بين رفض إملاءات ترامب و"الحزام الأمني البحري 2025".. كيف تستعد طهران للمواجهة؟

يُحسب للقيادة الإيرانية وعيها الدائم بحقائق القوة على الأرض، واستعدادها الدائم بما يلزم من معدات عسكرية وبُنى صناعية وتحالفات سياسية، تُمكنها من الصمود ومن ثمّ الردّ.

0:00
  • استعداد إيران للمواجهة.. والتنسيق مع الحلفاء.
    استعداد إيران للمواجهة.. والتنسيق مع الحلفاء.

رفضت طهران دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتفاوض على اتفاق نووي، لأن قيادتها تعي أن هذا المسار لا يستهدف معالجة القضايا العالقة أو حلّ أي مشكلات تعطّل نشوء علاقات طبيعية بين إيران والمعسكر الغربي، بقدر ما يستهدف التدخل في شؤون الدولة الإيرانية وفرض سياسات وإجراءات محددة، لا تصب في مجملها في صالح المواطنين الإيرانيين، وكذلك عموم أبناء المنطقة.

رداً على الموقف الإيراني، كرّر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض براين هيوز، مقولة ترامب، ومضمونها أن إيران أمام خيارين إما مواجهة ضربة عسكرية عنيفة أو القبول بالجلوس مع المفاوضين الأميركيين بزعم التباحث حول "كبح جماح البرنامج النووي"، بيد أن التجارب المتعددة لهذا النوع من "المفاوضات" تثبت أن واشنطن لم تكن يوماً جادة في التوصل إلى سلام دولي، بل هي تبحث عن الهيمنة وإخضاع العواصم الأخرى.

"تل أبيب" تراقب المشهد جيداً، وتدرك دورها كقاعدة عسكرية متقدمة للقوى الغربية، وأنها ستكون مدعوّة إلى المشاركة في الحملة على إيران، إذا ما تابع ترامب رعونته، وذهب باتجاه التصعيد العسكري؛ وهو ما سيكون بمنزلة استجابة لدعوات زعماء اليمين الإسرائيلي، والذين يرون أن اللحظة الحالية هي الأنسب لتدمير العديد من المنشآت الإيرانية، لكنّ قادة "الجيش" الإسرائيلي لا يملكون الجرأة ولا الإمكانيات اللازمة لتنفيذ مثل ذلك الهجوم من دون الدعم اللوجستي والعسكري الأميركي الواسع النطاق.

التدريبات التي يجريها ضباط الاحتلال وجنوده على قمة جبل الشيخ ضمن الحدود السورية، والتي تشابه في تضاريسها بعض المناطق الإيرانية، تشير إلى أن "تل أبيب" تأخذ خيار العمل العسكري على محمل الجد، في الوقت الذي يؤكد فيه مسؤولون إسرائيليون أن تلك المناورات تحاكي سيناريوهات معقدة تتضمن إنزالاً جوياً واشتباكات في مناطق جبلية وعرة.

في مواجهة تلك التحديات، أعلنت طهران أنها ستتصدى بقوة لأي هجوم إسرائيلي أو أميركي، وأنها مستعدة للرد، وأن منشآت "إسرائيل" النووية ستكون ضمن أهداف الرد؛ وقد أجرت القوات الإيرانية مناورات عسكرية واسعة النطاق تضمنت اختبار صواريخ متطورة، من بينها صاروخ "خيبر 4" الذي يتمتع بقدرة تدميرية تعادل 60 طناً من الـTNT.

في ضوء تلك الظروف المعقدة، وسعي واشنطن لاستغلال سلاح العقوبات الاقتصادية الخانقة للضغط على إيران، بالإضافة إلى مساعي "إسرائيل" لاستثمار المتغيّرات الإقليمية، وإضعاف رأس محور المقاومة في طهران، تأتي مناورات "الحزام الأمني البحري 2025" بين روسيا وإيران والصين، والتي تجري على مدار أيام عدة في الجزء الشمالي من المحيط الهندي، إذ ستقوم الطواقم بتنفيذ مهمات تتعلق بالبحث والإنقاذ في البحر، بالإضافة إلى إجراء تدريبات على إطلاق النار بالمدفعية ضد أهداف بحرية وجوية.

استعداد إيران للمواجهة.. والتنسيق مع الحلفاء

نادت الثورة الإيرانية منذ أيامها الأولى بعالمٍ يخلو من الهيمنة، وحشدت كل طاقتها على مدار عقود لمنع الولايات المتحدة الأميركية من التحكم في شؤون غيرها من الدول؛ ولتحقيق ذلك الهدف سعت طهران لحشد الحلفاء الأممين الذين يتشاركون معها الحُلم العادل ذاته، واليوم تحاول القيادة الإيرانية تعزيز العلاقات بصورها كافة مع كل من موسكو وبكين، بغرض مواجهة أي مخططات أميركية متهورة قد يلجأ إليها دونالد ترامب.

على مدار ستة أعوام، نظمت إيران بشكل دوري مناورات بحرية بالغة الأهمية مع روسيا والصين، حملت اسم "حزام الأمن البحري"، ولم تتوقف طوال تلك الفترة سوى في 2020 بسبب وباء كوفيد - 19، لكنها هذا العام، تكتسب أهمية مضاعفة بسبب التوترات التي تجري في منطقة الشرق الأوسط، نتيجة الحرب على غزة، واستشهاد أبرز قادة المقاومة في لبنان، وكذلك سقوط النظام السوري الذي كان بمنزلة الحليف الأبرز لكل من طهران وموسكو.

مضمون مناورات 2025، ليس عسكرياً بقدر ما هو سياسي؛ صحيح أن هذا النوع من المناورات سيلعب دوراً كبيراً في منح القوات البحرية التابعة للدول الثلاث الخبرات القتالية اللازمة، لكن أهم ما في الأمر أنه رسالة إلى الإدارة الأميركية، مفادها أن هناك تنسيقاً عالي المستوى بين أهم ثلاث عواصم في الكرة الأرضية اليوم، تكافح من أجل عالم متعدد الأقطاب يخلو من الهيمنة، ويسمح للشعوب بتحديد مصائرها بحرية ومن دون تأثير من دول أجنبية.

ويشارك هذا العام في مناورات "حزام الأمن البحري"، نحو 15 سفينة وسفينة دعم وزوارق قتالية، بالإضافة إلى طائرات مروحية تابعة للطيران البحري، وتمثل الجانب الروسي الفرقاطات "ريزكي" و"بطل الاتحاد الروسي ألدار تسيدينجابوف"، بالإضافة إلى ناقلة الوقود البحرية المتوسطة "بيتشينغا" التابعة لأسطول المحيط الهادئ؛ أما وزارة الدفاع الوطني الصينية، فأشارت إلى أن الأسطول الصيني سيتضمن مدمّرة وسفينة إمداد.

وتأتي تلك المناورات، بعد شهرين تقريباً من إطلاق القوات البرية للحرس الثوري الإيراني، المرحلة الأولى من مناورات «الرسول الأعظم- 19» في محافظة كرمانشاه غربي إيران، بمشاركة وحدات مختلفة من القوات الخاصة واستخدام أسلحة ومعدات جديدة،  وهي المناورات التي تحدث بشكل دوري في مياه الخليج ومضيق هرمز لاختبار الجهوزية العسكرية ولتجريب أسلحة جديدة.

رسائل سياسية من المحيط الهندي إلى البيت الأبيض

يُحسب للقيادة الإيرانية وعيها الدائم بحقائق القوة على الأرض، واستعدادها الدائم بما يلزم من معدات عسكرية وبُنى صناعية وتحالفات سياسية، تُمكنها من الصمود ومن ثمّ الردّ.

ولعلّ هذا الشيء بالتحديد هو ما ضمن بقاء طهران كقوة إقليمية ومؤثرة في المنطقة إلى اليوم، ومنع الإدارات الأميركية المتتالية من تحقيق أحلامها بالانتصار عليها.

فطهران التي ترفض التفاوض تحت الضغط، معتبرة أن أي حوار يجب أن يحصل في أجواء طبيعية، بعيداً من العقوبات الخانقة التي فرضتها إدارة ترامب، هي ذاتها التي ضاعفت مناوراتها العسكرية خلال العام المنصرم، فأجرت نحو 30 تدريباً برياً وجوياً وبحرياً، كما اختبرت منذ أسابيع صاروخ كروز المضاد للسفن من طراز "قدر-380" بمدى يتجاوز 1000 كيلومتر، ما يعدّ تهديداً للسفن الحربية الأميركية في المنطقة.

واليوم، بالتعاون مع قطبين عالميين، تحشد قواها البحرية، انطلاقاً من ميناء تشابهار المُطل على بحر عمان، لإجراء مناورات بحرية ضخمة، ما يُعدُّ رسالة سياسية إلى الولايات المتحدة وحلفائها، مفادها: إيران ليست وحدها، وهي قادرة على تشكيل تحالفات استراتيجية لمواجهة النفوذ الأميركي في المياه الدولية.

أهم الرسائل السياسية الموجهة إلى الولايات المتحدة

١- إيران جزء من تكتل دولي جديد: التعاون العسكري بين إيران وروسيا والصين يُظهر أن طهران ليست معزولة، رغم العقوبات والضغوط الغربية. يعزز هذا التحالف موقف إيران في مواجهتها مع الولايات المتحدة، سواء في الشرق الأوسط أو في القضايا الدولية الأخرى.

٢- تحدي الوجود الأميركي في عموم المنطقة:  الولايات المتحدة تملك تحالفات بحرية قوية، مثل الأسطول الخامس في البحرين والتحالفات الأمنية في الخليج، كما أنها شكّلت في نهاية 2023 تحالف "حارس الازدهار"، بهدف قطع الطريق على المشاريع التجارية الصينية "الحزام والطريق"، وحماية أمن "إسرائيل" من هجمات حركة أنصار الله في اليمن.

في المقابل، تثبت إيران قدرتها على الرد عبر تشكيل تحالفات مضادة، وتُظهر مناورات "الحزام الأمني البحري" تحدياً مباشراً للوجود العسكري الأميركي في المنطقة.

٣ - القدرة على حماية الأمن البحري والممرات التجارية: تبعث طهران رسالة بأن لديها القدرة على حماية مصالحها التجارية وأنشطتها الاقتصادية في مجالها الحيوي، وأنها قادرة على مواجهة أي نوع من التحديات أو المخططات التي تستهدف أمن الشعب الإيراني ومعاشه.

٤ - ممرات الطاقة العالمية: تُعدّ منطقة الخليج بالإضافة إلى المحيط الهندي، من أهم المناطق التي يُصدّر النفط والغاز منها إلى مختلف الدول، ويعدّ مضيق هرمز وباب المندب، أهم ممرين للطاقة في العالم.

ولا شك أن إظهار القوة البحرية في تلك المناطق يعني أن إيران تمتلك القدرات اللازمة للتأثير على حركة النفط والتجارة العالمية، إذا تعرضت لضغوط عسكرية أو اقتصادية كبيرة.