بعد " تحييد " إمام أوغلو .. لا انقلاب وربما انتفاضة

الأوساط السياسية والإعلامية ترى أن الرئيس إردوغان لن يسمح لإمام أوغلو بمنافسته، وهو ما ستقرره المحكمة قريباً "بتحييده" سياسياً عبر قرار جديد يمنع عليه ممارسة العمل السياسي إلى الأبد.

0:00
  • هل يسمح إردوغان لإمام أوغلو بمنافسته؟
    هل يسمح إردوغان لإمام أوغلو بمنافسته؟

كما كان متوقعاً، وبناءً على طلب وكيل النيابة العامة، أمرت المحكمة في إسطنبول بوضع أكرم إمام أوغلو في سجن سيليفري السيئ الصيت؛ بسبب استضافته جميع معارضي الرئيس إردوغان، ومنهم الزعيم السابق لحزب "الشعوب الديمقراطي" صلاح الدين دميرطاش ورفاقه، وهم هناك منذ 9 سنوات حالهم حال العشرات، وأحياناً المئات من أمثالهم، وأياً كانت التهم الموجهة إليهم، وفي مقدمتها الإساءة إلى رئيس الجمهورية.

وقررت وزارة الداخلية، بناءً على توصية المحكمة، إقالة إمام أوغلو من منصبه كرئيس لبلدية إسطنبول التي يسيطرعلى مجلسها البلدي أتباع حزب "الشعب الجمهوري"، وهي الحال في بلديتين فرعيتين في إسطنبول، وأمرت المحكمة أيضاً بوضع رئيسيها في السجن وتعيين موظفين حكوميين بدلاً منهما.

ولا يستبعد كثيرون أن تحل السلطات المجلس البلدي، وتقوم بتعيين موظف حكومي رئيساً لبلدية إسطنبول، وذلك مع اقتراب موعد محاكمة إمام أوغلو المتوقع لها أن تكون بعد ثلاثة أشهر.

في الوقت الذي تتهم فيه الأوساط الحقوقية النيابة العامة بتلفيق الادعاءات بحق إمام أوغلو في كل الدعاوى المرفوعة حتى الآن، ووصل عددها إلى سبع دعاوى، تعتمد معظمها على اعترافات شهود الزور، كما هي الحال في الاتهامات الأخيرة، وقبل ذلك في قضية إلغاء جامعة إسطنبول شهادة إمام أوغلو بعد 35 عاماً من تخرجه منها بحجة أنها مزورة، وهو غير صحيح.

على صعيد ردود الفعل، خرج الملايين من المواطنين الأتراك ومعظمهم من النساء والشباب في مختلف المدن التركية إلى الساحات والشوارع رافعين اللافتات والصور التي تعبّر عن تأييدهم لإمام أوغلو، وتستنكر سياسات الحكومة المعادية للديمقراطية والدستور والقوانين.

ومع تدخل قوات الأمن بين الحين والحين لفضّ هذه التظاهرات والمسيرات، والتي تمّ خلالها إلقاء القبض على 1130 متظاهراً، زاد عدد المشاركين يوماً بعد يوم، كما بيّنت استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسات مستقلة أن 68%؜ من الشعب التركي يرفض ما يتعرض له إمام أوغلو وقال 63٪؜ منهم إنهم سيصوّتون تأييداً له في أول انتخابات قادمة سيكون موعدها الدستوري في حزيران/ يونيو 2028.

ويبدو واضحاً أن تركيا لن تتحمّل حتى ذلك التاريخ، ليس فقط بسبب السيناريوهات الخاصة بالمعطيات الداخلية بل أيضاً بسبب سياسات الرئيس إردوغان الإقليمية والدولية التي يريد لها أن تحظى بدعم واشنطن له ضد معارضيه الآن ومستقبلاً.

وتقول الأوساط السياسية والإعلامية إن الرئيس إردوغان لن يسمح لإمام أوغلو بمنافسته، وهو ما ستقرره المحكمة قريباً "بتحييده" سياسياً عبر قرار جديد يمنع عليه ممارسة العمل السياسي إلى الأبد.

في الوقت الذي لا تستبعد فيه الأوساط السياسية لرئيس بلدية أنقرة منصور ياواش من أن يلقى هو أيضاً مصير أكرم إمام أوغلو باعتباره المرشح الآخر والأكثر حظاً في مواجهة إردوغان، وسط معلومات لا تستبعد اختيار ديلاك إمام أوغلو، زوجة أكرم إمام أوغلو، مرشحة باسم "الشعب الجمهوري" وأحزاب وقوى المعارضة بما فيها الكردية.

فعلى الرغم من مساعي الرئيس إردوغان للمصالحة مع حزب "العمال الكردستاني" لمنع الكرد من التحالف مع إمام أوغلو، فقد أعلن الرئيس المشترك لحزب "المساواة وديمقراطية الشعوب" (الجناح السياسي للعمال الكردستاني) تونجر باكيرهان استنكاره العنيف لسياسات الحكومة ضد إمام أوغلو.

وأعلن المتحدث باسم حزب "الشعب الجمهوري" أن عدد الذين صوّتوا لإمام أوغلو في العملية الانتخابية الحزبية من منتسبي الحزب وصل إلى 1،653،000 من أصل مليون و 750 الفاً هم أعضاء الحزب المسجلّون رسمياً يضاف إليهم 13،844،070 مواطناً ذهبوا يوم أمس الأحد إلى صناديق الاقتراع طوعاً للتعبير عن تأييدهم له كمرشح لـ"الشعب الجمهوري" في انتخابات الرئاسة القادمة.

ومن دون أن يبالي أحد بكل ما يتعرضون له من سياسات الدولة التركية التي تعرف جيداً أن إمام أوغلو ما زال أكثر حظاً من إردوغان، إذ إنه أصغر منه بنحو عشرين سنة وشعبيته بين الشباب والنساء عالية جداً، يضاف إلى ذلك، قوته في الخطابة والتواصل مع الجماهير بعد أن سئمت غالبية الشعب التركي من أسلوب الرئيس إردوغان "الاستفزازي والتصعيدي والتحريضي والعدائي" لمعظم فئات الشعب التي تعرف جيداً تفاصيل قصص الفساد الخطيرة التي طالت إردوغان وعائلته والمقربين منه.

ويبقى الرهان في نهاية المطاف على السيناريوهات المختلفة التي تستبعد قطعاً أي انقلاب عسكري ضد إردوغان بعد أن سيطر على المؤسسة العسكرية برمتها، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز/ يوليو 2016.

ومن دون أن تتجاهل هذه السيناريوهات استمرار "الانتفاضة الشعبية" باعتبارها آخر فرصة لحزب "الشعب الجمهوري" وحلفائه للتخلص من الرئيس إردوغان في أقرب انتخابات رئاسية قد تكون نهاية العام المقبل، بعد أن وصل الاقتصاد التركي إلى حافة الإفلاس، وزادت الأحداث الأخيرة من خطورة هذا الوضع، حيث خسرت بورصة إسطنبول ما لا يقل عن 40 مليار دولار خلال خمسة أيام، واضطر المصرف المركزي إلى ضخ 35 مليار دولار لمنع المزيد من التدهور في قيمة الليرة التركية. 

في الوقت الذي يعرف الجميع أن الرئيس إردوغان الذي هدد الاثنين 24-3 المتظاهرين وزعيم "الشعب الجمهوري" أوزغور أوزال لن يتراجع عن سياساته الحالية، بما في ذلك حملات وإجراءات التصعيد في جميع المجالات، وسترافقها سلسلة اعتقالات ضد الصحفيين وإغلاق معظم وسائل الإعلام المعارضة التي لا يريد إردوغان لها أن تعترض على سياساته الداخلية والخارجية.

ويعتقد شخصياً أنها تحظى بدعم وتأييد واشنطن، التي يعتقد أيضاً أنها بحاجة إليه ما دام هو الأقوى داخل تركيا بإسكات المعارضة نهائياً، وخارجياً بمزيد من التأثير في سوريا التي ستكون محور كل التطورات المستقبلية للرئيس ترامب بعد إغلاق ملف أوكرانيا، ليكون إردوغان ضيفه الجديد في البيت الأبيض (منتصف الشهر المقبل) ومن دون أن يكون واضحاً ما الذي سيطلبه منه ومقابل ماذا، وهو ما سيستكشفه الوزير هاكان فيدان في واشنطن التي وصلها فجأة (الثلاثاء) وبتعليمات من رئيسه إردوغان.