما يملك الشرع الصلاحيات المباشرة وغير المباشرة كافة في اختيار وتعيين رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية والمحاكم العليا والهيئة العليا للانتخابات ومجلس الأمن القومي والمجلس الأعلى للتعليم العالي وباقي الأجهزة الحكومية، وبغياب أي صوت أو جهة معارضة لهذه الصلاحيات التي حلّت الجيش وأجهزة الأمن والبرلمان والدستور السابق بعد أن كلّف الشرع أشقاءه الثلاثة ماهر وجمال وحازم بمهمات رسمية في القصر الرئاسي أو خارجه.
وتتحدث وسائل الإعلام الغربية باستمرار عن قضايا فساد يقال إن الأشقاء الثلاثة والمقربين منهم يتورطون فيها باستمرار، وعبر العلاقة مع أطراف خارجية أهمها قطرية وإماراتية وسعودية وفرنسية وبريطانية وألمانية وأميركية والأهم التركية، بعد أن بات واضحاً وباعتراف الرئيس ترامب أن أنقرة هي اللاعب الرئيسي في مجمل تطورات سوريا وفي جميع المجالات، وعلى المستويات كافة وهو ما كانت عليه منذ بداية الأحداث في سوريا عام 2011.
وفي جميع الحالات ومع تجاهل العواصم الغربية والإقليمية سلبيات نظام الشرع الذي حلّ محلّ نظام الأسد "الديكتاتوري والفاسد"، فالجميع يعرف أن الرئيس ترامب الذي التقى الشرع في الرياض 14 مايو/ أيار الماضي والرئيس الفرنسي ماكرون الذي استقبله في قصر الاليزيه في 7 مايو/ أيار لن يتأخرا ومعهما حكام العواصم الاستعمارية الإمبريالية في الضغط على دمشق للرضوخ لمطالب "تل أبيب" جملة وتفصيلاً من دون أي حق في المساومة التي يريد لها الرئيس ترامب أن تتم عبر صديقه وحليفه الرئيس إردوغان "الحاكم المطلق في سوريا"، وفق كلامه هو شخصياً.
ويبقى الرهان في نهاية المطاف وبعد حلّ مشكلة غزة على حجم التنازلات التي سيقدمها الشرع لنتنياهو، إذ إنه لا يملك أي ورقة للمساومة بها بعد أن غضت العواصم الغربية على حكمه "الديكتاتوري والاستبدادي والفاسد والإجرامي" حيث تحدثت التقارير الدولية عن مجازر الساحل والدروز.
في الوقت الذي يصول ويجول فيه "الجيش" الإسرائيلي في أرياف العاصمة دمشق بعد أن دمّر كل البنية العسكرية السورية برمّتها، ومن دون أن يتطرق الوزير الشيباني إلى هذا الموضوع خلال لقاءاته المتكررة مع الوزير الإسرائيلي ديرمر في باريس.
وفي جميع الحالات، وأياً كان شكل مسرحية أو مهزلة الانتخابات البرلمانية وبغياب الشعب السوري الذي كان يتوجه إلى صناديق الاقتراع وبحماس جدي قبل عام 2011 فقد بات واضحاً أن استمرارية نظام الشرع في الحكم مرهونة برضى واشنطن عليه.
وهذا بدوره مرهون بالتوافق التركي - الإسرائيلي بغياب الدور العربي التقليدي في سوريا التي تحوّلت إلى ساحة للمنافسات الغربية بين واشنطن والعواصم الإمبريالية الاستعمارية التقليدية من جهة وبين "تل أبيب" وأنقرة التي استطاعت خلال حكم العدالة والتنمية منذ عام 2003 أن تعود إلى المنطقة بكل ثقلها، ولن تخرج منها ما دامت هذه العودة مدعومة منذ بدايتها من واشنطن التي لا تنفي دعمها للرئيس إردوغان وقال عنه الرئيس ترامب أكثر من مرة إنه ذكي جداً و يحبه كثيراً لأنه يلبّي كل ما يطلبه فوراً، وكذلك إردوغان يحبه هو أيضاً!
وهي المحبة المتبادلة التي ستقرر مصير العلاقات التركية -الأميركية بانعكاساتها على الملف السوري بما في ذلك تحقيق المصالحة بين دمشق و"قسد" من جهة، وبين دمشق و "تل أبيب" من جهة أخرى، وهو ما يتطلب لاحقاً المصالحة بين أنقرة و "تل أبيب"، وبعد الانتهاء من ملف غزة بتفاصيله المعقدة، فلسطينياً وإقليمياً ودولياً.